استراتيجيات جديدة في إعادة تموضع الجيش السوري
شارل أبي نادر
رأينا كيف تمت عملية مهاجمة مدينة جسر الشغور، تلك المدينة السورية الحدودية ذات الأهمية الاستراتيجية في كونها مدخلا مهما وقاعدة انطلاق لعمليات هجومية حساسة على الساحل السوري أو في عمق الشمال، في محافظة حماه وامتدادا الى محافظة حمص، وفي إجراء تحليل مركّز بعض الشيء لمعاني عمليّة مُهاجمة مدينة جسر الشغور، نجد ما يلي:
- كثرة عدد المقاتلين الأجانب الذين شاركوا في العملية والذين يعتبرون من أشرس الارهابيين العالميين.
- تطوّر لافت في تقنيّات المُهاجمة لدى الإرهابيّين وهذا نتيجة التدريب العالي الذي يتلقّونه في تركيا وفي مراكز خليجيّة معروفة وبإشراف مُباشر من وحدات متخصّصة بالعمليّات الهجوميّة من الجيش الأميركي.
- حيازة الإرهابيّين أجهزة اتصال متطورة وأسلحة نوعيّة متعدّدة ليس أقلّها صواريخ تاو الأميركيّة المضادّة للدروع، المُوجّهة حراريّاً والمعدلة بنسخ حديثة، مع الملاحظة اللافتة لعدد كبير للقواعد والصواريخ التي تتفوق على ما حصل عليه الجيش اللّبناني عبر الهبة السعوديّة من الدولة الفرنسيّة (كماً ونوعاً) والذي ترافق مع استعراض إعلامي دون أيّ جدوى أو قيمة عسكريّة تقنيّة، وحيث أن هذا الجيش يحارب الارهاب فيما تعتبر "جبهة النصرة” بالنسبة للتحالف الواسع التي تتزعمه الولايات المتحدة الامريكية "منظمة ارهابية”.
- الرعاية التركيّة المُباشرة لوجستيّاً وعملانيّاً وأمنيّاً لهؤلاء الإرهابيّين.
- المعطيات الدقيقة في المعلومات الاستعلاميّة حول العديد والعتاد والأسلحة التي تخص الجيش السّوري وأماكن تمركزه والتي وفرتها للمهاجمين أجهزة مخابرات معروفة ليس أقلّها مخابرات العدو الإسرائيلي وأجهزته المتطورة في الرّصد والتجسّس و التي تغطي سماء سوريا بشكل كامل.
- التنسيق العسكري المتقن الذي رافق العملية والذي لا يمكن تأمينه الا من قبل غرفة عمليات نموذجية متطورة و فعالة في القيادة والسيطرة.
هكذا ومن خلال ما يُمكن استنتاجه من معان وآفاق وتفاصيل هذه العمليّة، لا بدّ للجيش السّوري والذي يتحضّر مبدئيّاً للقيام بهجوم معاكس لاستعادة مدينتيْ إدلب وجسر الشغور، حيث تُعتبر هذه المهاجمة المعاكسة جد ضروريّة لاستعادة زمام المُبادرة في المعركة، لا بدّ له من إعادة تقويم شاملة ودقيقة في تنظيم مُناوراته الدفاعيّة بشكل يسمح له بالتصدّي الناجح لمُواجهة جيوش نظاميّة مجهّزة وليس فقط لمواجهة مجموعات مُسلّحة متفرّقة وغير منظمة، وهذه المُناورة الدفاعية تفرض إجراءات خاصّة يجب العمل عليها، في تحديد الجّهد الرئيس في المُدافعة وفي فصل قوى تغطية واستطلاع تقوم بمهمّة رصد وإنذار مُسبق لقوى العدو الإرهابي، تفضح وتحدد حجم وحداته المهاجمة ومحاور تقدمّها، كما وعليه التفكير جديّاً بخلق جبهة واسعة للمُدافعة تمتد في العرض وفي العُمق، بشكل تسمح بالمُناورة الدفاعيّة من خلال عمليّات تراجعيّة ضروريّة لكسب الوقت وتدمير العدو، فدخول المُسلّحين الإرهابيّين على إدلب وسيطرتهم على المحافظة بشكل كامل سيكون هدفهم الرئيس مدعومين وبقوة من دول التحالف المذكور، مع تشديد الضغط لامتداد سيطرتهم على حماه ثم على حمص، وهذا قد يخلق وضعاً مشابهاً للانهيار الذي أحدثته "داعش” في العراق ( الأنبار وتكريت والموصل)، عندما سيطرت مدعومة من الدول المذكورة نفسها ومع أفضليّة هنا في الشمال السوري لصالح إرهابيي القاعدة (النّصرة والجبهة الإسلاميّة)، فالبيئة في حماه وفي حمص وان لم تكن بيئة حاضنة بالكامل لهم ولكنها لا تقلّ تعاطفاً مع هؤلاء عن تلك الموجودة في المُدن العراقية التي اجتاحتها داعش ، خصوصا”، لا يمكننا التغاضي عن الحراك المسلح الذي تشهده حماه وحمص مع أريافها ، والأهمّ والاخطر من ذلك هو القرب الجغرافي من الحدود التركيّة مع ما يعنيه ذلك من سرعة في تدفّق السّلاح والعتاد والمسلّحين إلى أرض المعركة...