kayhan.ir

رمز الخبر: 18802
تأريخ النشر : 2015May05 - 20:36

الحضارة والخير في مواجهة الشقاوة والبداوة

بين ما أطلقه القدماء على اليمن من عنوان البلد السعيد، لرقي حضارته، وجمال طبيعته، وسلامة سريرة أبنائه، ودوره في بناء حضارة وعمران محيطه الجغرافي والإنساني وما أطلقه السيد عبد الملك الحوثي على السلطات السعودية من عنوان "جار السوء” وما يحمله هذا النعت من صفات سلبيّة تعود إلى الدور السيء على الحقيقة الذي لعبته السلطات السعودية منذ نشأة حكمها في شبه الجزيرة العربية من مجافاة لوحدة اليمن والسعي الدائم لمنع ابنائه من استثمار مصادر قوته، وزرع الفتنة بين قواه الاجتماعية والسياسيّة والنظر بعين الحسد والغيرة والطمع والخوف الى كل ما يمثله اليمن، في ماضيه الزاهر كما في حاضره الواعد، كل هذا التباين بين البلد السعيد الآمن الواعد المتفاعل مع محيطه وبين جار السوء المتربّص شراً مع جيرانه، والذي يجلب لهم الأذية والضرر.

هذا الوصف يمكنه أن يفسِّر بالمعنى الحضاري طبيعة الحرب العدوانية التي شنها النظام السعودي على اليمن وذلك وفق الرؤية الناظرة، وراء الأسباب المباشرة للأحداث والوقائع، والقادرة على تفسير فداحة ما يحدث من عدوان، لا يمكن أن يقوم به إلاّ من كانت نفسه تتصف بكل المعاني غير الأخلاقية المتضمنة في مثال "جار السوء”...

وعليه نكون في محضر النظر إلى حقيقة العدوان السعودي على اليمن أنه حرب "جار السوء” على البلد السعيد...

في هذه الحرب بين اليمن وما يمثله، ونظام آل سعود وما يمثله، تظهر واحدة من وجوه الصراعات في هذا العالم بداية الألفية الثالثة، وخاصة في شبه القارة العربيّة والإسلامية والتي تأخذ وجوهاً متعددة، بين حرية التفكير والتكفير، وبين العدل والظلم، والحرية والاستعباد، والتعاون والاستبداد، والمشاركة والإقصاء، والمعرفة والجهل، وكذلك بين الحضارة والبداوة وبين السعداء والأشقياء...

ما يظهر في أشكال هذا الصراع يتفاوت بين مدلولاته الظاهرة والباطنة، وذلك أن كثيراً من مظاهر الغنى المادي والعمران الإسمنتي فوق رمال الصحراء، وانتشار (مدن الملح) وبناء مجتمع الاستهلاك المفتوح على كل ما أنتجه الغرب الصناعي من آلات للحرب وما يصحبها من مستلزماتها، وكذلك ما يستدعيه الثراء، من أشكال المعاش المادية، والتي لا تستطيع أن تخفي ما يعتمر في باطن الشكل، من عناصر الجهل، والتطرف، والعصبية، والجشع، والطمع، والاستبداد والاستتباع. وفي الجهة المقابلة في البلد السعيد، تطفو قيم الحياة الإنسانية، في أشكالها المتعددة من الأسرة إلى القبيلة، إلى الجماعة، إلى المواطنية الحقَّة، تراث حضاري وجوهر مشع وراء أغشية الفقر المادي، الذي يتبدى في المعنى والرمز والتأويل كالزاوية عند الصوفية، يكمن فيها الجوهر الإنساني للروح، وإذا، ذهبت إلى مظاهر الثقافة المعاصرة، أو الحداثة، وجدت أن اليمن متقدم على محيطه بسنوات إبستمولوجية وخاصة نظام العربية السعودية، تستلزم عند الآخرين سنوات مضافة من أجل اللحاق بها.

هذه الحقائق المعرفية ذات البعد الحضاري، تبدت في الحركة السياسية للشعب اليمني، في التظاهرات الشعبية السلمية التي نظمها، في ثوراته المتعاقبة، في الحوار السياسي بين قواه المختلفة، في مستوى هذا الحوار وطبيعة الخطاب ومستوى المسؤولية الأخلاقية، والتزام المعايير الوطنية والإسلامية والإنسانية، وفي نبذه للعنف مع استعداده للدفاع عن نفسه بشجاعة واقتدار.

تتبدى مظاهر هذه الحقائق، في التباين بين البلد السعيد وجار السوء، وكذلك بين الحضارة والبداوة، في زمن الحرب، ولكن... لماذا؟...

لأن في أزمنة الحرب، تظهر الأنظمة والبلدان كل ما عندها، تستنفر طاقاتها من أجل أن تظهر حقيقتها وأن تكون هذه الحقيقة هي المنتصرة. الحرب واحدة من أكثر المرايا لتجليات ثقافة الجماعات، وطبيعة السلطات، وامتحان القدرات، ومعرفة السياسات، وكذلك، صناعة المتغيرات. ومن هذا المنظور الحضاري، يمكن لنا أن نستبين الخصائص الحضارية للبداوة ولا نغتر، بأن البداوة يمكن لها أن تستخدم كل مخزون صناعة القتل عند الحضارات الأخرى ولكنها تستخدم ذلك وفق قواعدها الفكرية والأخلاقية، وعليه جعل الفقه الإسلامي وكذلك الفلسفة الإسلامية، لهذا الأمر حكم الآلة، التي ترتبط بالإنسان الذي يستخدمها بصرف النظر عن مصدرها. تستخدم القوات السعودية مخزون أسلحة الحرب الحديثة، في أخلاق البداوة وقيمها، العصبيّة والطمع والجشع والقتل والجاهلية التي تعارض الإسلام، والجبروت، وكل صفات الحرابة في الفساد وسفك الدماء.

- من ينتصر في هذه الحرب؟

وفق النظر إلى الصراع بين السعادة والشقاوة، وبين الحضارة والبداوة، وبين دار الخير وجار السوء، فإن الذي ينتصر في الساحة التاريخية، هو السعادة، والحضارة والخير، وتنهزم الشقاوة والبداوة (التي نستخدمها في معناها السالب للحضارة ومرادفها الجاهلية والأعراب في المصطلح الإسلامي).

وعليه يكون الأقدمون قد أدركوا مكانة اليمن في حركة السنن التاريخية للبلدان والممالك، ولعل ذلك يفسر كثيراً مما تنسبه الروايات من أدوار إيجابية لأهل اليمن في حركة السعي إلى نظام العدالة الإنسانية.

وعليه، فإن السيد عبد الملك الحوثي، وفي خطابه الأول، حدد مصائر المواجهة حين جعلها بين اليمن السعيد بلد الخير ونظام آل سعود جار السوء.

وفي عبر التاريخ أنه لا يستقيم الحكم مع الظلم، وأن الاستبداد يخرب الممالك، وأن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها، ولا يستطيع الشر الانتصار على الخير، لأن آدم غالب على الشيطان، كيف تتحقق هذه الرؤية في الموازين الواقعية للحرب، للبحث صلة من هذه الناحية.