kayhan.ir

رمز الخبر: 18737
تأريخ النشر : 2015May04 - 21:54

أميركا لا تسعى لـ’دمقرطة’ السعودية بل لتحسين إستبدادها

حسام مطر

يحتاج المرء الكثير من السذاجة ليقتنع بأن ما يجري في مملكة آل سعود سواء في الحرب على اليمن أو التعينات الجديدة هي نتاج رؤى وخيارات الملك السعودي أو المؤسسة السعودية عموماً. لا يمكن تحليل الوضع السعودي من دون بناء ذلك على تصور واضح لطبيعة العلاقات الأميركية – السعودية. فالعلاقة بين الولايات المتحدة وأسرة آل سعود هي علاقة تبعية كاملة، كما هي علاقة الولايات المتحدة – كقطب المركز الرأسمالي – مع كثير من النخب الفاسدة في دول الأطراف. إلا أن ما يميز آل سعود إكتنازهم لثروتين هما في غاية الأهمية للولايات المتحدة، وهما الطاقة والرمزية الدينية. هذا ما يجعل آل سعود بمثابة "آلة" لا يمكن التخلي عنها أو السماح بسقوطها أو بتقادمها بمرور الزمن.

سلمان والرئيس الأميركي باراك أوباما

وعليه، فإن وكل ما يجري اليوم في السعودية هو جزء من "عملية تكييف" يجريها الأميركي لضمان "دور مفيد" للسعوية في النظام الإقليمي المقبل. إذاً هي عملية "تشحيم وتزييت" أميركية لألة آل سعود لتكون جاهزة للتعامل مع تحديات المستجدات الإقليمية. الأميركي بحاجة لدور سعودي أكثر قوةً ليوازن إيران، واكثر عقلانيةً ليضبط تهوره الإقليمي، وأكثر جاذبيةً للتأثير في شعوب المنطقة، وأكثر مرونةً للإستجابة لتحديات الداخل.

إلا أنه من الطبيعي أن لا يرضخ آل سعود – أو بعضهم - بسكينة تامة للعملية الأميركية، إذ أن كل عملية تغيير أو تكييف ستواجه قدراً من رد الفعل والمقاومة من البنية القديمة. فالنظام السعودي عديم المرونة وتحكمه آليات ضبابية لصناعة القرار وتداول السلطة وللعلاقة بين المجتمع والسلطة، ولذا يدرك الأميركيون أنهم أمام عملية تكييف طويلة وتدريجية وبطيئة وإلا تفككت "آلة" آل سعود تحت وطأة جرعات مفرطة من التغييرات. هنا يبرز السؤال التالي:هل ستكون التحولات في المملكة وخارجها أسرع من عملية التكييف البطيئة هذه؟

إذاً، إعادة التموضع الأميركي في المنطقة بعيداً عن سياسات بوش التي مثلت "تقاطع جنون" مع آل سعود وثم السعي الأميركي لتكييف "آلة" آل سعود، يؤديان الى محاولات شغب سعودية ومساعي للإستفادة من هوامش الفراغ المتاحة زمانياً أو إستراتيجياً. لا يمكن للسعودي الإفلات من اللجام الأميركي، جل ما يمكنه القيام به هو محاولة كسب مسافة إضافية، وهنا يحتاج الأميركي أحياناً إما الى إطالة اللجام قليلً كي لا ينقطع أو كي يخيف بذلك الخصوم.

من باب الأمثلة، فإن العدوان على اليمن يستجمع عاملي مسايرة السعودية وإخافة إيران، ولذا فإن الأميركي يسير على الحبل في الملف اليمني ممسكاً بعصا التوازن، في طرف منها مسايرة آل سعود، وفي الطرف الآخر الضغط المقنن على إيران. فيما كان تصريح نائب الرئيس الأميركي بايدن ومسؤولين أميركيين آخرين عن مسؤولية السعودية وآخرين عن إنشاء داعش جزء من السعي أوباما للجم السعودية وجنونها "البوشي" (نسبة للرئيس بوش).

لا شك أن الحالة السعودية حبلى بالتناقضات، سواء على صعيد صراع أجيال أو أجنحة أو تيارات أو ثقافات، وهي صراعات تتغذى من عوامل داخلية خارجية على حد السواء. إلا أنه من المبكر الإعتقاد أن هذه التناقضات من شأنها تفجير المملكة بالمدى المنظور، أللهم بعض الإحتكاكات أو التوترات القابلة للضبط مثل بدء بروز أصوات معترضة ومساجلات علنية من داخل الأسرة الحاكمة. ما الذي يضمن هذه الإستقرار النسبي للمملكة داخلياً؟

أولاً والآهم هو الرعاية الأميركية الكاملة لنظام آل سعود سواء رعاية من خصومات الأسرة فيما بينها أو من أي تهديد خارجي. ثانياً، حجم الفوائض المالية التي ينتجها نفط المملكة والتى ستبقى قادرة على لجم وإخماد أو تأجيل الكثير من التحديات اٌلإجتماعية. إلا أن الأميركيون يدركون أن السياسات الإقتصادية الحالية للمملكة غير مستدامة بفعل نظامها الريعي التام. ثالثا، أن الشرخ بين المجتمع والسلطة في المملكة في إتساع إلا أنها عملية بطيئة وتحتاج زمناً، لحينها سيبدأ الأميركيون بتوسعة طفيفة لعملية المشاركة الشعبية في العملية السياسية والحقوق الفردية وخاصة لشرائح الشباب والنساء.

رابعاً، هو قوة حضور أجهزة البطش والسيطرة والتحكم الأمنية والدينية داخل المملكة. خامساً، حجم وتأثير جهاز الدعاية الإعلامية للمملكة وقدرته على "سجن" سكان المملكة وفق تصورات السلطة. إلا أن تطورات الإعلام الإلكتروني والتواصل الإجتماعي خلقت مجالاً خارج تحكم السلطة وإن ليس بشكل كامل، تستطيع من خلاله شرائح متزايدة العمل بما بخالف أجندة ورؤية السلطة. إلا أن التحدي الأهم داخل المملكة بالنسبة للأميركيين في كيفية إدارة العلاقة بين المؤسسة الدينية المتشددة والأكثر جموداً وبين مجمل عناصر هذه العملية التكيفية.

إن نظام آل سعود لا يبدو مهدداً بالسقوط بالمدى المنظور، إلا أنه سيصبح أكثر تعقيداً في عمليات صنع القرار إذ ستدخل عناصر داخلية وخارجية بشكل مؤثر في عقل صانع القرار قبل الإقدام على خيارات كبرى. أميركا لا تسعى لدمقرطة آل سعود بل لتحسين إستبدادهم، فالأحمق من يذبح دجاجته التي تبيض ذهباً ومالاً ونفطاً ورموزاً لخدمة هيمنته.