رداً على مقال الشيخ خلدون عريمط - عاصفة لا هي صحوة للعرب ولا صدمة لإيران
بقلم الشيخ صهيب حبلي
نشأت المخاوف الخليجية من الجمهورية الإسلامية في إيران منذ قيام الثورة التي أطاحت بحكم الشاه، على خلفية أن تمتد رغبة الثورة والتغيير ورفض الملكية ذات التابعية للسياسة الأمريكية، إلى أبناء الخليج الفارسي الذي كان لا يزال غارقاً في الجهل والتجهيل والبعد عن التقدم الحضاري والفكري.
فركزت دول الخليج الفارسي جهودها على إضعاف الدولة الإيرانية الناشئة اقتصاديا وأمنياً، وعملت على تطويقها بخطاب قومي وعروبي واتهامي وتشكيكي لمنع تأثيرها واستقطابها للمسلمين في الدول الإسلامية المحيطة بها كما ودول العالم العربي، وبحروب استنزافية لضرب بنيتها الداخلية ورفع جدار العزل عربيا وكان أشدّها وأطولها الحرب العراقية الإيرانية، كما ودعمت العديد من المجموعات الإيرانية الانفصالية المسلحة في الداخل والخارج، كل ذلك خوفاً من أن يصل فكر الثورة على الطغمة الملكية المستبيحة لمقدرات الأمّة، وتمدد النفوذ السياسي والإقتصادي الإيراني إلى محيطها والمنطقة.
دول الخليج الفارسي هي التي بدأت عدوانها على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وكررت محاولاتها في إضعافها، ولكن أمام الصبر الإيراني المتميز والإرادة القويّة ووضوح الرؤيا والمشروع والإصرار على تحقيق الهدف وعلى مدى خمس وثلاثين عام، ثبتت الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتمدد نفوذها السياسي إلى المحيط العربي والإسلامي ولكن من خلال؛ المبدأ الثابت في مقاومة العدو الصهيوني، والذي أثبت صدقيته بآلاف الشهداء، وضخامة الإنفاق على كافة الأنشطة الداعمة لتحرير فلسطين والقدس الشريف، ومن خلال الحرص على الوحدة الإسلامية التي تجلت في العديد من المؤسسات الدولية، كما ومن خلال استقلاليّة القرار ومواجهة الهيمنة الأمريكية، والتقدّم في الصناعة والحضارة الفكرية والثقافية والقوة الاقتصادية والعلمية والعسكرية والدبلوماسية.
أمّا دول الخليج الفارسي فسقطت في فخ الاستغلال الأمريكي، وتخلت عن أم القضايا فلسطين ورفضت خيار مقاومة العدو الصهيوني، ورفعت شعار السلام، واستخدمت العصبية القوميّة والمذهبية والمناطقية والقبلية لحماية سلطانها، فاضطربت سياساتها، وضربت عروبتها العراق واستجلبت الأمم عليها بأموالها، وارتد ما أرادته عليها وعلينا، فظهرت في مجتمعاتنا القاعدة وبناتها، وداعش وأخواتها، واستحكمت العصبيات القوميّة والمذهبيّة وحتى المناطقيّة والقبليّة فيها، فلا جامعة عربية جمعت، ولا الوحدة العربية أو الخليجية تحققت، ولا قوة اقتصادية والاكتفاء ذاتي أنجزت، ولا قيادة العالم العربي أو الإسلامي تصدّرت، أو حتى استفادت من طاقاته البشرية وموارده الطبيعية، ولا تحالفات سياسية وأمنية وعسكرية وعلمية عربية أو إسلامية أحدثت، وإنّما رضيت باستنزاف ثرواتها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ومخططات المجتمع الدولي لفرض السلام الظالم والعولمة والعلمنة وتغيير هويتنا الاجتماعية والثقافية الإسلامية.
بسببهم سقط العراق ممزقاً، ودارت رحى الحرب المدمرة في سوريا، وتُركت اليمن تغرق بالخلافات الداخلية والفقر والتخلف ومن ثم دمرت بنية الدولة وجيشها، وعمّمت في العالم الإسلامي والعربي الأحقاد المذهبية وسُفكت لأجلها الدماء العربية، ورضيت بالانحرافات الأخلاقية والفكرية واعتبرتها اقتصاد وسياحة وثقافة، واعتبرت الجهاد والمقاومة للصهيونية والهيمنة الأمريكية إرهابا، وقدمت كل الإمكانات لمشروع الشرق الأوسط الجديد.
بينما نجحت الجمهورية الإسلامية الإيرانية في اكتساب الاحترام الدولي، لصلابة مواقفها ورشادة وصبر دبلوماسيتها وثبات علاقاتها مع حلفائها، ولعل الأهم هو أنها تعرف ماذا تريد وكيف تصل لما تريد. بينما سقطت الدول الخليجية لتقلّب مواقفها، وتجنيد الخطاب الديني خدمة لتقلبها، ففي الأمس البعيد استقبلت السعودية الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني استقبالا منقطع النظير، وفتحت له الحجرة النبوية الشريفة للزيارة، واشرأبت الأنظار نحو حوار متوقع قد ينتج وحدة وقوة واستقرارا وتنمية في المنطقة، ومن ثمّ في الأمس القريب ومن طلبت القيادة السعودية ذاتها من واشنطن "قطع رأس الأفعى” بحسب مزاعمها بمهاجمة النووي الإيراني، واليوم وعلى الرغم من عاصفة الحزم وتداعياتها في العالم العربي رحبت دول الخليج الفارسي بالاتفاق النووي، كما عبّرت في القمة العربية في شرم الشيخ بقبولها بالنظام السوري من خلال عدم دعوة المعارضة للقمّة وإبقاء مقعد سوريا شاغراً.
فعن أي عاصفة حزم تتكلمون وأي صحوة عربية تدّعون وعن أي صدمة إيرانية تظنون، ولماذا تريدون تكريس قطبية المملكة العربية السعودية السنيّة، في مواجهة قطبية الجمهورية الإسلامية الإيرانية الشيعية؟، إنكم تدمروننا وتدمرون أنفسكم بعاصفتكم الهشة، فلا هي صحوة ولا هي صدمة.