عزت الدوري.. حقد أسود يمشي على قدمين
نبيل لطيف
يمكن اعتبار المجرم عزت الدوري ، القيادي الوحيد من بين الدائرة الضيقة التي كانت تحيط بالطاغية صدام ، الذي واصل جرائم القتل والتنكيل بحق العراقيين حتى بعد سقوط صنم بغداد عام 2003 ، بل ان تعطشه للقتل اشتد اكثر مما كان عليه ابان حكم سيده السفاح.
عزت الدوري الذي قُتل في عملية أمنية في منطقة حمرين شرق محافظة صلاح الدين يوم الجمعة 17 أبريل 2015، وذلك خلال مواجهات بين الحشد الشعبي وبين ارهابيين في منطقة حمرين، بالقرب من حقول علاس ، يعتبر من اخطر المجرمين البعثيين ، واكثرهم قسوة و بطشا ، فكان اداة طيعة بيد الطاغية صدام، وشريكا له في كل الجرائم التي ارتكبها البعث الصدامي على مدى ثلاثة عقود بحق العراقيين ، وزاد على سيده في الاجرام ، بعد ان استمر في ازهاق ارواح العراقيين، على مدى عقد من الزمن استمر بعد سقوط نظام البعث الصدامي عام 2003 وحتى عام 2015 ، عبر قيادته لايتام النظام البائد ، وتحالفه مع القاعدة و "داعش” والزمر التكفيرية التي عاثت بأرض الرافدين اجراما وفسادا.
ان من اهم اسباب بقاء المجرم الدوري قريبا من الطاغية صدام طوال ثلاثة عقود ، دون ان يتعرض للتصفيه شانه شأن باقي القيادات البعثية ، من قبل صدام ، هو تبعيته المطلقة له ، واقتناعه الكامل ب”عبقرية” سيده ، وهذه النظرة لصدام كانت تنبع من غباء مشهود ومشهور عن الدوري لدى اوساط العراقيين حتى عُرف بـ”الطرطور”.
المعروف ان عزت الدوري ، كان تلميذا فى ثانوية الأعظمية ولرسوبه أكثر من سنتين فى الدراسة النهارية تحول إلى الدراسة المسائية، وفتحت له صفحة فى سجل ثانوية الميثاق المسائية ولكن دون جدوى ما اضطره بعد أن رسب وفشل عدة مرات فى تلك المدرسة الثانوية أن ينزل للعمل فى الشارع ليصبح بائع ثلج ، وانخرط في صفوف حزب البعث، وسرعان ما اشتهر وبرز في الحزب حتى أصبح عضوًا في القيادة القطرية للحزب ، وبعد عام 1968 انتقل من بائع للثلج في الاعظمية ببغداد الى احد اكبر قادة العراق ، وبعد سنوات قليلة حمل الاوسمة والنياشين العسكرية الرفيعة دون ان تكون له اي خلفية اكاديمية او عسكرية ، سوى خلفية القتل وتنفيذ الاوامر بشكل اعمى.
ومن الوثائق التي تكشف عن حقد واجرام و وحشية الدوري ، تلك التي نقلتها صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن الدوري ، تحذيره للأكراد من مغبة الانتفاضة ضد النظام الصدامي عند اندلاع حرب تحرير الكويت في عام 1991 ، حيث خاطب الاكراد قائلا : "إذا كنتم قد نسيتم حلبجة، فإنني أريد أن أذكركم أننا مستعدون لتكرار العملية مرة أخرى” ، ويقصد بذلك استخدام النظام الصدامي المجرم للاسلحة الكيمياوية ضد اهالي حلبجة عام 1988 والذي ذهب ضحيته الالاف من الاكراد في دقائق قليلة.
وكان الدوري المتواري عن الأنظار منذ سقوط بغداد عام 2003 قد أعلن في تسجيل مصور بداية العام 2013، دعمه لساحات الاعتصام التي ظهرت في مدن الأنبار ، والتي كان يقف وراءها البعثيون والزمر التكفيرية ، والتي تبين فيما بعد ، ان هذه الساحات كانت القاعدة التي انطلقت منها "داعش” وعصابات البعث الصدامية بقيادة المجرم عزت الدوري ، لاحتلال الموصل والانبار وصلاح الدين.
وقبل هذا التسجيل كانت جميع التقارير تؤكد على أن الدوري ، الذي كان يتزعم جيش رجال الطريقة النقشبندية الارهابي ، المتحالف مع القاعدة و "داعش” ، كان وراء كل المجازر والفظاعات التي ارتكبت بحق الشعب العراقي منذ عام 2003 وحتى اليوم .
ان الغباء والحقد الاعمى ، الذي يتصف به عزت الدوري ، جعلا منه سفاحا لاتعرف الرحمة الى قلبه طريقا ، بل دفعه الحقد ضد الشعب العراقي ، الذي داس على سيده وعلى حزبه المجرم ، الى الانتقام من هذا الشعب باكثر الطرق بشاعة واجراما ، فقد تفننت فلول البعث الاجرامية في اساليب التفجيرات والاغتيالات وزرع الفتن الطائفية والمذهبية والقومية ، بل دفع هذا الحقد عزت الدوري الى التحالف مع "داعش” الارهابية ، التي دمرت تاريخ العراق وسبت حرائره وقتلت اطفاله وشيوخه وشبابه ، بشكل علني ودون ادنى خجل ، وكشف بذلك عن حقيقة البعث الصدامي وقياداته المجرمة التي حكمت العراق والعراقيين على مدى عقود طويلة.
ففي الوقت الذي يعتبر تاريخ غزو "داعش” للموصل وصلاح الدين يوما اسود على العراق والعراقيين بكل انتماءاتهم ومذاهبهم وقومياتهم ، لما اقترفته "داعش” من فظاعات يشيب لها الولدان ، نرى المجرم عزت الدوري وجيشه الارهابي جيش رجال الطريقة النقشبندية ، من اهم حلفاء "داعش” في غزوهم للعراق ، حيث اعتبر هذا المجرم وفي تسجيل صوتي احتلال "داعش” للعراق بانه فتح عظيم ، ويقول بالنص : "يومي تحرير نينوى وصلاح الدين من أعظم أيام تاريخ العراق والعرب بعد أيام الفتح الإسلامي”، وأن "تحرير بغداد الحبيبة قاب قوسين أو أدنى”.
وحيا الدوري ، في هذا التسجيل الصوتي ، رفاق دربه من "داعش” والزمر التكفيرية والعصابات البعثية ، حيث يقول : "حيا الله بعض مجاميع أنصار السنة وفي طليعة هؤلاء جميعا أبطال وفرسان القاعدة والدولة الإسلامية (داعش) ، فلهم منا تحية خاصة ملؤها الاعتزاز والتقدير والمحبة، تحية طيبة لقياداتهم التي أصدرت العفو العام عن كل من زلت قدمه وخان نفسه والله ووطنه ثم تاب إلى الله”.
كما شكر الدوري :”جيش وفصائل الثورة، جيش رجال الطريقة النقشبندية، ومقاتلي الجيش الوطني الباسل، ومقاتلي القيادة العليا للجهاد والتحرير، ومقاتلي الجيش الإسلامي، ورجال كتائب ثورة العشرين الأبطال، ومقاتلي جيش المجاهدين”.
التقارير الاستخباراتية الغربية ، كشفت عن هوية مؤسسي وقيادي هذه التنظيمات جميعها ومن بينها "داعش” ، هم ضباط سابقين في الجيش العراقي ومختصين بالتصنيع العسكري ، وضباط في الحرس الجمهوري والقوات الخاصة وفدائيي صدام ، تحالفوا مع الوهابية وشذاذ الافاق ، للانتقام من الشعب العراقي ومحاولة اعادة عقارب الساعة الى ما قبل 9 نيسان عام 2003.
دور عزت الدوري والبعثيين في سقوط الموصل وصلاح الدين بيد "داعش” ، اعترف به قيادي في "داعش” ، هو أبو بكر الجنابى فى حوار مع صحيفة "الرأى الكويتية” ، بقوله : (أن العملية التى قامت بها الدولة ضد القوات الحكومية للسيطرة على الموصل، بدأت من الداخل، وتمت كما كان مخططا لها بمشاركة الدولة وأطراف أخرى) ، مشيرا إلى "أن نائب الرئيس العراقى السابق عزّت إبراهيم الدوري يتعاون معهم على الهدف نفسه، ولم يصدر عنه إلى اليوم أي تصرف يثير الشك، إلا أن اليد الطولى هى للدولة”.
وقال الجنابى :”من الفرقاء الذين شاركوا مع الدولة فى الهجوم رجال النقشبندية وجيش المجاهدين والجيش الإسلامى” ، مشيرا إلى ان "انصهار أكبر حاصل اليوم مع هؤلاء الأفرقاء الذين تعاونا معهم من قبل”، لافتا إلى "أن رجال النقشبندية والبعث العراقى يختلفون عن "البعث السورى "الذى لا يعرف الإسلام، فهم يؤمنون بالعروبة والفتوحات الإسلامية، ويلتزمون بالدين الإسلامى ويصلون ويصومون على عكس السوريين”.
من آخر افرازات الحقد الطائفي الاسود للمجرم عزت الدوري ، قبل ان يلقى مصيره الذي يستحق على يد ابطال الحشد الشعبي ، هو موقفه وموقف تنظيمه الارهابي ، من العدوان السعودي ضد الشعب اليمني المظلوم ، فقد اصدر بيانا أيد فيه قتل اطفال ونساء اليمن واعاد هذا البلد العربي الاصيل الى اربعين عاما الى الوراء بفعل الدمار الذي لحق ببنيتة التحتية بفعل القصف الجوي المستمر منذ شهر ، دون ان تحرك هذه المأساة ضمير العرب والمسلمين.
ان مقتل عزت الدوري على يد ابطال العراق من الحشد الشعبي ، جاء انتقاما لكل الارامل والايتام والامهات الثكلى والمهاجرين والمهجرين ، ومن فقدوا زهرة شبابهم في المعتقلات والمنافي . عسى ان يعوض ذلك شيئا من العذابات التي عاشوها على مدى اكثر من اربعة عقود ، جثم فيها هذا "الحقد الاسود” المتمثل بالبعث الصدامي وزبانيته امثال السفاح عزت الدوري ، على صدورهم.