ما خفي من الكلام
حسين شريعتمداري
يمكن ان يكونوا على حق الا ان الزاوية الاخرى لاسقاطات الزاوية ليست بالغير وجيهة. استحضروا ذلك اليوم الذي هتف فيه القادمون للقاء الامام الراحل ومن اعماق قلوبهم: "مؤامرات اليسار واليمين اخمدها روح الله". فاجابهم الامام وقد رسم الحزم سحنات وجهه، قائلا: مهلكم، تريثوا! فأنتم يا ابناء الشعب من اخمد المؤامرات".
وكانت اجابة في الصميم، ولم نتوقع من امامنا الذي كان مثالا للتواضع اجابة غير هذه. الا انه من وبأي عقل سليم ورؤية ثاقبة يرضى انه لم يكن سماحة روح الله من فقأ عين الفتنة؟... ومع ان الحضور قد اشبع حب الامام، وهم رهن اشارته، كرروا هتافاتهم بان "مؤامرات اليسار واليمين أخمدها روح الله"... اذن كان الحق مع الامام وكذلك كان الحق مع الشعب.
الا ان ما نعنيه من هذا الحديث هو انه لو اقتصرت التوجيهات الحكيمة والمعبرة لقائد الثورة في الذكرى الخامسة والعشرين لرحلة سماحة الامام، بعبور الثورة الاسلامية باقتدار للعقبات الكأداء خلال 35 عاما الماضية، واحصاء مكاسبها العظيمة، وان يكتفي سماحته بنعت الفترة الحساسة والمصيرية من تاريخ الثورة دون ان يشير الى المرحلة التاريخية، ويسكت عن الدور الحياتي والمصير ي لقيادته خلال 25 عاما، الدور الذي يمكننا ان نعبر عنه بشجاعة انه لو اسقطت هذه الفترة وهي 25 عاما من بعد رحيل الامام، لما بقي لنا اليوم من الثورة الاسلامية والنظام المنبثق عنها، ادنى اثر.
ان تفصيل ذلك وان يطول مقامه وهو خارج عن فسحة ما تسمح للكاتب ان يعكسه هنا الا اننا سنشير الى نماذج منها:
1 ـ ان انهيار الاتحاد السوفياتي الحادثة التي توقعها الامام الراحل، قد وقع بعد رحيله بفترة قصيرة، وما كان من اميركا الا وتمني نفسها بقيادة العالم لخلو المنافس العتيد، وفيما قبل العالم بهذه القيادة سوى الجمهورية الاسلامية، في تلك الايام اعتبر الكثير من المحللين والمنظرين الدوليين وبعض اجراء الداخل، بان ساعة الجمهورية الاسلامية الايرانية قد اتت، وهم لذلك صاروا يطرحون وصفات بديلة لمسيرة هذه الثورة، وكيف ان اميركا الان اقوى من ما كانت عليه فترة حياة الامام الراحل، وان الوقوف امامها ليس بالامر العقلائي! ارجعوا الى التحاليل والمخاطبات الخارجية والداخلية لتلك الايام، وهي تخبر عن عقبات كأداء، الا ان قائد الثورة كان يدير بذكاء ما تجري من احداث.
فهو على العكس من التوصيات الخارجية والمنظرين الداخليين، لم يكن يعتبر الامور بالمحرجة وانما وصفها بالفرصة الاستثنائية لنشر تعاليم الثورة الاسلامية معتبرا تغيير القوى لصالح ايران، اذ كان على اعتقاد بأن الاسلام ونهجه المناهض للاستكبار القوة الجاذبة للشعوب الحائرة والمتضررة من المعسكر الماركسي.
وهكذا كان اذ تحولت ايران من دولة سهلة الاحتواء، حسب زعمهم، ومن قبل اميركا، الى خصم لهذه القوة الدولية، حتى انعكس ذلك على نظرية (فرانس فوكوياما) في نهاية العالم، حيث اعتبر اميركا بالقوة التي لا تضاهيها في العالم، واعلان (اوليوت كوهن) عن ظهور القطب الاسلامي القوي بريادة ايران في مواجهة القطب الغربي القوي.
2 ـ وبعد رحلة الامام (ره) برزت اذواق، تشبه ما ظهرت بعد رحيل رسول الله (ص) من فئات حاولت اضعاف الاسلام. ولكن هذه المرة بلباس مختلف، فمنهم من ادرك الحق ولكن غرته الدنيا، هؤلاء لم يجرأوا أن يعلنوا عن مكنوناتهم في حياة الامام.
والتيار الاخر قد مال الى اللعب في ساحة الاعداء.
وحيث عملوا على الضرب على اوتار تباين ما تهدف اليه الثورة الاسلامية وخط الامام، فهاب الكثير من المتحرقين على الثورة ان تنعكس افكار هذه الفئات على الشعب. الا ان القيادة الالهية لسماحة قائد الثورة، قد تمكنت من اخراج النظام الاسلامي من هذا الخطر المحدق، لتمخر سفينة الثورة عباب الامواج المتلاطمة، وتمضي في مسيرتها الواضحة.
3 ــ بعد احداث 11 سبتمبر، وبعد ان وجه رئيس اميركا الوقح اصابع الاتهام لايران، واصفا الجمهورية الاسلامية بمحور الشر! قيم بعض البسطاء والعديد من الانتهازيين وبائعي الوطن، قيموا الاوضاع بالمتأزمة، مرجحين وصفة التماهي مع الشيطان الاكبر، كي ــ حسب زعمهم ــ نأمن شر اميركا وحلفائها!
الا ان القائد وقف كالجبل الاشم، معتبرا الامواج المتصاعدة من هذا الحادث صنيعة اميركا او "اسرائيل" اعتبرها امواجا لا قدرة لها وهي ليست لا تؤثر على مبادئ الامام والثورة وحسب بل اكد سماحته على الاصرار على هذه المبادئ.
4 ــ وحين استعدت اميركا وحلفاؤها لغزو افغانستان تحت غطاء مكافحة الارهاب ومواجهة حركة طالبان، انبرى بعض المدعين للاصلاح، والذين كشفت اوراقهم فيما بعد بانهم كانوا قد تلقوا هذه الاشارات من الخارج، انبروا تحت ذريعة اننا لا نبغي الا الاصلاح! بطرح اقتراح الائتلاف مع طالبان لمواجهة اميركا، حتى بلغ اصرارهم على هذا الامر حدا يتصور من خلاله ان معارضة مقترحهم بمثابة عدم الاهتمام بالمصالح القومية ومصالح لنظام! ولولا فطنة وحكمة قائد الثورة المنبثقة من رؤية ايمانية، لما بقي اليوم للنظام الاسلامي والثورة واستقلال وعزة وحرية الشعب أي مجال للذكر.
5 ــ وحين استعدت اميركا في مارس 2003 ــ وبعد غزو افغانستان ــ لمهاجمة العراق ، كرر البعض ممن يدعون الاصلاح، وبذريعة ان صدام شخصية تقارب شخصية (خالد بن الوليد)، طرحهم وصفة الائتلاف مع صدام لمواجهة اميركا! وكأن افئدتهم خواء من أي حس اسلامي وفهم سياسي، افيمكن التنسيق مع ربيب اميركا وقاتل مئات الالاف من ابناء الشعب المظلوم، لمواجهة اميركا؟!!
فما كان من هذ الاقتراح الاحمق الذي كثر التهويل والتطبيل له، الا ويضرب من خلال تغافل سماحة القائد بعرض الحائط. حتى بلغ الامر مرحلة، انه بعد الخروج الفاضح للجنود الاميركيين من العراق، واقامة حكومة قريبة من ايران، وجه (سعود الفيصل) وزير خارجية السعودية خطابه لاميركا قائلا بامتعاض: لقد قدمتم العراق في طبق من ذهب الى ايران.
6 ــ ان الفتنة الاميركية الاسرائيلية عام 2009، ولما كانت اميركا واوروبا والصهاينة وجميع الدول والاحزاب والتيارات المعارضة والمناهضة لايران الاسلامية قد تحزفت وتكاتفت في هذه الفتنة، لهي اشبه بحرب الاحزاب في صدر الاسلام ــ بالطبع بابعاد اوسع ـ هذه الفتنة التي خطط لها بهدف واضح وعلني وهي اسقاط الجمهورية الاسلامية الايرانية.
وكان الاعداء على درجة من الثقة بنتائج هذه الفتنة، ان اعلنوا سلفا فوزهم واسقاط النظام الاسلامي في ايران، حتى بلغ بقادة الفتنة ان اماطوا لثام النفاق، غير آبهين بارتكاب افظع الجرائم وافضحها.
من هنا فمن كان يعتوره ادنى شك بأن هذه الفتنة الكبرى واليتيمة في تاريخ هذا البلد، ان تفشل بشكل فاضح بدراية وزعامة سماحة القائد الالهية، وانتهت بيأس وعجز اصحاب الفتنة، والايادي الخارجية المحركة لهم؟!
7 ــ ان المنجزات العلمية والتكنولوجية العظيمة، والصحوة الاسلامية بأرجاء المنطقة، والصمود الفريد للجمهورية الاسلامية الايرانية قبال الابتزاز والضغوط الناجمة من الاعداء في الخارج، والمؤامرات المتتالية لاذنابهم في الداخل و... كل هذا وذاك اليست رهن حكمة وهداية قائد الثورة.
ينبغي ان نلتفت، والتجربة تصدق ذلك، الى ان كل واحدة من هذه المؤامرات المذكورة، كان بامكانها بمفردها ان تفشل نظام دولة محكمة وبالتالي اسقاطها. تاسيسا على ذلك، فهل تشاطروني الرأي بان سماحة القائد، في مراجعته لحقبة 35 عاما من عمر الثورة الاسلامية قد تغاضى عن مرحلة مصيرية؟