"عاصفة الحزم": قصف جوي على الطريقة الأميركية الإسرائيلية
عقيل الشيخ حسين
في الوقت الذي يعاني منه العالم العربي من الاحتلال والإرهاب والتفتيت والفقر والفساد وتقطع الروابط القومية، تنبري السعودية إلى رفع راية وحدة عربية تجمع المسؤولين عن الخراب العربي المعمم وتضعهم في خدمة مشاريع الإجرام الصهيو-أميركي.
نظرة سريعة على طروحات أولئك - السياسيين أو الإعلاميين - الذين يستمدون أفكارهم من روائح النفط الخليجي، تسمح بتلمس ما يكفي من العناصر التي تنتظم في سردية مفادها أن العالم العربي يشهد اليوم حراكاً "مباركاً" باتجاه عصر مرشح لأن يتفوق، من حيث تقدمه ووزنه الجيو-سياسي، على كل ما مرت به الأمة العربية من عصور ذهبية.
هذه السردية التي تختلط فيها الأكاذيب والادعاءات الفارغة تنكر الفكرة القائلة بأن تركيا وإيران والكيان الصهيوني هي القوى الأكثر تأثيراً في مجريات الأحداث التي يعيشها الشرق الأوسط، وتشدد على أن العرب لن يتأخروا في تجاوز هذه القوى واللحاق بركب القوى الكبرى على المستوى الدولي... وكل ذلك من خلال استعداء إيران لا لسبب إلا لأنها تساند القضايا العربية الحقيقية.
السعودية في خدمة الحضارة!
كما تشدد السردية على أن هذه المسيرة العربية الصاعدة ليست وليدة اليوم. لأن بداياتها تعود إلى الدور المميز الذي لعبته المملكة السعودية وبلدان الخليج الفارسي في خدمة الحضارة العالمية. ليس فقط من خلال تزويد العالم بالقدر الأكبر من احتياجاته النفطية، بل خصوصاً من خلال تأمين هذه الاحتياجات بأسعار يمنحها الكرم العربي الشهير قدرة على ضرب كل منافسة ممكنة.
وتتصل هذه الفكرة بتلك التي تؤكد على الدور الهام الذي تلعبه أموال النفط الخليجي المتراكمة بالترليونات في المصارف الغربية في الحيلولة دون انهيار الاقتصاد العالمي وكامل البنيان الحضاري في العالم. كما تتصل بوعود الازدهار المنقطع النظير الذي سيعم الشرق الأوسط، بفعل سياسات الاعتدال والحكمة، نتيجة "للزواج غير الشرعي" الذي أصبح بمتناول اليد بين المال العربي واليد العاملة والسوق العربية، من جهة، والتقدم العلمي الإسرائيلي، من جهة أخرى.
وحدة عربية بقيادة السعودية في خدمة الهيمنة الأميركية-الإسرائيلية
ولتدعيم فكرة ذلك الازدهار، يقدمون الأبراج التي تناطح النجوم في دبي والرياض والمنامة، والمراكز التجارية الضخمة وما إلى ذلك من مظاهر الترف التي أصبحت موضوعاً للتندر على أنها صورة طبق الأصل لما سيكون عليه الشرق الأوسط المستقبلي...
والأهم من كل ذلك، أن العرب قد بدأوا بتأمين المستلزمات السياسية الضرورية لبلوغ ذلك الهدف.
فالإجماع العربي لم يكن في يوم من الأيام أكثر قوة مما هو عليه الآن، بدليل ما باتت تتمتع به الجامعة العربية من قدرة على استقطاب غالبية البلدان العربية، ما يعتبر خطوة بالغة الأهمية نحو تحقيق وحدة العرب من الخليج الفارسي إلى المحيط.
وبالطبع، لا يمكن للقوة السياسية العربية إلا أن تستند إلى قوة عسكرية، ليس فقط من خلال شراء الأسلحة الأكثر تطوراً وبكميات ضخمة، بل أيضاً من خلال استعمالها ليس فقط في المناورات، بل تحديداً في ميادين القتال.
عاصفة حزم لإثبات الوجود العربي
وما "عاصفة الحزم"، هذه الحرب التي تشنها المملكة العربية السعودية على اليمن، غير تعبير ساطع عن مدى ما وصل إليه العرب بقيادة السعودية من قدرة على إثبات وجودهم كقوة تضاهي أعتى القوى المتواجدة على الساحتين الإقليمية والدولية.
أليست مئات الغارات التي يشنها الطيران السعودي على اليمن مشابهة تماماً لتلك التي يشنها الأميركيون على العراق، والإسرائيليون على لبنان وغزة؟ ألا يعني ذلك أن السعودية قد ارتقت، ومن خلفها العرب، إلى مستوى القوى العسكرية الكبرى على الصعيدين الإقليمي والدولي؟
ولا شك في أن مروجي هذه السردية يتحسرون لأنهم لا يستطيعون غير الاكتفاء بالتلميح من بعيد إلى الدور الكبير الذي تلعبه السعودية في تنشيط الإرهاب التكفيري عبر صياغة خلفيته العقائدية وتأمين احتياجاته المالية. وفي تمويل المخططات والمؤامرات الأميركية حتى خارج حدود العالمين العربي والإسلامي.
والمضحك المبكي في هذا النهوض العربي العارم بقيادة السعودية أنه يصب بكامله في صالح الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وحفنة من أصناف المسترزقين من العرب. أما العرب الحقيقيون فلا ينالهم منه غير التداعيات الكارثية.
الوحدة العربية الحقيقية
فإذا كان لا بد من الاعتراف بوحدة مصالح أولئك العرب الذين يستفيدون من السخاء السعودي والخليجي، فإن السواد الأعظم من العرب يعانون من الفقر والمرض والأمية، وبينهم كثيرون يسكنون المقابر ويلقون بأنفسهم في البحار بحثاً عن لقمة الرزق أو يبحثون عنها في جبال النفايات. كما أن حياتهم تصبح مستحيلة أكثر فأكثر بفعل الاحتلال الإسرائيلي، وفساد الأنظمة، والقصف الجوي السعودي والأنشطة الإرهابية الممولة سعودياً.
فهؤلاء لا علاقة لهم بالوحدة العربية التي تستخدمها السعودية كأداة للتضليل، لأن وحدتهم العربية هي تلك التي تقوم على إحياء قيم عربية كالشهامة والمروءة والوفاء لقضايا العرب الكبرى وفي طليعتها فلسطين والحياة الكريمة ... وكل ذلك يتطلب الوقوف في وجه الهجمة الصهيو-أميركية وامتداداتها العربية بأسلحتها الممتدة بين القصف الجوي الوحشي والأنشطة الإرهابية ومحاولات التفتيت الطائفية والعرقية.