“سلمان" تاج الزمن العربي الجديد.. و"السيسي" درّته
أحمد الشرقاوي
أن يهاجم وزير داخلية لبنان نهاد المشنوق حزب الله وإيران، فذاك أمر اعتدناه وليس فيه من جديد يستحق منا التعليق، لأنه يعبر عن نفسية مأزومة، مشحونة بالحقد والكراهية تجاه كل ما هو نظيف وشريف في هذه الأمة، وهي حالة مرضية تميز بها فريق العملاء في لبنان، لارتباطه بأسياده في واشنطن وأولياء نعمته في مملكة الزهايمر..
لكن أن يتحول الوزير من بيروقراطي صغير إلى منظر سياسي كبير برؤية استراتيجية تقول، أن: "بيروت اليوم، والرياض والقاهرة وعمان وأبو ظبي والدوحة والكويت والدار البيضاء والمنامة والخرطوم وغيرها وغيرها وغيرها… تعيش زمناً عربياً جديداً تاجه مملكة سلمان ودرّته قاهرة السيسي”، فذاك ما يثير الدهشة والعجب..
لأن مثل هذا الكلام المنمق الذي لا يصدقه إلا غبي أو متخلف عقليا، لم يعد صالحا للصرف في سوق السياسة زمن الحرب، حيث فقد مال الزيت سطوته، ولم تعد إمبراطورية إعلام عكاظ بقادرة على بيع عجلات الألفاظ التي كانت قبل عصر المعرفة وثورة المعلومات تسحق عقول البلهاء..
وحدها الصورة تصنع اليوم الحدث، ووحدها بندقية المقاومة ترسم الخرائط الجديدة للمنطقة، لعالم عربي لا مكان فيه لتجار الدم وسماسرة الحرف.. عالم عربي جديد تحكمه إرادة الشعوب لا أهواء السلاطين ونزوات الأمراء ورغبات أشباه الرجال من الرؤساء..
حقا، لقد اختلطت علينا الأمور في هذا الزمن الأغبر والتبس المشهد، فلم نعد نميز بين من هو عربي ومن هو عبري، وأصبحنا كلما سمعنا عاهرا يزني بالكلام، تساءلنا إن كان المتحدث من بيروت أم من تل أبيب؟..
أإلى هذا الحد وصل العهر بهذا الإعلامي المتطفل على عالم السياسة، لدرجة التطاول على أسياده المجاهدين الشرفاء الذين حرروا لبنان من الإحتلال، وهزموا الصهاينة كي لا تتحول بيروت إلى ماخور لأل سعود، وحموا ديار العرب من خطر الإرهاب الذي كان يتربص بهم شرا، حين كان زبالة البشر الذين جندتهم مملكة الشر والظلام يذبحون الأبرياء كالنعاج بالوكالة، ويدمرون أوطانهم، ويغتالون التاريخ والحضارة، لتتحول المنطقة العربية برمتها إلى وطن لليهود؟..
فمملكة "الخير” التي يتحدث عنها هذا البوق المأجور لم يرى منها العرب غير الشر والقهر والظلم والغدر والخيانات والانقلابات والفساد، ولا شيء طالهم من خيرها غير "القاعدة” و”الإخوان” و”طالبان” و”داعش” و”النصرة” ومن هم على شاكلة هذه المنظمات التكفيرية الوهابية التي زرعت الموت والخراب في العالم العربي والإسلامي منذ حرب أفغانستان مرورا بالعراق وليبيا وسورية واليمن اليوم، ولم ينجو منها لبنان في أكثر من محطة ومناسبة..
وبالتالي فعن أي "زمن عربي جديد” يتحدث هذا "المشنوق’ الذي يشنق بالحبل الكلمات ويذبح بالسكين المعاني؟.. وماذا طال الشباب العربي المعطل من مملكة "زنا المحارم” أو "الدعارة الشرعية” على رأي الزميل طوني حداد، غير جهاد النكاح في الدنيا ووهم نكاح الحوريات في الجنة، فحولوهم إلى كلاب الجحيم يعثون فسادا في البلاد وذبحا واغتصابا في العباد.. فلا تنمية ولا نهضة ولا حضارة ولا من يحزنون، وأصبح العرب اليوم إما قاتل أو مقتول، وكأن زمن الجاهلية والتوحش يرفض أن يستقيل من ثقافة العرب؟..
وإذا كان الزمن العربي الجديد الذي يتحدث عنه هذا "المشنوق’ هو الذي نراه اليوم يرتسم من قبل مهلكة الشر والقهر في سورية وليبيا والعراق واليمن والبحرين والمنطقة الشرقية وما يحضر للبنان والجزائر وغيرها وغيرها وغيرها.. فتبا له من زمن صهيوني رديء، لا مكان فيه للأعراب، والذي سينتهي قريبا في اليمن، حيث سيمرغ أنف آل سعود في التراب، وسيكسر كبرياء "السيسي’ في باب المندب..
هذا المصير المأساوي المظلم لا علاقة لحزب الله به أو إيران التي أعلنت مهلكة الزهايمر الحرب عليها بسيوف من خشب، وهي التي حاولت من باب المبادىء والأخلاق، مساعدة العربان على التحرر من الهيمنة الصهيوأمريكية، والانخراط في مشروع نهضة إسلامية برؤية استراتيجية حضارية، أمنية وسياسية واقتصادية وعلمية وتكنولوجية وثقافية واجتماعية تعود بالخير العميم على شعوب المنطقة كافة، وتنتشلهم من الجهل والفقر والمرض والتخلف لتدخلهم عصر الحضارة كمنتجين وفاعلين في التاريخ، بدل رهن مقدرات أوطانهم للأمريكي وصرف أموالهم في صفقات السلاح التي لا يملكون لاستعمالها لا عقيدة راسخة ولا رجال أكفاء..
وها هم عربان الزيت اليوم، وبعد أن تخلت أمريكا عن حماية عروشهم المتداعية بجيوشها، اكتشفوا أنهم عاجزين عن كسر إرادة شعب فقير إلا من كرامته كالشعب اليمني، فراحوا يستأجرون الجنود من كل أصقاع الأرض، بمن فيهم غير العرب.. ولو كانوا قادرين على مواجهة إيران بـ”حزم” كما يقولون، فلماذا لا يواجهونها مباشرة، ونراهم يتصرفون كالجبناء، ويعلنون الحرب على إخوانهم العرب الضعفاء إلا من إرادتهم.. فعن أي زمن عربي جديد يتحدث هذا "المشنوق’ المنافق؟..
ليته قرأ ما قاله كيسنجر وبرجينسكي قبل أن ينظر للزمن العربي الجديد، وليته قبل ذلك وقف قليلا عند نبوءة بنيمين أليعازر، لأدرك أن العالم العربي الذي يتحدث عنه لا وجود له إلا في مخيلته الموبوءة بمال الزيت..
فالصهيوني الأول، بشر العرب بحريق أعظم من حروب الدين التي عرفتها أوروبا في القرن السابع عشر، حيث ستكون مساحتها أكثر اتساعا وتمددا، ذلك أن الصراعات السياسية والطائفية والعشائرية والإقليمية والايديولجية والمصالح القومية تختلط بعضها البعض، وأن الدين سيعود ليحمل السلاح في خدمة الأهداف السياسية، ما سيؤدي إلى تفكك الدول وانهيار السلطات فيها، وستتحول المنطقة إلى ساحة للتنافس بين القوى الكبرى المحيطة بها.. ويقصد تركيا وإيران.
أما الصهيوني الثاني، فقال أن العرب غير قادرين على إدارة شؤونهم بأنفسهم، وأن الحل يكمن في تركهم يتصارعون ليذبح بعضهم بعضا قبل أن تتدخل أمريكا لتقسيمهم إلى مشيخات وإمارات عرقية ومذهبية ضعيفة ومتناحرة، لا تجتمع على كلمة سواء، ولا تهدد "إسرائيل” أبدا، وذلك من مدخل محاربة الإرهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل التي تهدد السلم والاستقرار العالمي.. أليس هذا ما يحصل بالضبط اليوم في هذا الزمن العربي الجديد الذي يقول "المشنوق’ أن ملك البروستات هو تاجه وديكتاتور مصر هو درّته؟..
أما الصهيوني الثالث، فقال سنة 1999، أن المستقبل سيكون لثلاثة دول في المنطقة: "إسرائيل” وتركيا وإيران..
فإذا كان العرب أمة لا تقرأ، وإذا قرأت لا تفهم، وإذا فهمت لا تعمل، فالذنب ليس ذنب أمريكا و”إسرائيل”، وموقف الضحية لن ينقذها مما هي فيه من خلاف وفرقة وتشرذم وضياع، ويكفي أن ننظر اليوم بالعين المجردة لما يحدث لنا لندرك حجم الكارثة التي تنتظرنا، واستدرجنا لفخها كالنعاج بالعاطفة حين ألغينا العقل، وغيبنا الضمير، وقتلنا كل شيء جميل في ثقافتنا من قيم وفضيلة، بل ومن أجل رغيف العيش بعنا شرفنا وتنازلنا عن كرامتنا، فتحولنا إلى كائنات غريبة تعيش خارج التاريخ عالة على الحضارة..
لذلك، فـ’المشنوق’ وهو يتقمص اليوم دور مهرج السلطان، يشبه إلى حد بعيد تاجر المخدرات الذي يبيع الحشيش ليخدر عقول الناس، ويحملهم إلى عالم من الأوهام بعيدا عن الواقع المؤلم، وهو دور كان له مفعول قبل زمن "داعش” ومشتقاتها، أما اليوم، فلا حديث يمكن أن يقنع الناس غير خطاب المقاومة التي تقول ما تفعل، وأثبتت أنها قادرة على مواجهة المؤامرات وتغيير المعادلات..
وبالتالي، ففي عصر المقاومة وصحوة الشعوب، لم يعد للمنحرفين سياسيا من مكان في بلاد العرب، وأصبحت تيجان الطواغيت تداس بأقدام الفقراء.. أما الدر والياقوت على تيجانهم فقد تحول إلى وصمة عار تلطخ تاريخهم، ونكتة يتندر بها في المقاهي البسطاء..
وبالأمس القريب قال سيد الكلام بالمفيد المختصر ما مؤداه.. أنه في اليمن، سوف يداس تاج آل سعود بنعال الفقراء، وسوف يدفن عسكر "السيسي’، ودرك الأردن في قبور بلا شواهد، وسينتصر في النهاية صقور الجبال.. أو إن شأت قل: "أنصار الله” بكل فخر واعتزاز..
وعلى سبيل الختم أقول.. لو كان العرب أتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله كما يدعون، لفهموا، قبل عصر كيسنجر وبرجينسكي وأليعازر، معنى حديث الهادي عندما حذر أمته صارخا فقال: (ويل للعرب من شر اقترب)، ولأدركوا أنه كان يحذرهم من الفتن القادمة، وعرف لهم صاحبها بـ”قرن الشيطان” ومنبعها من نجد اليمامة،، وصور لهم المشهد بوضوح حين قال، تكاد الأمم تتداعي عليكم كما يتداعى الأكلة على قصعة الطعام، وتحسر على كثرتهم وحالهم، وشبههم بغثاء السيل الذي لا جذور راسخة له في الأرض ليصمد في وجه الطوفان..
فعن أي زمن عربي جديد يتحدث العميل "المشنوق’، وعن أي سنة نبوية يتحدث فقهاء الوهابية الأغبياء؟..
لا عاصم اليوم للعرب غير المقاومة، قبل أن يدخل اليهود الصهاينة إلى غرف نومهم، ويغتصبون نسائهم، ويحولون رجالهم وأطفالهم إلى عبيد للسخرة كما يقول تلمودهم..