استعادة الدور السعودي المتهالك لا تكون من بوابة اليمن بل من بوابة فلسطين؟
علي عوباني
فشل العدوان السعودي على اليمن في تحقيق أي من أهدافه المعلنة حتى الآن، ثلاثة اسابيع مرت وكل ما تحقق هو أن آلة القتل السعودية لا تزال تحصد أرواح المدنيين الابرياء العزل من أي سلاح، من الاطفال والنساء. أحد أهداف ومبررات الحرب التي روّج لها كانت "تثبيت شرعية" هادي عبد ربه منصور، لكن أطنان الصواريخ والقنابل لم تستطع إيجاد موطئ قدم له لا في جنوب اليمن ولا في أي زاوية يمنية اخرى.
حال "القاعدة" التي راهنت عليها السعودية لتحقيق مآربها ولمؤازرة العدوان على الارض، لم تكن افضل، فقد تلقت ضربات قاصمة في عقر دارها وسط وجنوب البلاد، دفعت نظام "آل سعود" لملء حالة الضياع الجارية ببدع وحركات بهلوانية اوكلت الى هادي، وتمثلت باعلان الاخير من الرياض تعيين البحاح رئيساً للحكومة ونائباً للرئيس، ومناشدته في مقال في "نيويورك تايمز" للتدخل العسكري في اليمن. فضلاً عن محاولة آل سعود توفير غطاء دولي للعدوان عبر مجلس الامن والمنظومة الدولية. غير ان قرار مجلس الامن الذي حاول اعلام البترو دولار الترويج له على انه "نصر دبلوماسي سعودي"، يبقى مجرد قرار شكلي، ووهمي، لا يساوي قيمة الورق الذي كتب عليه، كما انه لا يمكن أن يشكل غطاء للعدوان السعودي او يضفي عليه شرعية مفقودة، لان ما يجري في اليمن اليوم لا يتخطى حدود توصيف دولة معتدية ودولة معتدى عليها، وليس الامر يتعلق بنزاع او صراع، بقدر ما يتعلق بمعتد بادر الى اطلاق العدوان عبر تحالف هش ومعتدى عليه تكفل له كل المواثيق الدولية حق الدفاع عن النفس، ورد الاعتداء، وهو ما لم يحصل حتى الآن ليس ضعفاً من قبل اليمنيين، بقدر ما هو نابع عن قوة وحكمة ورهان على فشل نتائج العدوان، واستنفاد كل قدراته وذرائعه ومنعه من تحقيق أي نتيجة مرجوة.
واذا كان يظهر من ذلك ان مجلس الامن عمل خلافاً للمبادئ والقيم التي قام عليها، فأجج بقراره الاخير العدوان بدل ردعه وايقافه انطلاقاً من اهدافه القاضية بحفظ السلم والامن الدوليين، واذا كان يظهر ايضاً ان المجلس عمل خلافاً لكل المواثيق والقوانين الدولية التي تضمن حق الدفاع عن النفس امام المعتدين، فان ما ارتكبه آل سعود حتى الآن من مجازر في اليمن لا يمكن التعمية عليه او تجاهله ببساطة، فهو يعتبر بمثابة جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب تعاقب عليها كل القوانين الدولية، بل تتعدى ذلك، وكل ذلك يجري للاسف في ظل صمت عربي مريب، صمت الانظمة المتواطئة كل لاعتباراتها من جهة والشعوب المتخاذلة، التي لم تقدم النصرة حتى الآن الدعم الكافي للشعب اليمني لتحقيق حلمه بالاستقلال بعيداً عن الهيمنة والتبعية للسعودية. من هنا فإن ما نطرحه بهذا الصدد لا يعبر عن ثقة بالمنظومة الدولية، بقدر ما يهدف الى تعريتها وفضح معاييرها المزدوجة التي لا ترى الا بعين واحدة، فاذا أقيمت المحاكم الدولية من أجل اشخاص، أليس الأجدر أن تقام وتنشأ من أجل الآلاف، ممن قتلوا من النساء والاطفال في اليمن، وفلسطين ولبنان على يد "اسرائيل" وآل سعود؟؟!
فشل العدوان السعودي على اليمن الا في ارتكاب جرائم الحرب
مما لا شك فيه أن ثمة تعتيم وتضليل اعلامي واضح لما يجري في اليمن سببه ارتهان الاعلام العربي بمجمله للبترودولار السعودي، لكن العدوان بذاته يحمل مفارقات لافتة، فكيف لنظام آل سعود أن يدعي محاربة "القاعدة" في الداخل السعودي ويقدم لها كل الدعم والتسليح في اليمن. كيف لمثل هذا النظام أن يسعى لتثبيت شرعية هادي في اليمن ويحارب شرعية الرئيس بشار الاسد في سوريا، ثم كيف لنظام اسرة حاكمة ان يؤمن اساساً بمبادئ الشرعية والديمقراطية، او يحاول اقناع الآخرين بحرصه على مبادئ يفتقر اليها في نظامه السياسي الحاكم. ثم كيف لهذا النظام أن يمد الايدي لـ"اسرائيل" بمبادرات "سلام عربية" ويقطع أيدي الحوار التي تمد لانهاء العدوان على دولة عربية كاليمن؟!!.
مجلس الامن
ادعاء النظام السعودي بأنه يحارب النفوذ الايراني في اليمن، هو اعتراف صريح بالضعف، فالسعودي يبحث اليوم عن استعادة دوره المتهالك من بوابة اليمن، وعن تعزيز أوضاعه الداخلية المتردية جراء خلافات الاسرة الحاكمة لتغليب أجنحة على أخرى، وتعويم ابناء العاهل لاظهار مؤهلاتهم لاستلام الحكم. لكن استعادة الدور لا يمكن أن تكون بتوجيه التهم جزافاً للاخرين ولا بمذهبة الصراع وتحويله الى صراع طائفي، استعادة الدور السعودي تبدأ من فلسطين والكيان الجاثم على صدرها من عشرات السنين، وعدا ذلك، فهو وهم، فمهما حاول النظام السعودي تصوير ايران بأنها العدو، ومهما أطلق عليها من أوصاف. تبقى ايران هي ايران التي دعمت المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق، ودافعت عن المستضعفين، ووصلت الى امتلاك الطاقة النووية وقارعت العالم للاقرار بحقوقها النووية، وحجزت مقعداً لها على الساحة الدولية بفضل صمودها وثباتها واصرارها.
يبقى ان أحد اهداف العدوان غير المعلنة هي افقار الشعب اليمني وتجلى ذلك بطبيعة الاهداف التي يقصفها العدوان السعودي والتدمير الممنهج للمؤسسات والبنى التحتية للدولة اليمنية من جيش ومؤسسات تعليمية ومستشفيات، لارجاعه عصورا الى الخلف، وحتى لا تقوم لهذا الشعب قائمة بعد العدوان، ولمدة طويلة يبقى منشغلاً بإعادة بناء ما تهدم، إفقار باطنه اذلال وابقاء البلد مرهوناً للبترودولار السعودي، وملحقاً بالمملكة تابعاً لها. حتى تتمكن الادارة الحاكمة من فرض املاءاتها على اي نظام حاكم والحاقه بها والهيمنة على مقدراته. وهذا ما يرفضه الشعب اليمني.