الفشل السعودي في بغداد ودمشق واخيرا صنعاء!
عادل الجبوري
عشرون يوما مروا على العدوان السعودي-الاميركي ضد اليمن، والصورة التي تبلورت وارتسمت معالمها وخطوطها وملامحها والوانها، اكثر من اية صورة اخرى، هي صورة عشرات، إن لم نقل مئات الضحايا المدنيين من النساء والاطفال والشيوخ، والمباني المدمرة، والخراب الذي طال شتى نواحي الحياة في العاصمة اليمنية صنعاء ومعها مدن اخرى بفعل الغارات الجوية المتواصلة للطيران السعودي.
في واقع الامر لا تختلف تلك الصورة المأساوية الهمجية، عن الصورة التي ارتسمت معالمها على مدى أعوام في العراق، وعن نظيرتها منذ عام 2011 في سوريا، الا من حيث الاساليب والوسائل والادوات بمقدار معين.
واذا كانت الغارات الجوية السعودية على اليمن قد خلفت حتى الان أكثر من2500 قتيلا، و40 ألف عائلة مشردة، وتدمير 1200 منزل ومنشأة مدنية، فإن ما خلفه الاعلام التحريضي السعودي، وفتاوى وعاظ السلاطين، والانتحاريين السعوديين، والمال السعودي في العراق وسوريا حصد أكثر من تلك الأرقام بكثير.
واذا كانت الرياض قد تمكنت من المناورة والمطاولة وهي تتعاطى سلباً مع بغداد ودمشق، فلا يبدو أنها قادرة على ذلك مع صنعاء، لأنها اختارت أقصر الطرق لتحقيق الفشل!، او بتعبير آخر سارت في طريق مسدود، دون ان تتأمل وتتمعن وتتفكر فيما يمكن ان تؤول اليه الامور.
بعد ثلاثة اسبايع فقط، لم نقل ثلاثة أشهر، أو ثلاثة أعوام، لم يبق من التحالف الذي قادته السعودية على اليمن، والذي قيل أنه تألف من عشر دول اغلبها عربية، الا السعودية نفسها، ومعها الامارات لا تقوم بشيء سوى الكلام والتهديد والوعيد.
باكستان التي قيل انها انضمَّت الى التحالف ضد اليمن، اتضح انها لم تفعل، وقرار مجلس الشيوخ الباكستاني الأخير بالتزام الحياد خير شاهد ودليل، وتهديدات أبو ظبي لإسلام اباد بسبب ذلك القرار، عززت حقيقة الموقف الباكستاني.
وتركيا هي الأخرى، تبنت الموقف الباكستاني ذاته، وإن لم تعبر عنه بالصيغة نفسها، وهناك من قال أن زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لايران، وزيارة وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف لباكستان، هي التي ادت الى تغير-او انقلاب موقفي انقرة واسلام اباد، واذا كان ذلك صحيحا فإنه يعني فيما يعنيه نجاحا للدبلوماسية الايرانية، وفشلا ذريعا لمنهج وسياسة الرياض.
ومصر التي بدت متحمسة ومندفعة الى حد كبير، وكانت السعودية تراهن عليها في اية حرب برية، فأنها اوصلت رسالة مفادها انها لن تتورط في معارك برية، ولاترغب بتكرار تجربة عبد الناصر مع اليمن.
والكويت والبحرين وقطر والسودان والمغرب والاردن، التي ارسلت في اليوم الاول من العدوان عدد من طائراتها مع الطائرات السعودية لضرب اليمن، اثرت فيما بعد الاكتفاء بالتأييد والدعم الكلامي للرياض.
وتنقل مصادر مطلعة، أن أوساطا ومحافل سياسية خليجية ترى أن الموقف الذي اتخذته دولة عمان بعدم الانجرار وراء السعودية، كان حكيما وعقلانيا وصائبا، وأكثر من ذلك تذهب تلك الاوساط والمحافل الى ان الرياض تورطت وورطت معها الاخرين، ممن لم يستشرفوا تداعيات الوقائع والاحداث بصورة صحيحة.
الى جانب ذلك، فإن الحليف والمساند الرئيس للسعودية، المتمثل بالولايات المتحدة الامريكية، لم يعد بإمكانه التزام الصمت ازاء المنهج التدميري، واذا كانت مراكز القرار الاميركي تتجنب الخوض في ما أدى اليه العدوان من خسائر بشرية ومادية كبيرة، فإن وسائل الإعلام وبعض المؤسسات والمنظمات الحقوقية الغربية راحت تتحدث وتستعرض ارقاما، وتسرد وقائع لا تروق للرياض.
والأسوأ من ذلك بالنسبة للرياض، أنها عجزت حتى الآن عن إلحاق أي ضرر أو أذى بالحوثيين، حيث يمكن القول أنهم فقدوا جزءا من قوتهم وقدرتهم، بل على العكس من ذلك، فهم يؤكدون أنهم لم يردوا حتى الان على العدوان السعودي، وهذا ما يقلق كثيرا صناع القرار السعودي والقادة العسكريين، وهم بدلا من ان يتحدثوا عن المرحلة اللاحقة للحرب، ويفترض منطقيا ان تكون معارك برية، راحوا يبحثون عن مخارج سياسية تحفظ لهم ماء الوجه، في الوقت الذي استمروا بحملاتهم الاعلامية ضد طهران، مع إطلاق اشارات ورسائل يحاولون من خلالها إثبات ان عدوانهم على اليمن لا يحمل بعدا طائفيا، من قبيل الحديث عن دعم الحكومة العراقية، برئاسة حيدر العبادي، ووصف بغداد بـ”عاصمة العروبة الجريحة”، والايحاء بأن لا مشكلة لديهم مع ايران، وانما مشكلتهم مع من تصفهم بـ”المتمردين الحوثيين”.
أضف الى ذلك كله فإن العدوان اخذ يستنزف الخزينة السعودية، لا سيما في ظل الانخفاض الكبير في اسعار النفط، ناهيك عن ان حلفاء السعودية غير مستعدين لدفع الاموال، بل هم ينتظرون الحصول عليها مقابل اي مواقف لهم مؤيدة للعدوان، لاسيما الدول الفقيرة والتي تعاني من ظروف اقتصادية سيئة مثل السودان ومصر والمغرب والاردن.
هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإن العدوان السعودي عمّق الشرخ داخل العائلة السعودية الحاكمة، خصوصا، وان زمام الامور باتت بأيدي الامراء الشباب الجدد، الذين شغلوا مواقع مهمة بعد رحيل الملك عبد الله وتولي شقيقه سلمان مقاليد المملكة، مثل وزير الدفاع محمد بن سلمان، ونائب ولي العهد محمد بن نايف، ومن غير المستبعد ان تفضي التصدعات والتقاطعات الجديدة الى ازمات كبرى في داخل منظومة الحكم السعودية، كأن تكون انشقاقات وتمردات وانقلابات، وحتى اغتيالات، كما حصل للملك فيصل في عام 1975.
خلاصة القول ان الرياض، لم تربح شيئا من عدوانها على اليمن، مثلما لم تربح شيئا من سياساتها العدوانية ضد العراق وسوريا طيلة اعوام طويلة، بل على العكس، فانها اوقعت نفسها في مستنقع عميق واسن، وعملت على جر اخرين معها الى ذات المستنقع، الا ان الجميع تقريبا، اما انسحبوا سريعا، او ظلوا مترددين، وهم اقرب الى التراجع والانسحاب منه الى التقدم الى الامام.
وهذه المرة يبدو ان الخسارات السعودية، داخلية وخارجية، سياسية وامنية واقتصادية، آنية واستراتيجية، محسوبة وغير محسوبة العواقب والتبعات... وذلك هو الفشل بعينه، وقد لا يتاح للرياض ان تجرب حظها في محطة اخرى بعد بغداد ودمشق وصنعاء.