القاعدة نحو قيادة جديدة أم قيادات فرعية؟
محمد محمود مرتضى
منذ أيام انتشر خبر مفاده وجود نية لدى زعيم تنظيم "القاعدة” أيمن الظواهري بحل التنظيم وإعفاء أنصاره من البيعة المرتبطة به. الخبر بحد ذاته، وإن لم يكن جديداً - فقد انتشرت سابقا أخبار من هذا النوع - يدفع المتابع إلى التساؤل عن مدى جديَّته في ظل الظروف التي يمر بها التنظيم.
بداية لا بد من الإشارة الى أن الخبر كان مصدره صحيفة "الحياة” نقلا عن أيمن دين العنصر السابق في "القاعدة”، والذي كان يعمل لمصلحة الاستخبارات البريطانية. ومن جهة أخرى فان دين نفسه نسب الخبر الى جبهة "النصرة”، فرع "القاعدة” في سوريا، وأنها أبلغت "حركة أحرار الشام الإسلامية” وجماعات إسلامية أخرى في سوريا أنها تنوي الانفصال عن "القاعدة” بشكل منظم ووفق خطة معدة مسبقا، انطلاقا من أن "القاعدة” نفسها ستعلن حل نفسها في وقت لاحق هذه السنة.
وحسب الخبر، فإن دين نقل عن مصادر في أحرار الشام قولها: "إن حلفاءنا في جبهة النصرة أبلغونا أن زعيم القاعدة أيمن الظواهري سيتخلى عن سلطاته، أو ما تبقى منها، على فروع التنظيم عالميا وسيحلها من البيعة له”، وأن هذه الخطوة تأتي ردا على تنامي قوة داعش في العراق وسوريا ومصر وليبيا ونيجيريا، إضافة إلى قيامها باختراق داخل اليمن.
وأشار دين إلى أن الارتباط بالقاعدة بات يشكل عبئا على فروع التنظيم الغارق في نزاعات محلية كما يحصل مع "النصرة” في سوريا، والقاعدة في جزيرة العرب في اليمن، وأن فك الارتباط مع القاعدة سيفتح المجال أمام النصرة لعقد تحالفات مع جماعات "جهادية” أخرى فى سوريا، وسيعيد طرح مشروع إقامة إمارة فى شمال سوريا بعد سقوط مدينة إدلب، في أيدي تحالف "للجهاديين” آخر الشهر الماضي.
يأتي هذا الخبر في وقت انبرى فيه محللون لتبيان اسباب هذه الخطوة ومنها أن الظواهرى فقَد خلال الفترة الأخيرة السيطرة على قيادات تنظيم "القاعدة "الذين بدأوا ينفذون عمليات دون الرجوع إليه، وأن عددا من قيادات "القاعدة” يرون أن "داعش” أصبح يمتلك إمكانيات أكبر من "القاعدة”، وأفكاار أكثر تشدداً، ما جعلهم يتجهون للانضمام إليه.
في الواقع ان تنظيم "القاعدة” لم يكن يظهر بهذا التفكك في أي وقت سابق أكثر مما ظهر عليه اليوم، رغم بعض المكتسبات التي يحققها بين حين وآخر هنا أو هناك. وتعود الاسباب الرئيسة لمظاهر التفكك هذه الى شخصية الظواهري الضعيفة من جهة، والى عدم الاتفاق على قيادته للتنظيم بعد مقتل بن لادن من جهة ثانية، اضافة الى عدم رضى "قاعدي” عن تولي شخصية مصرية لشؤون التنظيم من جهة ثالثة، لا سيما وان كوادر التنظيم من "الجيل القديم” للقاعدة لن ينسوا الخلافات التي كانت قائمة بين المؤسس بن لادن وخليفته الظواهري.
الا أن ما يبدو أنه عنصر تفكك على صعيد القيادة المركزية على حساب صلاحيات أكبر للفروع، ليس بالحقيقة تفككا. بل هو سياسة بدأها التنظيم منذ عام 2005 بقرار من بن لادن نفسه. ويمكن ملاحظة هذه "الاستراتيجية” من خلال رسائل عدة ارسلها بن لادن الى اكثر من جهة تحدث فيها عن صلاحيات لهذه الفروع في تحديد ما هو اصلح لهم ولبلادهم. الا أن ضعف شخصية الظواهري وفقدانه للكاريزما القيادية حوّل هذه الاستراتيجية الى نقاط ضعف استطاع داعش النفوذ من خلالها لتحصيل مكتسبات استقطابية على حساب "القاعدة”.
لكن اللافت في كل هذا الامر ان مصدر الخبر الذي نقله "دين” هو جبهة النصرة نفسها، والتي تحدثت المعلومات منذ قرابة الشهر، عن نيتها الانفصال عن التنظيم بدعم وتشجيع قطري، في خطوة تبدو ضرورية لتسويق الجبهة غربياً، وتحويلها الى نقطة ارتكاز في "المعارضة السورية المسلحة”.
صحيح أن البعض يعتبر أن حل القاعدة سيكون بمثابة الاسفين الذي سيدق في نعش "القاعدة” لصالح "داعش”، الا أن الصحيح ايضا ان البيانات المتكررة التي اصدرها التنظيم والكتابات الكثيرة التي دونها منظرو "القاعدة” في إبطال وعدم شرعية بيعة البغدادي فضلا عن تشبيههم بالخوارج، يجعل من التحاق قيادات قاعدية بداعش امرا صعب التحقق.
من هنا يبدو أن الاحتمال الارجح لما تم نشره حول الظواهري ونيته الاستقالة او اعفاء المبايعين له من هذه البيعة مصدرها جبهة "النصرة” في محاولة ، على ما يبدو، التمهيد للانفصال عن "القاعدة” مع عدم اظهار ان هذا الانفصال قد تم من خلال نقض بيعة الجولاني للظواهري وانما من خلال اعفاء الظواهري له من البيعة.
وعلى اي حال، فان الاستقالة هذه ان حصلت، فانها لن تكون الا بتنسيق مسبق مع القيادات الرئيسة في اليمن وباكستان وافغانستان والشيشان وغيرها، إما لاعادة مبايعة الظواهري من جديد لتعويم قيادته، واما لمبايعة قيادة جديدة تكون اكثر ديناميكية واكثر تواصلا مع الفروع.