“عاصفة الحزم” والحسم الممنوع! العدوان-على-اليمن
أمين أبوراشد
المُتابع للإطلالات اليومية للعميد أحمد العسيري، الناطق بإسم "عاصفة الحزم”، يُلاحظ بسهولة رتابة تكرار مسألة قصف الطائرات للأهداف في الداخل اليمني، سواء عبر تعدادها على الخريطة أو من خلال الفيديو، لدرجة أن الصحافيين ما يكاد الناطق ينتهي من عرض "المنجزات” يبادرون للسؤال وماذا بعد القصف من الجو؟، والأجوبة كانت خلال الثلاثة أيام الأخيرة أن العملية حققت أهدافها في ضرب البُنى التحتية وشلّ حركة الحوثيين وجماعة صالح، وأن التركيز في المرحلة المُقبلة هو على الألوية العسكرية التي لا تُعلن الولاء للرئيس عبد ربّه منصور هادي، الذي يمنِّي النفس بالعودة الى اليمن عن طريق عدن.
لم تعُد هناك عاصمة في اليمن، لا في صنعاء ولا في عدن، ولا هناك جيشٌ يمني، باعتراف المتابعين السعوديين والفضائيات الداعمة لعاصفة الحزم، وتكرار الدعوة الى العشائر والقبائل وألوية الجيش لإعلان رفضها السيطرة الحوثية وإعلان الولاء للشرعية المتمثِّلة بالرئيس هادي، لم تؤدِّ لأية نتيجة على الأرض، وما قُصِف من الجو قد قُصِف من بنى تحتية ومطارات ومستودعات أسلحة وقواعد دفاعات صاروخية تابعة لألوية علي عبدالله صالح، والحوثيون جماعة ثورية لا تمتلك شيئاً من هذا، وهم منتشرون في غالبية المحافظات والدوائر مع احتضان عشائري رافض للعدوان السعودي، وأفراد الألوية الثابتة التابعة لصالح التي تعرَّضت مواقعها للتدمير التحقوا بالحوثيين واختلطت الأوراق على الأرض أكثر من أي وقتٍ مضى، قبائلٌ مع جيشٍ مع ثوار إضافة الى المناطق التي تسيطر عليها القاعدة والجماعات المتطرِّفة الأخرى والعبرة في التجرؤ بالنزول الى الأرض اليمنية الفالتة والمغامرة بعملية بريّة.
عن أي حسمٍ تبحث "عاصفة الحزم”؟ وفي اليوم الذي تلا بدء العدوان على اليمن وقف عبد ربّه منصور هادي بثقة بين المؤتمرين في الرياض ودعا العرب الى بدء تحرير اليمن إنطلاقاً من العاصمة التجارية عدن. ربما كان هادي يُدرِك أن لا عودة له الى العاصمة صنعاء، وعدن استقبلته كونه إبن الجنوب اليمني فقط لا غير، لأن الجنوبيين هم الوحيدون من بين كل اليمنيين الذين يرفضون العودة الى الوحدة مع الشمال، ولا حتى وفق تقسيم الأقاليم الستة، وعندما كان الحوثيون يُشاركون في عملية الحوار برعاية الرئيس هادي كان الحراك الجنوبي يُرسِل مواقف معلنة أن الجنوب سيُعلِن دولته المستقلّة وعاصمتها عدن!
ومع هذه السيطرة شبه الكاملة للحوثيين على كافة المناطق باستثناء تلك التي كانت تسيطر عليها القاعدة وما زالت، وعلى وقع المعارك التي تجري حالياً بين الحوثيين وحرس الحدود السعودي عبر بعض المواقع الجبلية الوعرة غير الثابتة، ومع استمرار حرب الشوارع في قلب مدينة عدن، سُئل المحلِّل السياسي الكويتي مشهور السعيدي على شاشة إحدى الفضائيات الداعمة لعاصفة الحزم عن إحتمالات الغزو البري وموعده فأجاب: ليس هناك غزو برِّي عبر الحدود البرِّية في المدى المنظور، ولا أرى أنه سيحصل، بل قد تكون هناك عمليات برِّية عبر إنزال القوى للسيطرة على الطرق الخارجية حول عدن دون دخول المدينة. ولدى سؤاله عن المحافظات والمديريات والمدن الأخرى أجاب: نفس عملية الإنزال قد تتمّ لإستعادة الشرعية، أما المناطق التي تسيطر عليها القاعدة فحسمها مؤجل بانتظار عودة الشرعية الى البلاد وإعادة بناء الجيش اليمني!
الحدث الأبرز في نهاية الأسبوع الماضي، كان في تعيين الرئيس هادي رئيس الوزراء خالد البحَّاح نائباً له، وإجريت مراسم أداء القَسَم في السفارة اليمنية بالرياض، ورحَّب مجلس الوزراء السعودي بهذه الخطوة التي اعتبرها في وقتها وفي الإتجاه الصحيح، لكن المُلفت هو ما صرَّح به أستاذ العلوم السياسية في إحدى الجامعات السعودية الدكتور ابراهيم النحاس، الذي أفاد من منطلق العالِم بالوقائع، أن عاصفة الحزم قد أدَّت دورها المطلوب منها وما على نائب الرئيس البحَّاح سوى العمل على إعادة توحيد اليمن عبر الدعوة الى الحوار كونه إبن عدن ولديه إتصالات مع القبائل والعشائر الجنوبية.
الرئيس عبد ربّه منصور هادي من الجنوب اليمني، ونائبه البحَّاح كذلك، وحتى لو انسحب الحوثيون من عدن، فكيف لها عاصمة الجنوب مهما بُحَّ صوت البحَّاح أن تكون منطلقاً لإعادة توحيد اليمن وهي المُطالِبة منذ صدور "مخرجات الحوار” اليمني بالإستقلال عن الشمال وإعلان الدولة المستقلة في الجنوب وعاصمتها عدن؟
كل شيء اختلط في اليمن بعد عاصفة الحزم المشؤومة المنكَسِرة رغم استمرار الإعتداءات الجوية السافرة، والإنزالات البرِّية إما ستكون غير ذات جدوى أو محرقة على أيدي القبائل لمن قد ينزِلون أرض اليمن، لأن اليمنيين يعتبرون أن بلادهم قد دُمِّرت بعملية عبثية سعودية أعادتهم قرناً الى الوراء، وما أنجزته عاصفة الحزم السعودي هو تدمير ما كان يمتلك الجيش اليمني من تجهيزات وما تمتلكه اليمن من بنى تحتية هي أصلاً تحت الصفر، والمآسي الإنسانية إذا كانت تقتصر في الداخل على التهجير وفقدان أبسط مقومات الإستمرار على قيد الحياة للمدنيين الأبرياء من ماء وغذاء ودواء وطاقة، وإذا كانت تقتصر في الخارج على ارتماء اليمنيين المُلزمين بالعودة من الخارج الى بلادهم على أرصفة المطارات الدولية والإقليمية، ومنها ستة آلاف يمني فقط على الطرقات المؤدية الى مطار القاهرة، فإن كل تبعات عاصفة الحزم سوف تتحمّلها السعودية التي لن تتمكن من واجهة ثورة معيشية إنسانية سوف تتفجّر على حدودها بعد هدوء "العاصفة”.
عاجلاً وليس آجلاً ستنكفىء مهزلة الإستعراض الجوّي السعودي، لتتكشَّف نتائج عملية إبادة الدولة اليمنية ووحدة شعب اليمن من الشمال الى الجنوب، والحل لن يكون في قبضة السعودية، بل برعاية أممية تجمع العشائر اليمنية، كل العشائر، على الطريقة الأفغانية ضمن ما يُمكن تسميته "مجلس أعيان”، لمباشرة حوار طويل الأمد، والبحث بإمكانية تشكيل حكومة إنتقالية تتسلَّم بلداً مدمَّراً بلا جيشٍ ولا بنى تحتية، وإعادة هيكلة دولة باتت بلا هيكل لوطنٍ تتقاسمه العشائر والقبائل، وقواسمها المشتركة هي الفقر والثورات الإجتماعية وحروبٌ داخلية في صراعاتٍ دموية من أجل البقاء...