عندما استبعدت واشنطن شماعة مجلس الأمن في تحالفاتها الدولية؟
علي عوباني
المنظومة الدولية أضحت شكلية، تلك الأداة الأميركية الطيعة، لتحقيق مصالح واشنطن في العالم، سواء عبر الحروب او المحاكم الدولية.. أصبحت عصية، وتحوّلت الى عبء، منذ ان اصطدمت بـ”الفيتوين” الروسي والصيني عام 2012 بشأن سوريا، فلطالما استخدمت واشنطن شماعة مجلس الأمن لتغطية حروبها بما يسمى "الشرعية الدولية”، في العراق وافغانستان..وغيرهما.
ومن منا لا يذكر عملية التزييف الكبرى التي قادتها الاستخبارات الاميركية، عبر وزير الخارجية الأسبق كولن باول عام 2003 لإقناع أعضاء مجلس الأمن بامتلاك العراق للاسلحة الكيماوية، أحد المبررات الرئيسة للحرب على العراق آنذاك، تلك الايام كان مجلس الامن مجرد لعبة بيد الادارة الاميركية تلعب بها كيفما تشاء، حينما كانت لا تزال في اوج امبراطوريتها وذروة هيمنتها على العالم، لكن المفارقة الرئيسة اليوم تكمن في لجوء واشنطن الى تشكيل "تحالفات هجينة” تصبغها بـ”الدولية” من خارج إطار مجلس الأمن لشن حروبها في عالمنا العربي، وهو الامر الحاصل في "التحالف الشكلي الدولي” ضد "داعش”، أو في "التحالف الثأري” الذي أنشئ مؤخراً ومحوره السعودية واميركا لشن العدوان على اليمن، كل ذلك يطرح تساؤلات حول سر هذا التحول ويوحي بمؤشرات هامة لا بد من الوقوف عندها.
بداية، يلاحظ ان هذا المسار اعتمدته الادارة الاميركية الحالية في سياساتها بشكل اساس بخلاف سابقتها ايام جورج بوش الابن، فضلاً عن ان هذا التحول جاء بعد حدثين مفصليَّين الاول تمثَّل في الاعتراض الكبير من روسيا والصين على تدخل حلف شمال الاطلسي في ليبيا عام 2011، وجاء الثاني بعد اصطدام الادارة الاميركية بعدة "فيتوات” في الشأن السوري ولا سيما منها "الفيتو” المزدوج الروسي - الصيني بشأن مشروع قرار اميركي حول العدوان على سوريا عام 2012.
هذا التحول المفصلي تمثل حتى الآن في تحالفين الاول ضد "داعش” تقوده واشنطن والثاني ضد اليمن وتقوده السعودية، ما يطرح تساؤلات جدية حول "التحالف” التالي واي دولة ستكون الضحية التالية، هل يأتي الدور على ليبيا، أو لبنان، أو غزة فلسطين، أم على سوريا سيما في ضوء بعض التسريبات التي تتحدث عن امكانية تنفيذ "التحالف السعودي” عدواناً على سوريا.
من المفترض أن مهمة مجلس الامن الاساس حفظ الامن والسلم الدوليين، لكن في ظل نشوء مثل هذه "التحالفات” غير المنضبطة، يُطرح سؤال عمن يضمن السلم والأمن الدوليين؟ وينظم هذا التفلت والجنوح نحو الحرب لحل النزاعات على الساحة الدولية؟. سيما وان القيمين على مثل هذه "التحالفات” هم من اعضاء مجلس الامن الدائمين، كما ان موقف مجلس الامن وصمته حيال هذه التحالفات بدا معيباً ومخجلاً، بل ان ما جرى حتى الآن وما يمكن ان يجري عرى هذا المجلس وأظهر هشاشته ووهنه وضعفه، وكشف تبعيته المطلقة للادراة الاميركية، والا لو كان هذا المجلس متوازناً، وضنيناً بمبادئه، لفرض على تلك الدول الأعضاء في هيئة الامم المتفلتة من ضوابطه العودة للعمل تحت سقفه ومظلته. لكن طالما ان ذلك لم يحصل فإن تساؤلات تطرح ايضاً حول جدوى بقاء المنظومة الدولية بأكملها والتي أنشئت بالاساس عقب الحرب العالمية الثانية، وجدوى استمرارها، وما اذا كانت قد انتهت صلاحيتها، بعد ان أضحت مبادئها حبراً على ورق ليس إلا. يلجأ اليها كمظلة لتغطية العدوان بعد بدئه، كما هو حاصل في العدوان السعودي على اليمن، حيث تم اللجوء الى مجلس الامن وتقديم عدة مشاريع قرارات امامه بعد بدء العدوان وليس قبله.
خلاصة الامر، إن ضعف الهيئة الدولية الاولى في العالم يقابله ولا شك ايضاً ضعف آخر، ويتمثل بتراجع الهيمنة الاميركية والدور الاميركي، والقطبية العالمية، بعد أن اصطدمت بقوى دولية وإقليمية صاعدة، حيث باتت مضطرة لأن تحسب لها حساباً ووزناً على الساحة الدولية، لذا فإن خروجها مؤخراً وعملها من خارج سياق المنظومة الدولية، يعني انها فقدت تلك الورقة في تغطية حروبها، وتوفير مصالحها، لذا لجأت لتجميدها وتعطيلها، من خلال العمل من خارج نطاقها. فالمنظومة التي انشئت خدمة لمآرب صهيو-اميركية اضحت في الآونة الاخيرة عائقاً امام سياسة واشنطن، وكبّلت ايديها مانعة اياها من التفرد في السطوة على العالم، او العمل بمعزل عن اعتبار الموقف الروسي والصيني المعارض لسياستها، ولعل ذلك احد الاسباب الجوهرية التي دفعتها للعمل من خارق سياق تلك المنظومة.
أزمة اليمن.