واخيرا وبعد مماطلة واستعلاء فرنسي دام شهر ومن دون جدول خضع الرئيس ماكرون لقرارات العسكر في نيامي واضطر صاغرا الى سحب سفيره في النيجر وهكذا الموافقة على سحب القوات الفرنسية من هذا البلد.
وبعد يومين من موافقة الرئيس ماكرون على سحب السفير الفرنسي من نيامي بذريعة ان لا تكون بلاده "رهينة" للانقلابين، غادر السفير الفرنسي بمعية ستة من مساعديه ارض النيجر متوجها الى تشاد. وهذا الحجم من المساعدين لسفير في دولة افريقية كالنيجر يمثل لما لهذه الدولة من اهمية واعتبار للنفوذ والمصالح الفرنسية.
لكن ما هو مؤكد ان هذه الخطوة جاءت انصياعا لقرارات العسكر في فرض الامر الواقع والتي اضطرت فيها فرنسا على اتخاذها مرغمة وهي بالتالي شكلت لها نكسة كبيرة ليس في القارة الافريقية فحسب بل في العالم اجمع.
وقبل كل شيء ان انصياع باريس لقرارات العسكر في النيجر والتي تخطى بتاييد شعبي واسع شكل هزيمة كبيرة للرئيس الفرنسي ماكرون شخصيا الذي تكررت في عهده مثل هذه الانقلابات العسكرية في عدة من المستعمرات الفرنسية السابقة بدء بمالي وبوركينافاسو ومرورا بافريقيا الوسطى وانتهاء بالنيجر.
وبالطبع ا ن هذه التطورات المتسارعة وجهت ضربة مدوية لمناطق النفوذ الفرنسي ومصالحها وقد دفعت بالسلطات في الدول المذكورة الى اعادة النظر في اتفاقياتها مع فرنسا ومنها سحب قواتها من هذه الدول.
لكن ضربة النيجر كانت هي الاكثر ايذاء لفرنسا لما تشكله هذه الدولة من خزان لمواد اولية سخية لفرنسا لدرجة انها استعانة بالمجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا التي هددت اكثر من مرة في التدخل العسكري للاطاحة بالانقلابيين لكنها فشلت في ذلك، مما اضطرت لاحقا ان تعول على نيجيريا لتحقيق اهدافها لكنها اخفقت في ذلك ايضا.
وبفقدان فرنسا للنيجر قد فقدت خزانا كبيرا لليورانيوم خاصة وان الشركة الفرنسية الحكومية التي تعتبر اكبر مولد لليورانيوم التي تضيء بها شوارع باريس والمدن الاوروبية لم تمتلك هي ذرة يورانيوم واحدة في اراضيها، هذا في وقت ان 90% من ابناء النيجر محرومون من نعمة الكهرباء. وهكذا الامر بالنسبة للذهب حيث تعتبر فرنسا رابع اكبر خزان للذهب بالعالم في وقت انها تمتلك قيراطا واحدا من الذهب تستخرجه من ترابها.
والادهى من كل ذلك ما تسرقه فرنسا من الثروات النفطية من القارة السمراء في وقت انها تمتلك ليترا واحدا من النفط حتى تستخرجه من اراضيها لكننا نرى اليوم ان شركة توتال الفرنسية هي من كبريات الشركات النفطية في العالم.
وبالطبع ليس المشكلة في فرنسا واطماعها فقط بل المشكلة في النخبة الافريقية الفاسدة التي اوجدتها فرنسا في هذه الدول وفتحت لها الابواب لفتح الحسابات في بنوكها وامتلاك العقارات هناك وهذا ما شجع الطرفين على فتح الطريق لسرقة الثروات الافريقية، وقد اعترف صراحة الرئيس شيراك احد القادة الفرنسيين المتاخرين بانه "لو لا القارة الافريقية لكانت فرنسا اليوم احدى دول العالم الثالث".
فحجم الخسارة التي تلقتها فرنسا نتيجة لسياساتها واطماعها الشريرة وغير المحدودة لنهب القارة الافريقية واحتقارها لشعوب القارة وعدم احترام ارادتها كان امر طبيعيا لتلقى هذه الضربة المدوية.