المستنقع اليماني وانهيار التحالف السعودي
مواقف كل من باكستان وتركیا شكلت صدمة لصانعي القرار في البلدان الخلیجیة – باستثناء سلطنة عمان وقطر – واذا كان للموقف التركي أسبابه في عدم الانخراط بمثل هذا التحالف، نظر لبراغماتية المواقف التركية وغلبة مصالحها الاقتصادية، وأيضاًعلی خلفیة الموقف الخلیجي من الاخوان المسلمین ووصفهم بالارهاب والحرب الطاحنة التي شنوها ضدهم في غزة ومصر (رغم ان الموقف الاخواني كان غریبا هنا وخاصة من أطراف كحكومة غزة)، لكن موقف باكستان بدی بالنسبة للخلیجیین غیر مألوف وخارج سياقه الطبيعي، بل طعنة في الظهر في زمن صعب.
وأسباب هذا الفهم الخليجي متعددة، يمكن أن نشير الى بعضها: اولاً، كثرة المساعدات الخلیجیة وخاصة السعودیة لباكستان حتى تمويل برنامجها النووي الذي ادى الى توازن القوى بينها وبين الهند، وثانياً، مشاركة النظامین في اكثر من مشروع امني وسیاسي في المنطقة وخاصة مشروع المجاهدین الافغان ومن ثم طالبان، وثالثاً، وجود قوی عاملة باكستانیة كبیرة في السعودیة والامارات وغیرها وما يدر به هؤلاء على بلدهم من أموال، وبالتالي، عدم فهم وادراك الشارع الخلیجي لمعنی ومتطلبات الحیاة النیابیة ووجود برلمان وتعددیة سیاسیة...
لكن في المقابل، كان من الصعب على باكستان ان تنخرط في حرب غير مضمونة النتائج من ناحية وقد تعصف بجبهتها الداخلية بسبب الضخ الطائفي الذي تمارسه السعودية في عدوانها على اليمن من ناحية أخرى، مع نسبة تصل الى 35% للشيعة من سكانها وهي ثاني دولة اسلامية من حيث السكان بعد اندونيسيا، وهكذا ما تواجهه من طالبان باكستان ومشاكلها مع أفغانستان ومع الانفصاليين البلوش في جنوبها الغربي.
من جانب آخر، تصاعد الخلافات مجددا بین تركیا ومصر علی خلفیة احكام الاعدام التي صدرت بحق 14 قیادیا في تنظیم الاخوان المسلمین ومنهم المرشد العام محمد بدیع، والذي من خلاله یبدو ان الموقف السعودي والخلیجي عاد الی مربعه الاول وهو الالتصاق بنظام السیسي، مما یعني بالضرورة تجدد سياسة معاداة الاخوان المسلمین..
لذلك من المتوقع في المرحلة القادمة ان ینتهي شهر العسل السعودي – القطري بخروج قطر من التحالف والاصطفاف الی جانب تركیا في مقابل الاصطفاف الاماراتي – المصري، رغم ان السعودیة تحاول لعب دور الوسیط في لعبة الشد هذه.
ولان العقدة المصریة (او السیسیة بتعبیر ادق) والاماراتیة بالمرتبة الثانية تتمحور حول الاخوان المسلمین، فان تصعید الموقف تجاه الاخوان سیشكل سبب انفراط عقد العدوان علی الیمن، بل لربما سیجعل اخوان الیمن في مواجهة المشروع السعودي، وقد تحدثت بعض الاخبار عن انشقاقات في التجمع الیمني للاصلاح (الاخوان) علی خلفیة العدوان وانضمامهم الی جبهة انصار الله – المؤتمر الشعبي العام وغیرهم من القوى المقاومة للعدوان.
ولن یترك الموقف المصري تجاه الاخوان في مصر الوضع في غزة دون تداعیاته لأن "حماس" ستكون علی مفرق طریق بین مشروعیتها الاسلامیة وصمتها تجاه موقف المصري، ولا اتصور انها تختار غیر الاول، لانها بدونه ستفقد عمقها الوطني الاقلیمي.
ولعل أهم من ذلك كله، سيتحول تصاعد الصدام بين الاخوان وحكومة السيسي الى عامل يعثرّ مشاركة مصر في العدوان على اليمن، فأن تلكأ التدخل المصري فهذا يعني فشل التحالف السعودي وفقدانه أحد أهم عناصر قوته السياسية والدعائية والقدرة على خوض الحرب البرية، وان تمّ التدخل المصري فسيكون ذلك مادة جيدة في تأليب الشارع المصري ضد حكومة السيسي من قبل الاخوان وستجد حكومة السيسي نفسها في مستنقعين سياسي في الداخل وعسكري في الخارج (اليمن) لن تستطيع الصمود بوجهه، رغم انها كانت تريد استغلال التدخل للمزيد من القمع في الداخل.
وما تحدثنا عنه في مصر بالنسبة للسيسي يمكن ان يحصل في السودان للرئيس البشير ايضاً.
خليجياً فأن إشكالية العلاقة مع الاخوان ستنتهي الى خروج الكويت من التحالف ايضا، نظرا لقوة الاخوان في الكويت، يضاف ذلك ان الشيعة الذين يشكلون نسبة عالية من السكان، هم بالتأكيد ضد العدوان الطائفي الوهابي السعودي على اليمن وضد انسياق الكويت في أي معركة طائفية لا ناقة لها فيها ولا جمل.
ولن يكون وضع الاردن والمغرب بأفضل مما ذكرناه، لوجود نفوذ قوي للأخوان في الاولى ولأن رئيس وزراء الثانية، "بنكيران"، يمثل الجناح المغربي للأخوان المسلمين.
أما الحديث عن تخلي الدوحة وأنقرة عن الاخوان ففيه من "الهبل" أكثر من التحليل العلمي، لأنه من المستحيل ترك قوة تنظيمية ومسلحة في بعض المواقع بحجم الاخوان، سائبة دون غطاء سياسي وارتباط مع طرف دولي (دولة) ألا ان يتضح بديلهما بالنسبة للجماعة وأستبعد ان يكون السودان هو البديل، فلا نفوذ اقليمي له ولا قدرة مالية!
في المقابل فأن ارضاء الاخوان يعني خروج كل من الامارات ومصر من معادلة العدوان ضد اليمن!!
فهل سيطيع السعودي الموازنة في هذه المعادلة الصعبة والملّغمة والمفتوحة على التصعيد بين اطراف جمعتها خدعة اسمها "التهديد الايراني" لموازن القوى في الشرق الاوسط وخلق قوة عربية افتحت مشروعها بأبادة الشعب اليمني الذي هو أصل العرب العاربة على يد المستعربين والاعراب وبدعوة باكستان وتركيا الى ذلك!
بصراحة اشك في ذلك، خاصة وأن الزمن لا يجري بما يشتهيه السعودي الذي سيجد نفسه وحيدا في مستنقع اليمن وليس معه غير الرئيس الهارب هادي وملك البحرين حمد، حتى الامارات ورغم حماستها الاعلامية الحالية، لا يمكن للسعودي التعويل عليها، لقد ادى أحراق الكساسبة الى خروجها من التحالف الدولي بزعامة أميركا خوفاً من ان يقع طيار منها اسيراً بيد داعش، فكيف أذا سقط صاروخ حوثي على أراضيها؟!
وهذا جزء من النار التي يطبخ حائك السجاد الايراني مشروعه عليها، فأن تمادت السعودية قد يزيد في "الوقود" الذي يتوفر لديه أنواعه.. وقد وحصل على الضوء الأخضر من القائد في خطابه الأخير، للحد الذي جعل سعود الفيصل يتحدث بلغة "فضيلة الامام خامنئي" مرغماً، فيما كان الايرانيون في طهران يتظاهرون أمام السفارة السعودية مطالبين بطرد طاقمها من البلاد وقطع العلاقات الدبلوماسية!
هذا والسعودية معرضة الى صدماتها التقليدية والتي أفقدتها خلال 3 سنوات وليي عهد وملك، فالتقارير الطبية الاخيرة تتحدث عن أكثر من وعكة صحية للملك وجهاز لتنظيم ضربان قلبه و... وسط حديث عن أشتداد الخلافات بسبب تصرفات وزير الدفاع محمد بن سلمان وولي ولي العهد محمد بن نايف، بين السديريين من جهة وابناء الملك السابق عبد الله وآخرين معهم من جهة أخرى، رغم أن الجميع يريد المحافظة على عدم خروج الخلافات الى العلن.
ومن هذه الحقائق، سيكون عنوان المرحلة اللاحقة هو الحلّ السياسي للأزمة اليمنية، مع اعطاء السعودية فرصة تفريغ احقادها والضغائن التي تحملها، بقتل المزيد من اليمنيين دون ان تحقق شيئاً على أرض الواقع وفي ساحة القتال.. فالمجتمع الدولي يخيَم عليه صمت القبور التي دفن فيها "العرب" منذ زمن ليس بقريب.
بقلم: علاء الرضائي