kayhan.ir

رمز الخبر: 1735
تأريخ النشر : 2014June08 - 21:20

حكومة التوافق الوطني الفلسطيني

الدكتور عبد الستار قاسم

تشكلت حكومة فلسطينية عُرفت إعلامياً بحكومة التوافق الوطني الفلسطيني، وتباينت حولها الآراء داخلياً وخارجياً. في الداخل الفلسطيني، هناك من يرفض تسميتها بحكومة التوافق الوطني، ويرى أنها حكومة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وهناك من يثني عليها ويرى فيها إمكانية الخروج من المآزق والورطات التي يقع بها الفلسطينيون.

وانقسم الخارج أيضاً حولها بحيث أعلنت أميركا عن إمكانية العمل معها، في حين رأى الأوروبيون إمكانية التعاون معها بشروط، بينما أعلن رئيس وزراء "إسرائيل” أن الحكومة الإسرائيلية لن تتعامل مع هذه الحكومة.

وفي كل الأحوال، يبقى الانتظار سيد الآراء وخاصة على المستوى الشعبي الفلسطيني. لقد تعاقبت الحكومات على الشعب الفلسطيني، وارتفعت مستويات التفاؤل أحياناً، لكن الجمهور يرى أن المحصلة هي خيبة الأمل والرجاء، وأن كل الحكومات في النهاية لم تصنع شيئاً من أجل إخراج الشعب الفلسطيني مما هو فيه.

أحاول في هذا المقال بناء الجدلية المحيطة بهذه الحكومة والتي تشير في النهاية إلى احتمالات الفشل والنجاح.

هل هي حكومة توافق؟

كرر رئيس السلطة الفلسطينية مراراً على مسمع العالم أن هذه الحكومة حكومته، ولم يقل إنها حكومة فتح وحماس. أي أن رؤية عباس للحكومة متناقضة مع فكرة الوحدة الوطنية.

وقد سبق لفصائل فلسطينية مثل الجبهة الديمقراطية أن احتجت على طريقة تشكيل الحكومة من حيث استبعاد الفصائل عن المشاورات وعن المناصب. رأت بعض الفصائل أن المشاورات اقتصرت فقط على فتح وحماس، وهذا لا يخدم فكرة الوحدة الوطنية التي تستدعي مشاركة الجميع.

ومن ناحية تشكيل الحكومة والشخصيات المشاركة، واضح أن أعضاءها هم إما من حركة فتح أو المناصرين لها، وهي بالتالي حكومة فتحاوية إلى حد كبير.

رئيس الحكومة محسوب على عباس، وكان دائماً منحازاً لحركة فتح في سياساته المختلفة في جامعة النجاح الوطنية، وسكت كثيراً عن ممارسات سلطوية في الجامعة مثل إدخال السلاح إلى الحرم الجامعي، والعربدة الأمنية على مدرسين وطلاب.

ووفق خبرتي في العمل في جامعة النجاح، كان من السهل على الفتحاوي حل مشاكله، أو الحصول على بعض النعم، بينما لم يكن الأمر كذلك بالنسبة للآخرين، وأرجو ألا يتحداني أحد في هذه الأمور لأنني أملك من الوثائق ما يكفي لإثبات أقوالي.

الأمر الأهم بالنسبة للحكومة هو أن أسماء المشاركين فيها عُرضت على الأميركيين أولاً للحصول على موافقتهم قبل إعلانها. لقد عرف الأميركيون أسماء المشاركين فيها قبل الشعب الفلسطيني، ولولا موافقتهم لما تشكلت وأُعلنت للناس. فهل هذه حكومة توافق وطني أم حكومة رضا أميركي؟

الأميركيون أهل فتن، وقد صنعوا فتناً كثيرة في الشارع الفلسطيني، والشعب الفلسطيني يدفع دائماً ثمن أعمالهم الشريرة التي يغطونها دائماً بالمال.

هل هي حكومة وطنية؟

قال عباس مراراً وتكراراً إن هذه الحكومة تعترف ب”إسرائيل” وتنسق أمنياً مع "إسرائيل”. وللتأكيد على مسألة التنسيق الأمني قال عباس إن التنسيق الأمني مع "إسرائيل” مقدس، وأضاف بذلك بعداً إسلامياً مقدساً جديداً لا يبدو أن المسلم سيدخل الجنة إن أغفله. فالجنة يبدو -وفق فكر عباس المتطور- أنها قد أصبحت للذين آمنوا وعملوا الصالحات وكانوا عملاء وجواسيس ل”إسرائيل”.

وفق القانون الثوري لمنظمة التحرير الفلسطينية والذي ما زال معمولاً به حتى الآن، الاعتراف ب”إسرائيل” خيانة عظمى ويعاقب من يعترف بها بالإعدام رمياً بالرصاص. وعقوبة الذي يتخابر مع "إسرائيل” أو يقيم معها علاقات أو يتآمر على المقاومة وفق هذا القانون الإعدام رمياً بالرصاص. أي أن شروط عباس في عمل هذه الحكومة تندرج وفق القانون الفلسطيني تحت الخيانة العظمى، وبما أن الحكومة والمشاركين فيها قد التزموا بما يلتزم به عباس من حيث إنهم قبلوا أن يكونوا في حكومته فهي حكومة الخيانة الوطنية وليست حكومة وطنية.

وبهذا يجب أن نكون صريحين وواضحين حتى لا يستمر أحد في المزايدة على الشعب الفلسطيني وتضليله. انتشر رأي في الساحة العربية يقول إنه لا يجوز التخوين، لكن كيف نصف من يدين نفسه بقوانينه أنه خائن. نحن واضحون: كل من يعترف ب”إسرائيل” وينسق معها أمنياً، ويلاحق المقاومة العربية والإسلامية ويطبع مع "إسرائيل” خائن.

هذا فضلاً عن أن عدداً من الوزراء مطبعون مع إسرائيل، ويقيمون علاقات مع "إسرائيل” منذ زمن. وحتى أقطع الشك باليقين، أدعو القارئ للتأكد من مؤسسي مركز بيريس للسلام، وسيرى أن بعض الجامعات الفلسطينية شاركت بالتأسيس. وكذلك سيجد المتتبع أن عدداً من الجامعات الفلسطينية تحمل عضوية اتحاد الجامعات الأورمتوسطية والتي تشارك فيها جامعات "إسرائيل”.

كما أن عدداً من أساتذة الجامعات يشاركون في مؤتمرات علمية بمشاركة إسرائيليين بخاصة في منطقة غور الأردن والدول الأوروبية. طبعاً رئيس الوزراء الدكتور رامي الحمد الله يعرف تماماً عن ماذا أتكلم. فإذا كانت الحكومة تحوي مطبعين، فهي بالتأكيد بعيدة كل البعد عن صفة الوطنية.

أهل تونس يناضلون من أجل تجريم التطبيع، وأهل فلسطين يقبلون مسؤولين مطبعين ومتعاونين مع "إسرائيل”. جامعات في أميركا وأوروبا ترفض التعامل مع "إسرائيل”، ورؤساء جامعات فلسطينيين يستقبلون الإسرائيليين. إنها قيادة منظمة التحرير الفلسطينية التي ورطت الشعب بأعمال كهذه غير وطنية.

عباقرة الحكومة

المميز في هذه الحكومة أن فيها من يمسك بوزارتين أو أكثر. فمثلاً الدكتور رامي الحمد الله ما زال يعمل رئيساً لجامعة النجاح الوطنية ومنذ أن تم تعيينه رئيساً للوزراء بعد الدكتور سلام فياض، وفي مخالفة صريحة للقانون الفلسطيني الذي يمنع تسلم الشخص لأكثر من وظيفة عامة واحدة. هو الآن رئيس الجامعة، ورئيس الحكومة ووزير الداخلية. كل من هذه المناصب يحتاج إلى متفرغ وطواقم عمل تساعده، فهل يستطيع شخص واحد أن يقوم بهذه الأعباء في آن واحد؟

في فلسطين نعم. محمود عباس يعمل رئيساً للسلطة، ورئيسا لفتح ورئيساً لمنظمة التحرير، وقائداً أعلى للقوات المسلحة. أما محمد مصطفى فنائب لرئيس الوزراء ووزير للاقتصاد. علام موسى يمسك بوزارتين وهما وزارة الاتصالات ووزارة النقل والمواصلات وشوقي العيسة يمسك بوزارتين وهما وزارة الزراعة ووزارة الشؤون الاجتماعية، وزياد أبو عمرو يعمل نائباً لرئيس الوزراء ووزيراً للثقافة.

علماً أن الشعب الفلسطيني مثقل مالياً برواتب الوزراء الذين ارتفعت أعدادهم كثيراً. الشعب يتحمل دفع رواتب أصحاب المناصب إلى الأبد.

الموقف الخارجي

من الملاحظ أن أميركا و”إسرائيل” خففتا كثيراً من معارضتهما لاتفاق المصالحة الذي تم بين فتح وحماس. اتخذت الدولتان موقفاً حاداً من الاتفاق مع بداية الإعلان عنه، لكن الحدة بدأت تخف مع مرور الأيام، والسبب هو أن عباس عمل على طمأنة الأميركيين والإسرائيليين إلى أن شيئاً لن يتغير فيما يخص الالتزامات الفلسطينية تجاه "إسرائيل” وعلى رأسها التنسيق الأمني.

وقد عزز عباس هذه الطمأنة بتصريحاته العلنية حول التزام الحكومة القادمة بالتنسيق الأمني، وعززته حماس في أنها لم تكن ترد بالعكس في إشارة منها على موافقتها الضمنية على ما يصرح به عباس. أميركا و”إسرائيل” تريدان إبقاء الشعب الفلسطيني تحت الضغط الأمني والمالي والاقتصادي والعسكري ليبقى غير قادر على عمل شيء يتحدى "إسرائيل”.

والمسألة كانت واضحة بالنسبة ل”إسرائيل” وأميركا بأن حماس لا تصر على المشاركة، ولا على موقفها من شروط الرباعية، وهي عازمة على إتمام المصالحة وفق شروط عباس على أن يبقى وضع المقاومة في غزة على ما هو، وهما تدركان عدم قدرة عباس تحت الظروف القائمة على مواجهة المقاومة في غزة. اطمأنت الدولتان إلى أن الربيع الفلسطيني لم يحن، وكان تلطيف العبارات سيد التصريحات.

لقد تسلمت أميركا قائمة أسماء المشاركين في الحكومة فارتاحت تماماً إلى استمرار الأمور على ما هي عليه منذ قيام السلطة الفلسطينية، ومن الواضح أنها وجدت في ذلك فرصة للالتفاف على حماس. السلطة الآن موجودة في غزة، وبالتعاون مع الرئاسة المصرية الجديدة و”إسرائيل”، تستطيع أميركا أن توظف مزيداً من الضغط على كتائب المقاومة الفلسطينية بهدف إضعافها وإنهاكها مع الأيام. أميركا تجد في الحكومة الفلسطينية الحالية ثغرة جديدة للانقضاض التدريجي على كتائب القسام وسرايا القدس ولجان المقاومة الشعبية.

أما "إسرائيل” فأعلنت أنها ستقاطع الحكومة الجديدة والسلطة، لكنها لم تعد تتحدث عن إجراءات ضد السلطة. من الناحية العملية، لا تستطيع حكومة "إسرائيل” مقاطعة السلطة ببساطة لما تقدمه السلطة الفلسطينية من خدمات إدارية وأمنية ل”إسرائيل”، وإذا أصر رئيس الوزراء الإسرائيلي على المقاطعة فإنه سيتعرض للكثير من الضغوط الداخلية بخاصة من المؤسستين الأمنية والعسكرية لإنهاء المقاطعة. قرار الحكومة المصغرة الإسرائيلية غير عملي ولا ينسجم مع مصلحة "إسرائيل” الأمنية، ولا أرى أنه سيجد طريقاً نحو التنفيذ.

هذا فضلاً عن أن أميركا قبلت الحكومة الجديدة، وسيكون لها رأي لدى "إسرائيل” بهذا الشأن. وكذلك سيفعل الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بإقناع "إسرائيل” بالاستمرار بالتعاون مع الحكومة الفلسطينية. وإذا اجتمع الأوروبيون والأميركيون على رأي، فإن "إسرائيل” ستجد نفسها في موقف ضعيف.

الحكومة الفلسطينية ليست حكومة وحدة وطنية، بل هي حكومة محمود عباس. إنها حكومة ربما تحل أزمة لدى كل من فتح وحماس. حماس تظن أن هكذا حكومة قد تساهم في مواجهة الضائقة الكبيرة التي يتعرض لها سكان غزة بفعل الحصار المشدد بخاصة من جهة مصر، وفتح ترى أن تشكيل هذه الحكومة قد يضغط على أميركا و”إسرائيل” لتقديم تنازل يوفر على السلطة وعباس بعض ماء الوجه. الانقسام باق، لكنه الآن أكثر تنظيماً، ويأخذ بعداً توافقياً.

العين على المقاومة

"إسرائيل” وأهل الغرب وأغلب الدول العربية والسلطة الفلسطينية يقفون ضد المقاومة ويتآمرون عليها ليلاً ونهاراً. وهناك خشية حقيقية الآن من اختراق صفوف المقاومة الفلسطينية في غزة، ومن التضييق عليها بالمزيد من قبل "إسرائيل” ومصر بخاصة. السياسة القادمة ستتركز على كيفية التخلص من السلاح الفلسطيني في غزة، وستكون المقاومة تحت النار المالية والاقتصادية والحصار المشدد.

ولهذا يجب أن تبقى عيوننا وآذاننا مفتوحة من أجل المقاومة، وهذه المقاومة العظيمة التي حفظت للشعب الفلسطيني بعض كرامته تستحق من كل الفلسطينيين والعرب التكريم والحرص من أجل بقائها واستمراراها.

ربما تفكر حماس في أنها ستصنع نموذجاً لبنانياً في فلسطين من حيث أن المقاومة تبقى تعمل في ظل حكومة معادية للمقاومة. أرجو ألا يطمئنوا لمثل هذا التحليل بسبب اختلاف الظروف بين فلسطين ولبنان. على الأقل لا يوجد في لبنان من يستطيع ملاحقة المقاومة من اللبنانيين، لكن الأمر في فلسطين مختلف.

لقد خسر الشعب الفلسطيني عبر السنين أشياء كثيرة، ولم يكسب سوى تطور المقاومة في غزة، ولا يوجد أمامه سوى الحفاظ على هذا الإنجاز الإستراتيجي العظيم.