ما وراء الانشقاقات في الأحزاب التونسية؟
روعة قاسم
يعيش الحزبان السياسيان الكبيران في تونس (حركة نداء تونس وحركة النهضة) مشاكل داخلية بالجملة أوصلت بعض القيادات داخل هذه الأحزاب إلى الاستقالة وتأسيس أحزاب جديدة أو الانضمام إلى أحزاب قائمة. فاستطلاعات الرأي التي تجرى في الشارع التونسي تعطي لحركة نداء تونس التي يرأسها رئيس الحكومة الأسبق الباجي قائد السبسي العدد الأوفر من الأصوات تليه حركة النهضة التي حافظت على رصيد معتبر من الأصوات رغم أخطائها في الحكم.
ويخشى التونسيون أن تعصف المشاكل بهذين الحزبين ما يهدد مسار الانتقال الديمقراطي الذي يفترض وجود أحزاب سياسية قوية لها مؤسسات تحترم قواعد اللعبة الديمقراطية وقادرة على ممارسة الحكم. وقد أفرز الواقع التونسي بعد الثورة هذين الحزبين. فالنداء يسوّق نفسه على أنه امتداد للحركتين الاصلاحية والوطنية في تونس انضم إليه بالخصوص أبناء المنظومة السابقة، المطاح بها، ممن لم يتورطوا في الظلم والفساد، فيما حركة النهضة تسوّق لمشروعية نضالية ضد الاستبداد امتلكتها خلال العهد السابق تتيح لها أن تكون حزبا فاعلا في المشهد السياسي.
"اليسار الاستئصالي”
المشكلة في حركة نداء تونس، أن هذا الحزب، الذي ولد كبيرا بالنظر إلى مؤسسه صاحب الكاريزما والشعبية الباجي قائد السبسي، يضم تيارات فكرية وسياسية متنوعة وغير متجانسة. ففيه الدساترة (نسبة إلى حزب الدستور الذي حكم تونس ستة عقود وأطيح به خلال الثورة والمنتمون إليه أغلبهم ليبراليون اجتماعيون يصنفون في يمين الوسط) واليساريون والمستقلون وحتى بعض الوجوه الاسلامية. ويرى الدساترة أنهم الأحق بقيادة هذا الحزب باعتبارهم الأغلبية والقادرين دون غيرهم على منافسة حركة النهضة، كما أن رئيس الحزب ومؤسسه هو دستوري عمل مع بورقيبة وزيراً للداخلية والدفاع والخارجية وترأس البرلمان التونسي في بداية حكم بن علي وترأس الحكومة بعد الثورة.
حركة نداء تونس
في المقابل يرى بعض اليساريين المتشددين داخل الحزب ممن ينعتهم البعض بـ "جماعة اليسار الاستئصالي” أن الدساترة جربوا في الحكم وانتهى دورهم مع الثورة التي أطاحت بهم ولا مجال لعودتهم إلى المناصب القيادية. ويعادي أصحاب هذا الطرح حركة النهضة ولا يرغبون في إقامة أي شكل من أشكال الارتباط معها، فيما يرغب جل المنتمين إلى الشق الدستوري داخل الحركة في الكف عن التهجم على حركة النهضة والالتفات إلى التخطيط والبرمجة بما أن نجاح الحزب خلال الانتخابات القادمة وارد. ونتيجة لهذا الصراع فقد غادرت بعض القيادات اليسارية الحزب ويتم الحديث عن قرب مغادرة آخرين خلال الأيام القادمة.
رجل أعمال
والحقيقة أن هذا الصراع جديد على الحركة لم يبرز إلا بعد أن سمح المجلس الوطني التأسيسي لمن تقلد مسؤوليات خلال العهد السابق بممارسة حياتهم السياسية بصورة اعتيادية ما لم تقع إدانتهم من قبل القضاء. لذلك شعر الدساترة بأن بإمكانهم العودة وخاصة أن حشدهم للناس في الشارع خلال الصائفة الماضية كان حاسما في إجبار حكومة علي العريض على الاستقالة. فاليسار التونسي نخبوي وغير قادر على حشد الجماهير وذلك بخلاف الاسلاميين والدساترة، ويقتصر وجوده على النقابات العمالية والاتحاد العام لطلبة تونس.
حركة النهضة
وتتهم بعض الجهات داخل حركة نداء تونس بأنها تخدم مصالح رجل أعمال كبير كان صديقا شخصيا للرئيس الأسبق زين العابدين بن علي قبل أن يختلف معه. ويبدو بحسب هؤلاء أن رجل الأعمال ذاك يرغب في السيطرة على الحزب وتطويع قياداته باعتبار أنه سيكون طرفا فاعلا في معادلة الحكم بعد الانتخابات التي ستجرى نهاية هذا العام. ويشاع بأن أنصار رجل الأعمال هم من اليسار وبأن رئيس الحزب بصدد محاربة نفوذ رجل الأعمال من خلالهم.
متغيرات
أما الخلافات داخل حركة النهضة والتي برزت إلى السطح بعد مغادرتها للحكم فقد أفرزت استقالة الأمين العام للحركة ورئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي من منصبه في الأمانة العامة، كما أدت بالقيادي رياض الشعيبي إلى مغادرة الحركة نهائيا ومعه آخرون وتأسيس حزب جديد. وتعود أسباب استقالة الشعيبي إلى مواقف رئيس الحركة وخصوصا تقاربه مع رئيس حركة نداء تونس الباجي قائد السبسي.
فتيار الصقور داخل الحركة رافض على ما يبدو لما يعتبره "تنازلات مؤلمة” تقوم بها الحركة في الآونة الأخيرة في إطار بحثها عن التوافق أو بفعل الضغوط الاقليمية والدولية. فالمتغيرات الاقليمية التي أفرزت فشلا للمشروع الاخواني في سوريا ومصر وفوزا لبوتفليقة في الانتخابات الجزائرية جعلت حركة النهضة تلين في مواقفها وهو ما لم يَرُقْ صقورَها وقواعدَها.