رداً على مقال فهمي هويدي "رفع الالتباس عما حلَّ باليمن من انتكاس"
صلاح زين
طالما أعجبتُ بانفتاح الاستاذ هويدي الفكري على الاخر .. لكن للاسف فان هذا الزمن جعل الكثير من النخب تتأثر فكرياً بالبيئة التي جرفها لاوعي طائفي فأضاعت بوصلتها أبسط معالم البحث العلمي واللغة العلمية في نقاشها لنزاعات وأزمات المنطقة ومنها أزمة اليمن.
فيما يلي أورد ملاحظات بسيطة بديهية على ما تفضل به في مقالته :
1 – قدّم في بداية مقالته ملاحظاتٍ وآراء عامة حول بعض ما ينبغي وما لا ينبغي ووضع خطوطا حمراً دون أن يسمي الأشياء بأسمائها, وذلك عندما كانت التسمية والتعبير سيأتيان في "سياق سلبي" وستقضيان بتسمية السعودية ومصر ومن احتشد خلفهما ومعهما. ولم يستهلك ذلك سوى موجز صغير في مقدمة مقالته.
2 - لكن عندما طالت "السلبية" باعتقاده إيران وجماعة أنصار الله الحوثية وعلي عبد الله صالح فلا حرج لدى الكاتب من التعبير المطوَّل والتشريح وتسمية الأمور بأسمائها. بل وحشد المعطيات التي يستند في جزء منها الى بعض ابواق السعودية وما لم يثبت من معطيات اعلا...
– قفز الأستاذ هويدي في نقاشه عن الأسباب الجوهرية للأزمة وخصوصاً ما تعلّق منها بالبلد الممسك بناصية اليمن تاريخياً واللاعب الرئيس في مختلف أزماتها والمهندس لحياتها السياسية على مر العصر الحديث وهو الجار و"الأخ الأكبر" السعودية.. ولم يتطرق الى سلوك هذا الجار الممهِّد لهذه الازمة من استبعاد مكونات أساسية من الشعب اليمني بدعم مباشر وصريح منه, كما لم يتطرَّق الى سلوك عبد ربه المتفلّت دوما من الالتزام بالاتفاقات والذي لم يكن الا بتوجيه وضغط سعودي لمنع التوافق بما يضر بالمعادلة المرسومة من طرف السعودي لليمن, وما تقسيم الاقاليم وحكومة الكفاءات الا امثلة على تفلته المستمر هذا. ثم أين النقاش العلمي لتقسيم الاقاليم ومدى تعبيرها عن عدالة اجتماعية وسياسية لمكونات اليمن وهو التقسيم الذي زاد من هواجس بعض اطراف المعارضة ومنها انصار الله. واين دور العمالة الذي مارسه عبد ربه منصور في استقالته ثم عودته بايعاز سعودي ولم يكن يرمِ من وراء ذلك الا ارباك كل الساحة اليمنية واخضاع خصومه من خلال تهديدهم بالفراغ والأخذ باجندة التقسيم..؟
4– أغفل الكاتب في مقالته كل ذكر لجماعة القاعدة وداعش وهجماتهم لجهة انفلاتهم كلما ازداد حراك الحوثي وهي الهجمات التي استهدفت ابرياء ومصلين وراح ضحيتها المئات في بعض المظاهرات والمساجد وغيرهما, والتي يفهم منها اي مراقب ان هناك من يوجّه ويدعم هذا النوع من الهجمات في وجه جماعة الحوثي. كما أغفل اي ذكر, بخلاف كل منطق علمي, للمستجدات التي فرضت تحرك انصار الله وفريقهم نحو عدن ومنها اتضاح ان الخطة ب في ايدي خصومهم وعلى رأسهم السعودية هي التقسيم واغراقهم في بحر من الدماء عبر وضع التكفيريين في وجههم لاشغالهم تماماً كما فعلوا بالعراق التي جرى التصريح أكثر من مرة في غير اعلان رسمي ان السعودية كانت من رعاة عمليات التفجير اليومية في اسواق وشوارع المدن العراقية.
5 – بالمناسبة, فكيف يحق لمصر ان تقوم بكل ما قامت به من اجراءات طالت الاسلاميين في مصر ومناطق سيناء والعريش وأغلقت معبر رفح مع قطاع غزة , بل اعلنت ما يشبه الحرب على كل ما يمت بصلة الى ...
6- الكاتب اكتفى من الاسباب بالقول إن الحوثيين "انتهوا ظالمين (...) واسفروا عن وجه طموح لم يكن بالحسبان (...) ولم يقاوموا غواية السيطرة على عدن". بل اجترأ الكاتب "منهجياً" على القول انهم "رفضوا الحوار السياسي" ..في حين أن هذا الفريق يكاد يكون الوحيد الذي لم يترك في أي مرحلة الدعوة للشراكة والحوار وبان كل حلمه هو الشراكة, في ظل عدم اعتراف مكونات اخرى بحق هؤلاء بالحياة فضلاً عن حقهم في الحكم والشراكة !!.. ولم يعلّق على اشتراط السعودية على ان يكون الحوار في الرياض .. وما احلاه من طرح سَمِح فأنت " الخصم والحكم ".. ولم يقل لنا الكاتب اين شراكة هؤلاء بالحكم واين سمح لهم بذلك, بل متى وافقت كل منظومة السلطة السعودية القائمة في اليمن سابقاً على اشراكهم بانصاف في قيادة الدولة ووظائفها ؟
7 – كما قفز فوق نقاش حق السعودية ومصر – ومن اعطاهم هذا الحق وباي شريعة الهية أو وضعية - في "الفرعنة" و"تأديب" من خالفهم من أهل اليمن وفرض ما يرتأونه عليه بصرف النظر عن مواقف مكونات اساسية يمنية لا تقل عن نصف الشعب اليميني... فلو سلّمنا بالقول إن الحوثي جار على بعض مكونات المجتمع اليمني فهل يعني ذلك ان اي خلاف داخلي يبيح للبلد الجار التدخل العسكري لتقويم هذا الخلاف .. يعني مثلاً هل يسمح لاي بلد مجاور التدخل لنصرة الاخوان في مصر مثلاً وهم من خُلِع رئيسهم في رابعة النهار؟! وهل يبيح ذلك تدمير الدولة ؟؟ حيث الجميع يعرف أن ما يجري في اليمن يستهدف مقومات الدولة الفقيرة وليس جماعة انصار الله حصراً ..