kayhan.ir

رمز الخبر: 171159
تأريخ النشر : 2023June20 - 20:40

إلى أين تتجه المواجهات في أوكرانيا بعد الهجوم المضاد الفاشل؟

 

 العميد د. أمين محمد حطيط

بعد العمليات العسكرية الناجحة التي خاضتها القوات الروسية وحلفاؤها في أوكرانيا اثر انضمام مقاطعات زاباروجيا وخيرسون الى روسيا (الانضمام الذي سبقه انضمام دونيتسك ولوغانسك)، تركز الحديث الغربي على الهجوم العسكري المضاد الذي ستطلقه أوكرانيا لاستعادة كامل المقاطعات الأربع التي باتت بعد الضمّ وفقاً للقانون الروسي أرضاً روسية بخاصة بعد تصديق مجلس الدوما على قرار الانضمام ما أضاف مساحة 180 ألف كلم2 الى روسيا.

ومن أجل نجاح هذا الهجوم الموعود ضاعف الحلف الأطلسي من حجم ونوعية مساعدته العسكرية لكييف فضمّ إليها دبابات متطوّرة حديثة مثل ليوبارد الألمانية ومنظومات دفاع جوي هامة مثل باتريوت الأميركية فضلاً عن تعزيز قدرات الكتلة النارية بالصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى وذات الفعالية التدميرية المناسبة للمهمة الموعودة التي هي كما أسلفنا طرد القوات الروسية من المقاطعات الأربع، وقد يُطوّر العمل وصولاً الى استعادة شبه جزيرة القرم التي كانت انضمّت الى روسيا في العام 2014 إثر الانقلاب الذي جاء بزيلنسكي المعادي لروسيا الى السلطة في كييف.

مع تكثيف الإمدادات والمساعدات كثف الغرب بقيادة أميركية ضغوطه على زيلنسكي لإطلاق هجوم الربيع، الهجوم الذي تردّد القول بأنه سينفذ في نيسان ثم قيل في أيار ولكن كييف ورغم الحرب النفسية التي رافقت الإعداد لهذا الهجوم، كانت متهيّبة من الموقف، لأنها كانت تستشعر مخاطره في ظلّ عدم ثقتها بجهوزيّة قدراتها العسكرية قياساً على ما تتطلبه المهمة. ولذلك أقدمت كييف على تدمير سدّ كاخوفكا على نهر دينيبر وأحالت أراضي شاسعة الى مستنقعات، وهي أراضٍ كانت ستكون مسرحاً لبعض عمليات الهجوم المضاد، لكن المناورة الأوكرانية لم تقنع أميركا بالتوقف عن ضغوطها التي أجبرت في نهاية المطاف زيلنسكي على إطلاق هجومه على أربعة محاور رئيسية تركّزت بشكل أساسي في مقاطعتي زاباروجيا وخيرسون وجنوب الدونباس.

بيد أنّ القوات الروسية أظهرت في مواجهة الهجوم جهوزية عالية مكّنتها من التعامل الفاعل في الميدان وعلى المحاور الأربعة. حيث إنها تمكنت في أحد هذه المحاور من تدمير قوة الصدم المعدّة للهجوم والمتمثلة بدبابات ليوبارد قبل انطلاقها، كما تمكّنت من عرقلة تقدّم القوات الأوكرانية على محوري الوسط، بحيث لم تتقدّم أكثر من بضع مئات من الأمتار ودمّرت بعد ذلك، أما في المحور الرابع شمالي باخموت فقد تراجعت القوات الروسية لتتجنّب الاشتباك لمسافة تتراوح بين 1400 و1800م ما مكّن المدفعية والطيران الروسي من العمل بأريحيّة ضدّ القوات المندفعة الى مناطق التقتيل.

وفي المحصلة كانت نتيجة الهجوم المضاد الذي شغل الإعداد له الحلف الأطلسي وسلطة كييف أكثر من أربعة أشهر، الفشل الذريع المترافق مع خسائر فادحة بالعديد والعتاد وتبخر فكرة «تحرير المقاطعات الأربع التي انضمّت الى روسيا «بالقوة» او على الأقل جعلها حلماً بعيد المنال.

هذا الوقع المرير استدعى اجتماعاً خاصاً لوزراء دفاع الحلف الأطلسي لمواجهة الموقف الذي وُضعوا فيه بين خيارين: إما التسليم بالخسارة وقبول الحلّ التفاوضيّ لوقف المواجهة في الميدان، أو المكابرة وتعويض الخسائر بمزيد من المساعدات لأوكرانيا ومزيد من التدخل في إدارة العمليات الحربية في الميدان، وبضغط أميركي، اختار مجلس وزراء دفاع الحلف الأطلسي الخيار الثاني مع التلويح بإمكانية إدخال ذخائر مزوّدة باليورانيوم المنضّد إلى الميدان ورفع مستوى المساعدات العسكرية لكييف كمّاً ونوعاً ما فرض على الحلف الأطلسي رفع كلفة التصنيع الحربي لدى أعضائه، من 2% من الناتج القومي في الدولة كما هو حالياً الى 2.5% للتمكّن من تعويض الاستهلاك في ميدان أوكرانيا، كما وتقرّر من غير إعلان أن يتولى ضباط من الحلف قيادة غرف العمليات العسكرية لإدارة العمليات في الميدان عبرها.

كان واضحاً أنّ الحلف الأطلسي الذي يقاتل روسيا عبر أوكرانيا مُصرّ وبقيادة أميركا على المضيّ قدُماً في الحرب غير آبه ـ أقله ظاهرياً وحتى الآن ـ بالخسائر التي يتكبّدها، وهو رغم تزايد الإنفاق والاستهلاك يستمرّ في الحرب التي يبدو أنه خطّط لها لاستنزاف روسيا ثم إنزال هزيمة استراتيجية بها تؤدي الى شطبها من رأس لائحة التهديدات لأوروبا وأميركا على حدّ ما جاء في الوثيقة الاستراتيجية التي أعلنتها ألمانيا مؤخراً، وصنّفت فيها روسيا العدو والخطر الأول الذي يتهدّد ألمانيا. (وهو أمر رفضته روسيا واستنكره وزير خارجيتها لافروف واعتبره مخالفاً للحقيقة والواقع).

في مواجهة هذا الخيار الأطلسي، كان على روسيا أيضاً أن تختار بين التوقف عن المواجهة لتجنّب ما يخطط له الأطلسي في أوكرانيا مع ما يشكل ذلك من تهديد وجوديّ للاتحاد الروسي، أو المضي قدُماً لتحقيق أهداف العملية العسكرية الخاصة بأوكرانيا والتي تتمثل بشكل إجمالي بإقفال أبواب الخطر عليها وعلى أمنها القومي وعلى وحدة أراضيها من الغرب. هذا الخطر الذي صنعه الأطلسي بقيادة أميركا من خلال إسقاط اتفاقات مينسك ومنع أوكرانيا من التفاوض لحلّ القضية سلمياً والتلويح بضمّ أوكرانيا الى الحلف الأطلسي خلافاً للتفاهمات التي أبرمت بعد تفكك الاتحاد السوفياتي وانسحاب روسيا من ألمانيا الشرقية.

بين الخيارين كان منطقياً أن يختار الرئيس الروسي بوتين الخيار الثاني الذي تفرضه المصلحة والكرامة الوطنية والقومية الروسية، واغتنم فرصة انعقاد منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي 2023 الذي شكل بانعقاده وما أنتج من صفقات، عملاً ناجحاً في تسفيه القول بعزلة روسيا اقتصادياً، ومكّن بوتين وبكلّ جدارة واقتدار من إطلاق موقف روسيا من المواجهة، مؤكداً أنّ روسيا «لن تتراجع عن العملية العسكرية الخاصة» وأنّ هذه العملية «ستستمر»… و»سيتمّ تحقيق كلّ أهداف العملية العسكرية»، مؤكداً «أن جهود الولايات المتحدة لسحق الاقتصاد الروسي قد باءت بالفشل».

أما عن التهديد أو التلويح بالتصعيد في المواجهة بما في ذلك استعمال اليورانيوم المنضد فقد اتخذت روسيا مواقف حازمة أيضاً، فمن جهة لوّحت بأنها تملك قوة نووية تعادل لا بل قد تفوق ما يملكه الأطلسي بدوله الـ 30 (أكثر من 6000 رأس نووي)، ومن جهة أخرى قرّرت روسيا وبالاتفاق مع بيلاروسيا نشر بعض الرؤوس النووية التكتية على أراضي الأخيرة في رسالة واضحة للأطلسي بأنّ كلّ شيء متاح لروسيا سيكون قابلاً للاستعمال من أجل تحقيق أهداف العملية الخاصة في أوكرانيا بما في ذلك السلاح النووي التكتي أو ما يتعداه.

وفي النتيجة نقول إن ليس أمام روسيا فعلياً ووجودياً في أوكرانيا إلا خيار واحد وهو تحقيق أهداف العملية العسكرية الخاصة التي أطلقتها في شباط/ فبراير 2022، لأنّ البديل سيكون تفكّكاً للاتحاد الروسي؛ وروسيا تعتقد أن لا حاجة بها لوجود العالم انْ لم تكن هي موجودة فيه، لذلك فإنّ الحرب من الجهة الروسية لن تتوقف إلا بتحقيق الأهداف الاستراتيجية المذكورة، وروسيا تملك القدرات على تمويل الحرب وإمدادها حتى النهاية. أما على الجانب الأطلسي وبعد أن فضحت الحرب الثغرات البنيوية واللوجستية في الحلف الأطلسي، كما كشفت عجز الحلف عن الاستمرار بإمداد أوكرانيا بما تتطلبه الحرب، فإننا نرى أنّ هذه الحرب ستبقى مستمرة الى الحدّ الذي تعلن فيه أوروبا عن عجزها في الاستمرار في المساعدات، فمتى يكون هذا اليوم؟

في ظلّ الضغط الأميركي والهيمنة الأميركية على أوروبا التي باتت تحتاج الى قدر من حرية القرار في مواجهة أميركا، فإنّ هذا اليوم قد لا يكون قريباً؟!