kayhan.ir

رمز الخبر: 170326
تأريخ النشر : 2023June05 - 22:41

ما كانت العلقة بالنظر لتعزب عن القلب!

حسين شريعتمداري

1 ـ خلال حرب اُحد وحين اشيع خبر استشهاد رسول الله(ص) على الألسن، اعتبر بعض المؤمنين ذهاب الرسول خسارة كل شيء، فتراجعوا عن ساحة القتال غماً وحسرة، فانزل الله وحيه معاتباً: "أفإن مات او قتل انقلبتم على اعقابكم" (آل عمران ـ 144) فانتاب اولئك المتراجعين الشعور بالخيبة والندامة، اذ ان ما تبقى هي الرسالة التي جاء بها الرسول رغم ان رحلته عزيزة على المؤمنين.

وجاء ذلك اليوم وليس في حرب اُحد وانما بعد سنوات، اذ ارتحل الرسول  عن الدنيا التي لم يتعلق بها ابداً لتعيش الامة العزاء ليس ذلك اليوم وحسب بل على  طول التاريخ، وهم يرددون منذ رحيله والى الابد "فما اعظم المصيبة بك حيث انقطع عنا الوحي وحيث فقدناك".

في ذلك اليوم، ظل البعض الذين مع ظهور الاسلام قد خسروا الحياة المرفهة والاشرافية، انه مع رحيل رسول الله (ص)، ستنكفئ رسالته ايضا، غافلين عن سر ارتباط الامة برسول الله (ص)،  والذي هو سر بقاء الاسلام، فهذه الفئة الاشرافية قد تمسكوا بهذا الوهم "سينسى القلب كل ما فارقته العين"، إلا ان ذكره واسمه وسبيله ليس عالقا في العيون وحملته الاسماع وحسب بل هو نقش القلوب، فما جاء بالنظر كي ينقلع  عن القلوب بذهابه. وهكذا كان منذ ذلك اليوم والى اليوم وما بعد ذلك، فجماهير المسلمين الذين لم يشهدوه تعلقت قلوبهم به وينتهجون دربه، ولا يوجد من هو اهل باطن ولا يستبطن  رسول الله في قلبه.

2 ـ في تلك الليلة  وصل خبر وخامة حال سماحة الامام ـ رضوان الله تعالى عليه ـ، فجعل حرس الثورة الاسلامية في اقصى انذار، وبلغت القلوب الحناجر، وابتلت العيون بدموعها. والأيدي مرفوعة للسماء  واشتد العويل والبكاء ليحجز عن الحال الدعاء. في تلك الليلة اعطيت مسؤولية متابعة الاخبار، ولم يكن حينها تقنية المبايل والانترنت وسائر الاجهزة الاعلامية المتطورة التي نعتادها هذه الايام. فالامر مقتصر بخطوط الهاتف والتلكس الذي يعبر عن الاعلام الخارجي... وكنت على تواصل مع الاخوة من حرس الثورة الاسلامية المستقرين في بيت سماحة الامام (ره). فكانت الاخبار مريرة.

ووقعت الواقعة الاليمة في الساعة العاشرة وعشرين دقيقة من المساء، وسمعنا احد  الاخوة من الحرس الثوري في بيت الامام وقد علاه النحيب "رحل الامام"...

وبعد دقائق، حصلت اتصالات هاتفية بان يؤجل الاعلان عن خبر رحيل الامام الى الغد.

وحين اعلن في الصباح الخبر من الراديو (في الرابع عشر من خرداد) بان؛ "روح الله إلتحق بالله" وكأنه نفخوا في صور اسرافيل، فهجم الناس من شيب وشباب ونساء ورجال واطفال  الى الشوارع لاطمين على الرؤوس، لتلبس ايران حلة السواد... فيما ابتهج الاعداء في الخارج الذين كانوا ينتظرون منذ سنوات هذا اليوم، لتعلن وكالة "اسوشيتدبرس" في تقرير؛ "نهاية عمر الخميني بداية انهيار الجمهورية الاسلامية"!

وهكذا  تركت محل عملي ونزلت الشارع بين صفوف الناس العظيمة المعزية. فكانت الساعة 11 صباحا عكفت الى محل عملي، لاراجع نشرة التلكس، لينقل نفسى مراسل وكالة "اسوشيتدبرس" الاميركية، في اشارة الى الحضور الجماهيري الملحمي  في الشوارع بقلوب مكلومة وعيون باكية، قائلا: "ان الخميني قد طلع مرة ثانية بعد غروبه".

3ـ ان في نفسى السنوات الاولى لانتصار  الثورة الاسلامية، كانت بعض الاواسط السياسية والمعاهد الغربية باعتماد نظرية "ماكس وبر" بان زعامة سماحة الامام ـ رضوان الله تعالى عليه ـ من نوع الزعامات التي تتصف بالكاريزما (الجذابية الذاتية)! اذ في شخصية الامام سمة جذب الشعب، ليستنتج انه برحلة الامام (ره) ستزول الأُسس التي ارساها، لتبقى الذكريات من مرحلة الخميني تتسجل على صفحات التاريخ، او مجرد تجربة من السلطة والادارة... بينما تكون الزعامة الكاريزماتية تبدأ من الناس جاذبيتها لتنتهي بالزعيم  ولتقف عنده، وبالضبط لهذا السبب  صارت نهاية عمر القائد ذي الجاذبية بداية استدارة الشعب  وعدولهم  عن المبادئ التي جاء بها الزعيم، لان جاذبية الزعيم الذي يتصف بالكاريزما قضية شخصية فبعد ان يرتحل بشخصه ينتهي عمر طوق جاذبيته...

الا انه في الزعامات الالهية كزعامة الانبياء  والائمة عليهم السلام فان مدار الجاذبية وان كانت تبدأ من الناس لتتجه صوب الزعيم الالهي ولكن لا تتوقف عند الزعيم الالهي، بل ان الزعيم الالهي يكون واسطة فيما الجهة الاساس للجذب، هو الله تبارك وتعالى، اذ يدعو القادة الالهيون الناس  اليه، وهكذا يرحل  الرسول (ص)، ولكن رسالته تبقى، ومع رحيله لا تزول الرسالة، وكما قال الشاعر؛

ويموت الرسول جسما ولكن

في الرسالات  لا يموت الرسولُ

كذبوا لن يموت رأيٌ لنور

الشمس من بعض نوره تعليلُ

4 ـ بعد فترة قصيرة من رحلة سماحة الامام(ره) انتقلت الزعامة وامامة الامة لصنديد آخر من السلالة الطاهرة لرسول الله (ص). فالثورة الاسلامية والنظام المنبثق  منه خلال فترة زعامة سماحة آية اللله العظمى الخامنئي. قد شهدت وقائع واحداثا عظيمة، ووجه بمؤامرات خطيرة دون توقف من قبل اعداء الثورة المعروفين والتيارات الملوثة في الداخل، وفي نفس الوقت خطت الثورة خطى شامخة صوب الهدف المطلوب في بعض منها هي اشبه بالمعجزة.

فخلال هذه المرحلة  تحققت الكثير مما توقعه الامام الراحل وما كان يتمناه على يد خلفه الحاضر، اذ تحولت ايران الى الدول الاكثر اقتدارا في المنطقة مع حفاظها على دورها المصيري  في الساحة الدولية.

فعمت الثورة الاسلامية ارجاء المنطقة والكثير من المناطق خارج حاضرة المنطقة، فتحزبت القوى الصغيرة والكبيرة ضد ايران الاسلامية، ولكن مع تدبير سماحة السيد القائد وما ابدته قوى المقاومة من دفاع مستميت، تلاشت مكائد هذه القوى بشكل لا نظير له. فكانت الثورة تتجدد في العراق وفي فلسطين ولبنان واليمن و... حاملة ايران الاسلامية اللواء لتسلب النوم من عيون الاعداء. فمن فتنة عام 1999 وبعدها الفتنة الاميركية الاسرائيلية عام 2009، ورغم الدعم الواضح ومن كل جانب لاميركا واسرائيل وبريطانيا وفرنسا و... الا انها ووجهت بزعامة وحكمة وشجاعة يضرب بها المثل لسماحة قائد الثورة، ووأدها للفتن في المهد.

ان ايران الاسلامية قد تحولت الى اكبر قوة عسكرية في المنطقة وواحدة من اكبر القوى العسكرية في العالم... ولتحتل في المجالات العلمية والتقنية الصدارة على قائمة المتبارين و...

فشهد الجميع بأعينهم واقروا بكامل وجودهم لهذه الحقيقة ان "الخامنئي خميني آخر"...