الذكاء الاصطناعي: استخدمته «إسرائيل» في الاغتيالات والمقاومة في ترفيع فعالية صواريخها…
د. عصام نعمان
يعيش الجنس البشري في كونٍ طبيعي، فيه الإنسان والحيوان والنبات والتراب والحجر والماء والريح والنور والظلمة وعدد لا يُحصى من الأشياء والظاهرات المنظورة وغير المنظورة.
في هذا الكون الطبيعيّ تتوالد وتتعدّد ظاهرات وأجسام وأشياء ذات تركيبات وسمات وسلوكيات مختلفة ومتفاوتة في حجومها واستعمالاتها وتأثيراتها. لعلّ أشدّ الظاهرات إثارةً ومدعاةً للاهتمام والاستغراب الذكاء الاصطناعي الذي يؤشّر بدوره إلى تظهير كونٍ آخر بموازاة الكون الطبيعيّ يمكن تسميته الكون الاصطناعيّ.
المقصود بالكون الاصطناعي وجود عقلي ومادي مترع بظاهرات وأجسام وأشياء ليست وليدة الذكاء الطبيعيّ النابع من الجنس البشريّ بل بفعل الذكاء الاصطناعي الذي بات حقيقة ملموسة ساطعة بكل المعايير.
ظاهراتٌ وأجسام وأشياء الذكاء الاصطناعي باتت متوافرة في شتى الحقول والنشاطات والموضوعات والمعاملات. فقد كشف عددٌ من الخبراء في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة توقعاتهم بشأن كيف سيتمكّن الذكاء الاصطناعي من تغيير حياتنا بحلول سنة 2030 بعدما صار قادراً على حلّ مشاكل مستعصية والإجابة على كل الأسئلة في مختلف المجالات.
صحيفة “ديلي ميل” البريطانية أوردت أمثلة قدّمها أولئك الخبراء في هذا السبيل:
إنتاج أفلام كاملة في يوم واحد.
معلّم افتراضيّ شخصيّ يقدّم للأطفال دروساً في شتى المجالات.
زيادة قيمة الاقتصاد العالميّ بمقدار 15,7 تريليون دولار أميركيّ.
حلّ أزمة الطاقة تكنولوجياً بحلول سنة 2030.
إيصال الذكاء الاصطناعي إلى مستوى الذكاء البشري بحلول سنة 2030.
غير أنّ أشهر ظاهرات الذكاء الاصطناعي واحدةٌ قاسية تُنذر بإبادة الجنس البشريّ وأخرى طريفة تشي بالحب. ذلك أنّ عالِم الكومبيوتر الأميركي ايليزر يودكوفسكي حذّر من توليف تكنولوجيا قد تؤدّي الى انقراض الجنس البشري بحلول سنة 2030. قال: “إذا قام شخص ما بتوليف ذكاء اصطناعي قوي للغاية في الظروف الحالية، فإني أتوقع ان ينقرض كل الجنس البشري وجميع الكائنات الحيّة على وجه الأرض بعد وقت قصير. لم يشرح العالِم المتوجّس كيف سيتمّ ذلك، ربما كي لا يساعد شخصاً مجنوناً على إبادة الجنس البشري!”.
أما الظاهرة الطريفة فقد تجلّت في سلسلة من الصور التي تمّ تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي منذ أيام تُظهر الرئيس التنفيذي لشركة “تسلا”، ايلون ماسك، برفقة مجموعة من الروبوتات الإناث (robot إنسان آليّ) الأمر الذي أثار الجدل حول إقدام الملياردير الشهير على الوقوع بحب إحدى الروبوتات. هذه الظاهرة حملت ديفيد يارفن، رئيس إحدى شركات الإنشاءات، على التساؤل: “إيلون ماسك يُعلن عن زوجة المستقبل، فمن تراها تكون؟”.
الى ذلك، ثمة أسئلة أخرى طريفة تطرحها ظاهرة الذكاء الاصطناعي واستخدماته وتداعياته:
ـ ماذا لو تطوّرت تطبيقات الذكاء الاصطناعي الى درجة تصنيع جنس آلي موازٍ للجنس البشري ومتصارعٍ معه؟
ـ أيّةُ ايديولوجيات وسياسات سيعتمدها الجنس الآلي في صراعه مع الجنس البشريّ؟
ـ هل تندلع حرب بين الجنسين البشري والآلي يستخدمان فيها أسلحة متطوّرة ينطوي جميعها على تطبيقات من الذكاء الطبيعي والاصطناعي؟
ـ لمن ستكون الغلبة في الصراع: للذكاء الطبيعيّ أم للذكاء الاصطناعيّ؟
كل هذه التساؤلات والاحتمالات شبه الخياليّة لا تهمّنا في عالم العرب. ما يهمّنا، بالدرجة الأولى، مسألة استخدام الذكاء الاصطناعي في الحرب، خصوصاً في الصراع مع العدو الصهيوني بعدما تبدّى ذلك في حالتين: الأولى، نجاح العدو في اغتيال ثلاثة من كبار قادة حركة الجهاد الإسلامي عشيةَ عدوانه الأخير على غزة. الثانية، المناورة اللافتة التي نفّذتها قوات المقاومة (حزب الله) عشية الاحتفالات بعيد المقاومة والتحرير، يوم الخميس الماضي.
كان لافتاً ما نسبته، صدقاً أو كذباً، الصحافة الإسرائيلية منذ أيام الى قيادة الجيش الإسرائيلي عن رفعها تقريراً الى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو حول كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي في العدوان الأخير، لا سيما في “كيفية العثور على القادة المطلوبين واغتيالهم باستخدام أجهزة الاستشعار ومعالجة المعلومات عنهم بواسطته، وعن كيفية جمع المعلومات الاستخبارية المرئية والمسموعة (التنصت) والبصمات الإلكترونية، وكيفية استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تحلل البيانات”. وبحسب تقارير الصحافة الإسرائيلية، أبدى نتنياهو اغتباطه لأن جيشه “يُحقق فجوة كبيرة بينه وبين الأعداء”.
اغتباطُ نتنياهو ردّ عليه مباشرةً رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله السيد هاشم صفي الدين في ختام المناورة الحيّة التي نفذتها مؤخراً قوات المقاومة: “إذا كنتم فكّرتم في توسيع عدوانكم للنيل من المعادلات التي صنعناها بدمائنا وقدرتنا فسنكون جاهزين لنمطركم بصواريخنا الدقيقة وكلّ أسلحتنا، وستشهدون أياماً سوداء لم تروا لها مثيلاً، وعلى العدو أن يعلم جيداً أننا نقصد ما نقول”.
المسؤولون الصهاينة حرصوا على عدم كشف استخدامهم الذكاء الاصطناعي الى ما بعد الانتهاء من عدوانهم على غزة. من المحتمل جداً أن يكون قادة المقاومة في لبنان قد حرصوا أيضاً على عدم عرض صواريخهم الدقيقة وغيرها من القدرات العسكرية المتطوّرة في المناورة بقصد عدم تمكين العدو من استخلاص فكرةٍ أو تقدير لفعاليتها، مرجئين الأمر الى ما بعد الردّ على أيّ عدوان صهيوني مقبل.
الخلاصة، ثمة احتمال راجح، لدى خبراء استراتيجيين في لبنان، بأن المقاومة اكتنهت وربما استخدمت بشكل او بآخر أحد تطبيقات الذكاء الاصطناعي في ترفيع فعالية صواريخها، لا سيما أنّ فك أسراره ليس عصيّاً على العلماء في بلاد العرب والعجم.
يبقى سؤال: كيف سيكون حال الكون الطبيعيّ والآخر الاصطناعيّ خلال الصراع المقبل بين الجنس البشري والجنس الآلي؟