واشنطن تغازل طهران بحروف سورية
بتول عبدالله
هي لحظة لم تتمناها أميركا يوماً.. لطالما راودتها بقلق، فتجنبتها.. صمدت أربع سنوات بوجه التخلي عن شرط رحيل الأسد عن سدة الرئاسة لتحقيق التسوية السياسية المنشودة؛ إلى أن حانت ساعة الإقرار بضرورة التفاوض معه لإيجاد حلٍّ سياسي.
يأتي ذلك في ظل الذكرى الخامسة لانطلاق الأزمة السورية التي تشظى العالم بأسره من انفجارها. "أجل، علينا أن نتفاوض معه في نهاية المطاف. "هكذا جاء رد وزير الخارجية الأميركية جون كيري, على سؤال وجهته له قناة "سي بي إس نيوز” الأميركية حول استعداد الولايات المتحدة للتفاوض مع الرئيس الأسد من أجل التوصل الى اتفاق سياسي, ينهي الصراع المسلح القائم في سوريا منذ العام ٢٠١١.
سلسلة من التراجعات في السياسة الأميركية, وصلت حدّ الذروة مع تصريح كيري الذي أثار اهتمام الجميع. تصريحٌ ترأس عناوين النشرات الإخبارية, واعتلى مانشيت الصحف العربية والدولية. موقف جون كيري هذا تلى موقف رئيس الاستخبارات الأميركية "CIA”، جون برينان، الذي أوضح فيه أن الولايات المتحدة وروسيا لا تريدان انهيار الحكومة ومؤسسات الدولة في سورية. ما يؤكد أننا أمام إعادة صياغة للأولويات الأميركية من الأزمة السورية، وإعادة ترتيب لأجندتها على مستوى المنطقة.
الحرب على داعش باتت أولوية الأميركي اليوم. والمفاوضات مع الإيراني لا تقل أهمية عنها، فبعد اثنتي عشرة سنة من التوترات الدولية, وثمانية عشر شهراً من المحادثات المكثفة، بدأ العد العكسي لإبرام اتفاق سياسي تاريخي بشأن الملف النووي الإيراني، في مدة أقصاها نهاية الشهر الجاري. الأمر الذي يبين أن إطلاق الأقوال الأميركية بخصوص الحوار مع الأسد في هذا الوقت بالذات، شديد الرمزية. ومع إمكانية التفاهم مع إيران، تجد الولايات المتحدة الأميركية نفسها أمام خيار واحد من الأزمة السورية: "العض على الجرح” والحوار مع الخصوم، وإن كان الخصم "أسداً”.
رغم أن الكثير من المراقبين لا يعولون على كلام البيت الأبيض، إلا أنه ينبغي التطرق الى العوامل التي أفرزت تحولاً في موقف واشنطن تجاه دمشق:
١- فشل المعارضة في أن تكون بديل النظام السوري, الذي لطالما سعت أميركا إلى إسقاطه.
٢- استفادة "داعش” من الدعم اللوجستي الهائل الذي نالته من أميركا وحلفائها, وطرح نفسها كدولة إسلامية، ثم خروجها عن السيطرة. وقد برز ذلك مع ارتدادها على صانعيها، بدءاً بقتل متعمد لصحفيين أميركيين, وصولاً إلى حادثة "شارلي إيبدو” في فرنسا.
٣- تفاوض فرنسا، حليفة أميركا، مع سورية, عبر زيارة وفد برلماني فرنسي دمشق الشهر الماضي.
٤- تجنب إدارة أوباما التدخل العسكري في سورية.
٥- إنجازات محور المقاومة في كل ساحات القتال, وانتصارات الجيش السوري في شتى الميادين، وبشكل خاص في معركة الجبهة الجنوبية, على طول الحدود مع فلسطين المحتلة والأردن. - التواجد الدائم والمصوَّر لقائد فيلق القدس, الجنرال قاسم سليماني, في كافة جبهات المواجهة التي يخوضها حلف المقاومة، من بغداد إلى دمشق.
٦- صمود سوريا وحلفائها, الذي مكّنها من فرض معادلتها على الجميع. يبدو أن بلاد العم سام قد رضخت للأمر الواقع مُقرّةً بتكيفها مع معادلات الميدان في ساحات المواجهة.
فهل تهيئ الأجواء لمزيدٍ من التودد من حلف "الأمر الواقع” المتين, الممتد من موسكو إلى طهران فدمشق وبيروت، مروراً ببغداد؟ وهل نشهد مزيداً من التنازل الأميركي في المستقبل؟