kayhan.ir

رمز الخبر: 16963
تأريخ النشر : 2015March18 - 21:15

قسم كبير من الرأي العام الأميركي يطالب بملاحقة الجمهوريين بتهمة الخيانة

عقيل الشيخ حسين

منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران، لم تتوقف واشنطن وحلفاؤها عن بذل الجهود المحمومة من أجل ضرب هذه الثورة، وكان من الطبيعي لفشل هذه الجهود وللانتصارات التي حققتها إيران ومحور المقاومة أن ينقل الصراع إلى داخل محور الهيمنة وحتى إلى قاعدته واشنطن.

في رسالتهم إلى "قادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية”، زعم أعضاء مجلس الشيوخ السبعة والأربعون الذين وقعوا الرسالة أنهم يريدون "إغناء معرفة” الإيرانيين في مجال "التنظيم الدستوري الأميركي”. وأضافوا بلهجة فيها تهديد واضح، ودون أن ينتبهوا إلى "غدرات” الأحداث التي يمكنها أن تدخل الاضطراب في سير رهاناتهم العشوائية على المستقبل، بأنهم سيكونون في الحكم بعد انتهاء ولاية أوباما، وسيكون بوسع الرئيس القادم أن يلغي "بجرة قلم واحدة” كل ما أبرمه من اتفاقات.

كل الذين، في أميركا والخارج، عبروا عن استيائهم تجاه هذه الرسالة وألقوا باللائمة على الجمهوريين وركزوا على أمور منها مخالفة الأعراف والتقاليد السائدة في العلاقات بين الدول... إلا إيران.

مسؤولية الدولة الأميركية

فإيران تجاهلت الجمهوريين لسبب بسيط هو أنها لا تجري مفاوضات معهم، وتوجهت بالإدانة إلى الدولة الأميركية لأنها المسؤول الوحيد عن قرارها الدولي، وعن التنظيم الدستوري الأميركي، وبالتالي عن ضبط سلوك مواطنيها على ضوء هذا التنظيم. وبهذا المعنى، تكون إيران قد قذفت الكرة إلى الملعب الأميركي بقدر ما بات الرئيس أوباما ملزماً بإثبات قدرته على التصرف باسم الولايات المتحدة، وفقاً لمقتضيات تنظيمها الدستوري.

وهذا يعني أيضاً أن توقيع الاتفاق قد أصبح رهناً بقدرة الولايات المتحدة على توحيد كلمتها وعلى التخلي عن اللغة المزدوجة التي لا تخدم غير أغراض الخداع والمخاتلة التي أصبحت ركناً أساسياً من أركان السياسة الأميركية في التعامل مع الدول الأخرى.

الاتفاق انتصار لإيران وعدمه سيؤدي إلى تسارع حركة انهيار الحلف الصهيو-أميركي

كما يعني، فيما لو لم تلتزم واشنطن بما تمليه عليها الجهود الدولية التي بذلت خلال سنوات طويلة من أجل التوصل إلى اتفاق حول النووي الإيراني، أن الاتفاق لن يبرم، وأن إيران ستخسر على خط العقوبات وخط أموالها المحتجزة في أميركا وبلدان الغرب. لكنها خسارة لم تحل يوماً دون أن تواصل إيران مسيرتها الصاعدة في المجالات كافة، بما فيها النووي بالذات. ولن تحول دون استمرار إيران في القيام بدورها في التصدي الفعَّال لمشاريع الهيمنة والتخريب التي يرعاها المحور الصهيو-أميركي وامتداداته العربية.

محور الهيمنة هو الخاسر الأكبر

أما محور الهيمنة فإنه الخاسر الأكبر، لأن الفشل في التوصل إلى اتفاق، ورهان أوباما على استيعاب إيران أو، على الأقل، على التفاهم معها حول قضايا المنطقة سيتبخر. ومن المنطقي في هذه الحالة أن تنفتح الآفاق أمام تطورات تصب كلها في مجرى واحد هو استمرار وتسارع حركة الانهيار التي يعاني منها الحلف الصهيو-أميركي وامتداداته العربية. لا لأن إيران قد مدت نفوذها إلى العراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن والبحرين والمناطق الشرقية من السعودية، بل لأن شعوب تلك البلدان والمناطق، وغيرها أيضاً من البلدان والمناطق، تحتضن قضايا مقدسة، وتثبت كل يوم قدرتها على المضي قدماً في نصرة تلك القضايا.

نتنياهو وفوبيا الحرب

في غزوته للكونغرس، حرص نتنياهو على القول أن تشديد العقوبات، لا الحرب، هو البديل الذي يقترحه عما أطلق عليه اسم الاتفاق "السيء”. لأن فوبيا الحرب التي يعاني منها بفعل حروبه الفاشلة في لبنان وغزة لا تمنحه الجرأة ليعود إلى معزوفة "ضرب إيران” التي رددها طيلة سنوات مع الأميركيين والامتدادات العربية. أما الأميركيون، فستكون لهم، خصوصاً إذا فشل الاتفاق، حسابات طويلة ومريرة مع حلفائهم. فألمانيا أدانت رسالة الشيوخ، إضافة إلى خروجها الواضح عن الركب الأميركي-الأوروبي فيما يخص أوكرانيا. وفي داخل الولايات المتحدة الغارقة بالأزمات والمشاكل المدمرة للأعصاب، جاءت رسالة الجمهوريين رهاناً غبياً من قبلهم لاستدراج موقف إيراني يؤدي إلى منع أوباما من الفوز بولاية رئاسية ثانية، على غرار ما فعلته عام 1980 عندما عاقبت جيمي كارتر وحالت بينه وبين الدخول مجدداً إلى البيت الأبيض. والأشد خطورة والأغنى دلالة هو ارتفاع أصوات الأميركيين المطالبين بمحاكمة موقعي الرسالة بتهمة الخيانة.

توقيع الاتفاق مرهون بقدرة الولايات المتحدة على توحيد كلمتها والتخلي عن لغتها المزدوجة

فهذه المرة، لا يقتصر الأمر على موقف يوصل أحداً ما إلى منصب الرئاسة في الولايات المتحدة، دون أن يؤدي ذلك إلى تغيير جذري في السياسة الأميركية. لأن ما يجري هو مواجهة كبرى هزمت فيها أميركا وحلفاؤها في المنطقة وبات من الطبيعي أن تعبر الهزيمة عن نفسها من خلال تصاعد الخلافات بين الأطراف المهزومة. وهذا بالفعل ما نلمسه في تدهور العلاقات بين الحزبين الديموقراطي والجمهوري، بين الولايات المتحدة وإسرائيل، بين السعودية وكل من قطر وتركيا. وخصوصاً على مستوى ملامح التفكك التي باتت تضرب التحالف الدولي ضد الإرهاب والناشئة، عن تورط جميع هذه الأطراف في علاقة ملتبسة مع إرهاب صنعوه ثم وجدوا أنفسهم مضطرين إلى محاربته ولو ظاهريا.