الاقتصاد الأميركي عند حافة الهاوية.. هل تُراجع واشنطن سياساتها الخارجية؟
حسن شريم
لطالما أرادت الولايات المتحدة الأميركية توريط دول العالم بديون ناتجة عن السلوك الاقتصادي والمالي القاهر بحيث تعجز الأخيرة عن السداد، ومن ثم يجري إخضاعها سياسيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا.. اليوم وقعت واشنطن نفسها في الفخ الاقتصادي الذي نصبته لغيرها لعقود حتى باتت بحاجة إلى من ينقذها.
وبعد أن تغنّت لعهود باقتصادها "الحرّ" -القائم على إشعال الفتن والحروب بين الدول ونهب ثرواتها- تجد أميركا نفسها اليوم عاجزة عن سداد ديونها، بعدما حاولت تكرار الهروب منها إلى الأمام بإغراق السوق المالي، من خلال طباعة آلاف المليارات من الدولارات الورقية، ظنًا أنّها بذلك ستتملّص من الكساد الرابض على أبوابها.
وفي هذا السياق، صرّح الرئيس الأميركي جو بايدن بأن المحادثات مع الجمهوريين لمنع التخلف عن سداد ديون الدولة، لا تزال عالقة ولم تتقدم.. هذا بعد أن تجاوزت الولايات المتحدة في كانون الثاني/يناير سقف الدين القانوني البالغ 31.4 تريليون دولار، وبعد ذلك اضطرت وزارة الخزانة في البلاد إلى استخدام تدابير الطوارئ لمواصلة عملياتها المالية.
وكانت الإدارة الأميركية تحث الكونغرس في الأشهر الأخيرة على رفع حدّ الديون، وسبق أن حذّرت إدارة الرئيس الأميركي من عواقب "كارثية" ستصيب الاقتصاد الأميركي، تشمل خسائر فادحة في الوظائف، في حال تخلّفت الولايات المتحدة عن سداد ديونها.
الاقتصادي والمالي الدكتور إيلي يشوعي يوضح لموقع "العهد" الإخباري، أنّ الأسباب الكامنة وراء التخبط الحاصل في الولايات المتحدة الأميركية تعود للسياسات الخارجية التي تنتهجها واشنطن مع دول المنطقة والعالم، ويضيف "أعتقد أن الحلّ يكمن بإعادة النظر بالنفقات داخل الموازنة الفيدرالية، وليس بإعادة النظر بالواردات الضريبية وغير الضربية، لأنني أعلم أن نسب الضرائب عالية بما فيها الكفاية، ولا يستطيع المواطنون الأميركيون أن يتحملوا مزيدًا من الأعباء الضريبية".
ويقول "لنذهب إلى النفقات. لدي ملاحظة، حبذا لو أن السياسية الخارجية للولايات المتحدة تقوم على احترام حقوق الإنسان ومكافحة الكذب والغش وتهريب وتبييض الأموال، وعلى مكافحة كل أنواع الشرور داخل الولايات المتحدة، ويتابع الدكتور يشوعي قائلاً: "أعطيك مثلًا بسيطًا. الولايات المتحدة لديها 700 قاعدة عسكرية ثابتة موزعة على 200 دولة في العالم، ما عدا الأساطيل والقطع المتحركة في الجو والبحر والبر. ألا تحتاج كل هذه القواعد لإنفاق وصيانة وموازنة فيدرالية، تكون قادرة على تغطية مصاريفها؟".
ثانيًا، الولايات المتحدة في سياستها الخارجية تتدخل في شؤون الدول - الصين تتدخل اقتصاديًّا (تلتزم مشاريع داخل الدول وتساهم في إنمائها، وهي تأخذ أتعابها)، ولكن دورها يبقى كإنماء ومشاريع وتطوير وبناء بنى تحتية - كما إنّ خرق سقف 32 مليار دولار ليس بالمسألة السهلة، لأن هذا يتطلب ضخ المزيد من الكتلة النقدية الدولارية في سوق التداول داخل الولايات المتحدة، وهذا من شأنه أن يؤثر سلبًا على سعر صرف الدولار حيال العملات الدولية الأخرى، وبالتالي يؤثر على مستوى الفوائد، (إذ كيف تعالج التضخم؟ من خلال رفع الفائدة، لماذا من خلال رفع الفائدة؟ أولًا لتبقى الفائدة الحقيقية موجودة، لأن الفائدة الحقيقية هي الفائدة الإسمية، أي ما يدفعه لك المصرف ناقص نسبة التضخم، لتظل هناك فائدة حقيقية على الدولار)، ومن ناحية ثانية أن لا يذهب الناس إلى الطلب، يعني أن يزداد الطلب كثيرًا وأن يساهم بمزيد من التضخم، الذي ينعكس سلبًا على استقرار سعر صرف الدولار".
تراجع الدولار سيصبّ في مصلحة الذهب
وحول تأثير الدولار على العملات الدولية الورقية، يرى الدكتور يشوعي أنّ "تراجع الدولار سيصبّ في مصلحة الذهب، وليس مصلحة أي عملات ورقية دولية أخرى، لأن أي عملة ورقية مهددة بالحروب وبعدم الاستقرار وبالعوائق التي تضرب سلاسل التمويل الدولية، إن كان بالنفط أو الغاز أو المعاجة أو بأساسيات الصناعات المهمة دوليًّا، وهذا من شأنه أن يؤثر سلبًا على النمو في تلك الدول الصناعية المتطورة، وبالتالي على استقرار أسعار النقد الورقي".
ويتابع "لذلك، اليوم، وفي ظل ما يجري في الولايات المتحدة، فإن الذهب أساسي وهو ملجأ. صحيح أن سعره اليوم نحو 2000$ للأونصة، لكن حتى إن أصبح سعره دولارًا واحدًا، يبقى له قيمة ذاتية، وهي التي تضمن سعره المرتفع، بينما العملة الورقية ليس لها قيمة ذاتية، بل لها سعر صرف، أي ما تساويه مقابل عملات أخرى، وتعكس أيضًا حال المالية العامة، وحال اقتصاد الدولة المصدرة لتلك العملة".
ويتمنّى الدكتور يشوعي أن "تراجع الولايات المتحدة مرتكزات سياستها الخارجية المكلفة جدًا على الخزينة الفيدرالية، وبرغم كل ما تنفقه على سياستها الخارجية، على انتشارها العسكري وتدخلاتها وغيرها، لا تفلح الولايات المتحدة في بناء صداقات بقدر ما تفلح في بناء عداوات، وهذا ما نفضّله بأن لا يكون في العالم هذا النوع من العلاقات بين البشر (أنا أتكلم عن نفسي كاقتصادي وكإنسان. أنا مع التعاون والتفاهم إلى أقصى الحدود بين كل شعوب العالم. وليكن هناك تفاهم حتى على الأمور البسيطة، وليس الأمور الديموغرافية أو النمو السكاني فحسب. يجدر بنا أن نتقبّل الفكرة التي تقول، إن قدرة هذه الأرض على استيعاب النمو السكاني المطّرد لا تتعدى 1% أو 2 % من النمو الديموغرافي سنويًّا. علينا أن نعزز حياة الإنسان. الإنسان وُجد مشروع فرح وليس مشروع تعديات، يعني المحبة والإنسانية والسلام).. نتمنى على الدول الكبرى في العالم تبنّي ذلك ".
تأثير الدولار على تعاملات الدول
وعن الدول التي تتداول بالدولار كعملة تجارية يوضح الاقتصادي الدكتور يشوعي، أنّ غلاءً فاحشًا سيطرأ على تعاملات تلك الدول عند شرائها بالدولار، خاصة أن القدرة الشرائية تتراجع، وأكبر برهان على هذا الأمر هو ارتفاع الفوائد الذي يعني ارتفاعها كقدرة شرائية مصطنعة.
وبرأي الدكتور يشوعي، فإنّه حتى الآن، لا زال اقتصاد الولايات المتحدة الأميركية "مرتاحًا"، لكن الاستمرار بنزف المال العام وإنفاقه وزيادة القيود على زيادة الواردات الضريبية، يعني هذا أنّ أميركا أمام مأزق لا يمكن الخروج منه إلا بخفض النفقات، ولخفض النفقات ينبغي على أميركا مراجعة سياساتها الخارجية مع دول العالم.