الدور السيادي للمنطقة والضغوط الاميركية
بعد استدارة السعودية لظروفها القاهرة نحو الشرق اي روسيا والصين كان لزاما على الرياض ان تفتح حسابا جديدا في علاقاتها مع دول العالم وهكذا تعيد النظر في سياساتها تجاه اميركا التي تعاملت معها بشكل فوقي وسلطوي وكان الابتزاز على الدوام سيد الموقف وهذا ما كان يلوح به ترامب باستمرار بانها البقرة الحلوب فيما كانت الرياض تلتزم الصمت ازاء ذلك. وما صرح به خالد الفالح وزير الاستثمار السعودي يدلل بوضوح ان السعودية قد غيّرت من نهجها حيث قال بالحرف الواحد بان "العلاقة مع اميركا لن تكون على حساب علاقات السعودية مع الدول الاخرى وان المواقف التي تتخذها هي مبنية على اساس مصالحها."
وما زاد من حساسية الموقف بين السعودية واميركا هو عودة العلاقات الايرانية السعودية وهكذا السورية السعودية وهذا ما اغاض واشنطن بشكل فقدت توازنها واعلنت غضبها بشكل علني لهذه الخطوات مطالبة الدول العربية بمعارضتها وعدم التقرب من دمشق.
اميركا التي خسرت نفوذها في المنطقة بسبب سياساتها الهمجية والطائشة ودعمها الاعمى واللامحدود للكيان الصهيوني باتت منبوذة ومعزولة وهذا ما تشعر به وتتضايق منه بشدة وتحاول معالجة الموقف لكن ليس بتعديل سياساتها الطائشة بل الاستمرار والاصرار على ذلك. فزيارة جاك سوليفان مستشار الامن القومي الاميركي مؤخرا الى الرياض ياتي في هذا السياق حيث طلب من السعودية مرة اخرى تشكيل جبهة ضد ايران واتخاذ موقف سلبي من دمشق وترميم سياستها تجاه واشنطن لكن الرياض لم تستجب لاي من طلباته فتركها غاضبا باتجاه "تل ابيب" وقد هدد السعودية بفرض عقوبات على شركاتها ومؤسساتها التي تنفتح على سوريا.
جاك لو ليفان هو الاخر من ساسة البيت الابيض الذين تعودوا على استخدام لغة التهديد والوعيد لم يكن يحمل في جعبته اي اقتراح يسيل له اللعاب في السعودية حتى تتجاوب معه.
ويعتقد الكثير من المحللين والخبراء ان زيارة سوليفان مستشار الامن القومي الاميركي للرياض تاتي في اطار مساعي اميركا المحمومة لاستعادة نفوذها المفقود في المنطقة والسعودية بالذات.
اميركا المعجونة على الهيمنة والسطو والنهب لا يمكن ان تتخلى يوما عن لغتها الاستكبارية والفوقية الا اذا ما اصطدمت بحائط مسدود لترتد الى نحرها. فبعد زيارة جاك سوليفان الفاشلة للرياض تخطط واشنطن ثانية لايفاد انتوني بلينكن وزير الخارجية الاميركية عسى ان ينجح في مسعاه للضغط على الرياض لترميم العلاقة الاميركية السعودية واعادتها الى مربعها الاول، لكن كل المؤشرات تؤكد ان الرئيس بايدن الذي زار السعودية العام الماضي والتقى بقياداتها لم يستطع ترميم هذه العلاقة واقناع الرياض باعادة النظر حتى في سياستها النفطية! فهل من المعقول ان يستطيع جاك سوليفان او انتوني بلينكن ان يرمم هذه العلاقة التي اصابها الكثير من التعثر.