سوريا ترتدي "تاج النصر" بهدوء
خليل نصر الله
كما كان متوقعًا، العرب أعادوا إلى سوريا مقعدها في الجامعة العربية، كما هجروها عادوا. وبعيدًا عن المجاملات الدبلوماسية، لم تطلب سوريا عودة، وليست بوارد تقديم أي تنازل بعدما تعرضت لأكبر هجمة إرهابية في القرن الحالي، وعليه هي ارتدت "تاج النصر" بهدوء دون ضجيج.
لا جدال في أن دمشق حققت نصرًا واضحًا لا جدل فيه، هي لم تتراجع عن أي من ثوابتها الوطنية وقراراتها السيادية. كل ما وضع أمامها من شروط غربية وإقليمية وعربية لم تتحقق، والثمن كان كبيرًا.
إذا ما عدنا الى الوراء 12 عامًا، يكفي مشهد اصطفاف العرب ضمن مشروع قادته واشنطن وهلل له الكيان الإسرائيلي، وشاركت فيه أوروبا، ضمن ما عرف بمؤتمر "أصدقاء سوريا"، الذي شكل قوة ضاربة من خارج مجلس الأمن بهدف تحقيق الشروط التي وضعها. كانوا يريدون ضرب المقاومة، والتحكم بعلاقات سوريا الخارجية. جندوا للأمر قوى إرهاب من داخل سوريا وخارجها، مع دعم مفتوح عدة وعديدًا ومالًا وسلاحًا.
شكل "الأخوة العرب" رأس حربة، لا يمكن نسيان الموقف السعودي الذي كان يعبّر عنه الراحل تركي الفيصل، حين وقف في أكثر من مناسبة ليدعو إلى تسليح "المعارضة"، علمًا أن التسليح كان أمرًا واقعًا. ولا يمكن نسيان الموقف القطري الذي أخذ موقع العداء من دمشق بعد سنوات من "العسل"، وتشكيل اصطفاف مع دمشق كان له وقعه في مرحلة ما قبل اندلاع الأزمة.
اجتمعت عام ٢٠١٢، الأضداد العربية كافة وتوحدت في مواجهة دمشق، البلد الذي كان يواجه بكل ما أوتي من قوة، وعلى الصعد كافة.
مع مرور الوقت، تهاوت مشاريع الإرهاب. تمكنت دمشق بدعم ومشاركة من حلفائها، المقاومة في لبنان، إيران، روسيا، وقوى مقاومة عراقية، من قلب موازين القوى، لتبدأ سنوات تشديد الحصار، خصوصًا بعد عام ٢٠١٨، وهي المرحلة الأكثر صعوبة، وكان الرهان عليها كبيرًا.
مرّة أخرى، سوريا تصمد، والأخوة العرب في تراجع، انغمس بعضهم في التطبيع مع العدو الإسرائيلي، فيما وقع آخرون في فخ حروبهم العبثية، وانكفئؤوا شيئا فشيئا، وتيقنوا أنهم سيدفعون الثمن إن واصل سياسة التخريب في المنطقة.
وعليه، وفي ظل متغيرات دولية، بدأ العرب شيئا فشيئا العودة إلى دمشق، السبحة كرت منذ عام ٢٠٢٠، ورغم الضغوط الأمريكية، المستمرة بالمناسبة، وصل العرب إلى ضرورة العودة إلى دمشق، فهم تيقنوا أنهم يغلقون الأبواب على أنفسهم لا العكس، رغم ظروف سوريا الصعبة.
سوريا، كانت تراهن على نفسها في تخطي الصعوبات، والتعاون مع حلفائها. لا يذكر أنها أرسلت وسطاء إلى أي دولة. كل المعطيات تؤكد أن الآخرين أرسلوا وسطاء لها. يسجل لسوريا أنها حفظت المخارج للدول التي خاصمتها، وعليه كانت تصرف صمودها وترتدي تاج النصر بهدوء. يكفي أن نقارن بين ما أرادوه من سوريا، وما هي عليه سوريا اليوم؛ علاقات ممتازة بإيران، بل وأكثر تطورًا، ويكفي النظر إلى زيارة السيد رئيسي إلى دمشق، وعلاقات متطورة مع المقاومة في لبنان، وكذلك مع فصائل المقاومة الفلسطينية كافة، بما فيها "حماس"، وموقف ثابت من القضية الفلسطينية والحقوق العربية.
عاد العرب عبر جامعتهم إلى دمشق، وعادوا بالزمن إلى ما قبل عام ٢٠١١، فلا يمكن أن تستقيم أي علاقات عربية عربية أو استقرار في المنطقة من دون سوريا.
وبعد ١٢ عشر عامًا، وسنوات الحرب الطويلة، سوريا ترتدي تاج النصر، وتثبت نفسها لاعبًا إقليميًا لا يمكن تخطيه، وهي كما صمدت وانتصرت، تعلم كيف ستخرج أكثر قوة الآن.
يمكن الحسم بأن مرحلة جديدة قد بدأت عربيًا، وفي سوريا. لا يمكن نفي وجود بعض المصاعب، لكن من تمكن من الصمود في وجه الأعاصير، يمكنه تخطي المصاعب بصبر وحكمة وثبات، وسوريا لها.