حول السياسة الخارجية للمعارضة التركية
هدى رزق
يدعم الغرب تغييراً ديمقراطياً في تركيا ويعتبر المستشارون الغربيون في الشؤون الانتخابية أن التغيير سيكون في الداخل والخارج إذا التزمت الأحزاب السياسية بالتفاهم من دون الاختلاف فيما بينها حول السياسات المتّبعة.
ينتظر الغرب الانتخابات التركية بفارغ الصبر لما لها من أهمية في تغيير وجه تركيا، إنها انتخابات ديمقراطية حقيقية، هكذا يروّج له في إعلامه ويضع الاحتمالات جميعها، ويقدّم النصح للمعارضة حول كيفية مواجهة القمع الإعلامي إذا ما حصل والانتباه إلى المندوبين في التدقيق حول صناديق الاقتراع، ويتهم موسكو بدعم الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.
فالعالم الغربي ليس متفرّجاً محايداً في الانتخابات التركية بل هو مشارك فعّال وبعض دوائره اعتبرت أن "الزلزال جسّد إرادة الله لاقتلاع الرئيس التركي عن الحكم"، فيما ذهب المحلل السياسي ديفيد هيرست في وصفه لرهانات الغرب بالقول "لا شك في أن عزل إردوغان سيُستقبل بأصوات فلين الشمبانيا التي ستظهر على طول الطريق من برلين إلى واشنطن".
كان السماح لفنلندا بالدخول إلى الاتحاد الأوروبي وإيقاف عضوية السويد، والحفاظ على علاقات مع كل من أوكرانيا وروسيا، والتدخّل في أفريقيا وليبيا وسوريا والعراق، إلى العلاقة مع قطر كابوساً بالنسبة للغرب. وشكّلت ضربة السليمانية في العراق خطأ لا يغتفر، حيث وجّهت أصابع الاتهام إلى تركيا بسبب شنّها غارة بطائرة مسيّرة استهدفت مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية ومعه 3 حرّاس شخصيين أميركيين.
يدعم الغرب تغييراً ديمقراطياً في تركيا ويعتبر المستشارون الغربيون في الشؤون الانتخابية أن التغيير سيكون في الداخل والخارج إذا التزمت الأحزاب السياسية بالتفاهم من دون الاختلاف فيما بينها حول السياسات المتّبعة في حال الفوز.
ليست للمعارضة تجربة في السياسة الخارجية، وحده أحمد داوود أوغلو وزير الخارجية السابق في حكومات العدالة والتنمية وعلي باباجان وزير الاقتصاد في حكومات الرئيس رجب طيب إردوغان الأكثر خبرة في شؤون الحكم إلى جانب مارال أكشنار التي تولّت حقيبة الداخلية قبل تولّي حزب العدالة والتنمية الحكم.
ربما يحلم داوود أوغلو بتولّي حقيبة الخارجية أو قد يكون باباجان يمنّي النفس بوزارة الخزانة أو عودة أكشنار إلى الداخلية، إلا أنّ الأمر في تأليف الحكومة سيكون رهناً بالقوة الأساسية والحزب الأكبر حزب الشعب الجمهوري أوّلاً، يليه حزب الجيد ويتمّ الأخذ برأي الأحزاب الصغرى إضافة إلى التعاون مع الاستشارات الغربية.
وكان المرشح كليجدار أوغلو قد أدلى بتصريحات عديدة للصحف الغربية والتركية حول السياسة الخارجية، إلا أنّ بعض هذه التصريحات جرى نقضها من قبل بعض معاونيه، وتولّى السفير المتقاعد وكبير مستشاري الشؤون الخارجية لكليجدار أوغلو، أونال سيفيكوز، التدقيق في نقل الخطوط العريضة للسياسة الخارجية.
من الثابت أنّ السياسة الوحيدة التي توحّد المعارضة هي انسحاب تركيا عسكرياً من منطقة الشرق الأوسط والتواصل مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والناتو. حيث سيسعى أوغلو لإعادة دخول برنامج الجيل الخامس من الطائرات المقاتلة F-35، بعد أن طردت الولايات المتحدة أنقرة من البرنامج في عام 2019، في إثر شرائها أنظمة دفاع صاروخي روسية الصنع من طراز 400S.
وكان أحد الدبلوماسيين الغربيين قد اقترح إعطاء S-400 التي في حوزة تركيا لأوكرانيا، في حال فوز المعارضة، إلا أن الأعضاء على طاولة الستة رأوا أنه سيتم إغضاب روسيا التي يمكن أن تعتبره تحدياً.
الحفاظ على العلاقة مع الولايات المتحدة على أساس شراكة متساوية سيشكّل أولوية، كما أنّ الرغبة في إرضاء الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والناتو ستكون واضحة، فهل هي ممكنة من دون التضحية بمصالح تركيا الحيوية؟ تمّ تأكيد تأييد أحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وإطلاق سراح السياسي الكردي البارز صلاح الدين دميرتاش والناشط في المجتمع المدني التركي عثمان كافالا من السجن.
السياسة الخارجية تجاه كل من روسيا وسوريا
صرّح المرشح الرئاسي كليجدار أوغلو في بداية الحرب الروسية الأوكرانية أنّ على تركيا الوقوف إلى جانب أوكرانيا، عارضه أعضاء في حزب الشعب الجمهوري وأكدوا أنّ سياسة تركيا الحالية صحيحة سيّما وأنّ سياسة إردوغان مع روسيا تكاد تكون مدروسة ولمصلحة تركيا، التي لا تستطيع التضحية بأوكرانيا أو روسيا، وعليها أن تواصل نهجها الحالي والمتوازن من خلال اتخاذ موقف كوسيط وألّا تنضم إلى عقوبات الاتحاد الأوروبي.
إلا أنه يجب إضفاء الطابع المؤسسي وليس الشخصي على علاقة تركيا بروسيا، وستواصل أنقرة تعزيز الحوار والمشاركة بين موسكو وكييف من خلال الدبلوماسية والتمسّك باتفاقية مونترو التي تنظّم مرور السفن إلى البحر الأسود، وتمنع عبور جميع السفن الحربية إلى هناك، وتعزيز المواقف الحالية بشكل أكبر بدلاً من مواجهة تحديات جديدة.
أما إعطاء روسيا فرصاً جديدة للتعاون وبناء مفاعل نووي آخر أو إقامة اتفاقات عسكرية فهو أمر لن يتكرّر، وربما ستتأثّر العلاقات الروسية التركية سلباً في الدول الناطقة بالتركية في القوقاز وآسيا الوسطى في حال اعتماد سياسة مناوئة لروسيا أو الالتصاق بالسياسة الأميركية في تلك المنطقة.
أما استئناف العلاقات مع الرئيس السوري بشار الأسد فهي تهدف إلى عودة اللاجئين السوريين، وهي سياسة اكتسبت شعبية متزايدة في تركيا لمصلحة المعارضة. إعادة 3.7 ملايين لاجئ سوري من تركيا مشروع يتطلّب قدراً هائلاً من الجهد وربما إطاراً زمنياً أطول من عامين. ذلك سيكون على أساس طوعي وسيتطلّب تحفيزاً وفرص عمل وإعادة تأهيل وتأكيد تقاسم العبء مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والأمم المتحدة بحسب السفير سيفيكوز مستشار أوغلو.
لن يتم الانسحاب على الفور من سوريا، ولا يمكن إعطاء جدول زمني، سيتم نقاش الظروف وسيستغرق الأمر وقتاً طويلاً لكسب ثقة دمشق وتفكيك الوضع في الشمال، ولا سيما في محافظة إدلب، حيث توجد مجموعات مسلحة مثل هيئة تحرير الشام، الفرع السوري لـ "القاعدة" سابقاً.
أما العمل الإداري والمساعدات التركية الحالية في شمال سوريا فستستمر، والوجود العسكري سيعتمد على اتفاق نهائي يضمن أمن الحدود ضد التهديدات الإرهابية. وستكون قضايا الأمن القومي جوهرية، مثل التهديد الإرهابي في سوريا والعراق.
ستستند المعارضة إلى اتفاق أضنة لعام 1998 حيث وعدت سوريا تركيا بأنها لن تؤوي جماعات إرهابية، وستسمح لأنقرة بالتدخّل العسكري على بعد 5 كيلومترات من الحدود لحماية نفسها، وربما سيتم الذهاب إلى اتفاق أوسع. لكن لا موقف من كيفية حلّ التوترات بشأن دعم الولايات المتحدة للجماعات المسلحة الكردية في سوريا، وهي مسألة في غاية الأهمية بالنسبة لإيران وروسيا.
فهل سيتمّ التسليم بالحجة التي تتخذها الولايات المتحدة من أجل الوجود في سوريا أي محاربة "داعش" وحمايتها لقسد على أساس التعاون ضد الإرهاب؟
وهل سيتمّ التخلّي للولايات المتحدة عن سياسة تركيا في سوريا وليس للدولة السورية؟ سيما وأنها أعلنت أنّ سياستها ستعتمد على القرارات الدولية وعلى مساعدة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
تؤكد المعارضة أنّ أنقرة لن تدير سياسة خارجية متشددة في الشرق الأوسط، ولن تتدخّل في شؤون جيرانها الداخلية، وستنسحب عسكرياً من الصومال وتسترد 3 آلاف جندي تركي يشكّلون قاعدة حماية لدولة قطر بموجب اتفاقية معها، وستنسحب من ليبيا وتؤدي دور الوسيط بين الأفرقاء المتحاربين.
لكن، سيكون الشعور بتغيير النظام في أنقرة ثقيلاً على بعض الدول الإقليمية، حيث تعامل تركيا الآن كلاعب في المنطقة لديه القوة للانتشار لحماية حلفائه. قد تكون تركيا بالنسبة لدول المنطقة على وشك التنازل عن ركائز استقلال قرارها لمصلحة الأطلسي الذي يستعد لدخول الصراع مع الصين، فكيف يمكن أن تكون محايدة؟ أليس من الضروري أن تكون للشرق الأوسط دول قوية مستعدة لممارسة استقلالية قرارها. فهل ستعتكف تركيا إقليمياً؟