إردوغان وكليجدار أوغلو.. أيّهما ضد الأسد أو معه؟
حسني محلي
يرى كثيرون في أزمة إدلب الموضوع الأكثر تعقيداً بالنسبة إلى إردوغان، الذي لا يريد الآن، قبل الانتخابات، أن يورّط نفسه في هذه القضية، بانعكاساتها الأمنية الصعبة والخطيرة على الداخل التركي.
بعد مصالحته مع حكام الإمارات والسعودية ومصر والكيان الصهيوني، استنفر الرئيس إردوغان كل إمكاناته وما يملكه من أوراق مساومة لإقناع الرئيس بوتين كي يجمعه بالرئيس بشار الأسد، وهو ما لم يتحقق له، على الأقل حتى الآن. فبعد اللقاء الأول لوزراء الدفاع (تركيا وسوريا وروسيا) في 28 كانون الأول/ديسمبر، والثاني في الـ25 من الشهر الماضي، وهذه المرة بانضمام الوزير الإيراني إلى الاجتماع الثلاثي، فشل مساعدو وزراء الخارجية في التوصل إلى صيغة ما تجمع وزراء الخارجية الأربعة خلال الأيام القليلة المقبلة، بحسب أقوال الوزير جاويش أوغلو. ويعقد الرئيس إردوغان آمالاً كبيرة على مثل هذا اللقاء، الذي يريد له أن يساعده على لقاء الرئيس الأسد قبل انتخابات 14 أيار/مايو، وهذه المرة بمساعدة الرئيسين الروسي والإيراني معاً. وتتمنى أوساط مقربة إلى إردوغان أن يقنع الرئيسُ رئيسي الرئيسَ الأسد، بعد أن فشل الرئيس بوتين في ذلك بسبب الرفض السوري لـ"الغرام" التركي المفاجئ، إذ سبق للمعلومات أن تحدثت عن رفض تركيا شروط الرئيس الأسد، وهو ما كرره الوزير جاويش أوغلو أول أمس، بحيث "استبعد انسحاب القوات التركية من سوريا قبل تحقيق الأمن والاستقرار من خلال المصالحة بين المعارضة والنظام، وفق القرارات الدولية".
يعكس تصريح الوزير جاويش أوغلو هذا موقف الرئيس إردوغان الذي يستبعد الجميع انسحابه من سوريا ووقف الدعم للمعارضة السورية، المسلّحة منها والسياسية، وحل مشكلة إدلب إلّا بعد تحقيق أهدافه التكتيكية والاستراتيجية، والتي كانت السبب في تدخله هناك منذ الأيام الأولى من الأحداث. وكان هذا التدخل، عسكرياً وأمنياً، وما زال كافيا لجعل إردوغان الطرف الأكثر تأثيراً في مجمل تطورات سوريا على الصعيدين الإقليمي والدولي، وبرضا روسي مباشر وتجاهل إيراني غير مباشر، على الرَّغم من مجمل مواقف إردوغان السلبية ضد طهران، ليس فقط في سوريا، بل المنطقة العربية عموماً، والقوقاز أيضاً، حيث الفتور والتوتر بين إيران واذربيجان المدعومة من "تل أبيب".
وشجع الحوار بين أنقرة وكل من موسكو وطهران الرئيس إردوغان على الاعتماد على هذين الطرفين في حساباته المستقبلية في سوريا، لكن من دون إهمال الاعتراض الأميركي على أي مصالحة مع دمشق بوساطة روسية – إيرانية، والآن صينية أيضاً. ويبدو واضحاً أن إردوغان هو المستفيد الأكبر من تناقض هذه المعادلات الإقليمية والدولية بغياب الإرادة العربية الحقيقية لحل الأزمة السورية، التي استفاد منها في الدرجة الأولى الكيان الصهيونى بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وهو ما زال كذلك.
في الوقت نفسه، يرى كثيرون في أزمة إدلب الموضوع الأكثر تعقيداً بالنسبة إلى إردوغان، الذي لا يريد الآن، قبل الانتخابات، أن يورّط نفسه في هذه القضية، بانعكاساتها الأمنية الصعبة والخطيرة على الداخل التركي، وسط المعلومات التي تتحدث عن سيناريوهات خطيرة تتهم عبرها المعارضة الرئيس إردوغان بالعمل على توتير الشارعين السياسي والشعبي، عشية الانتخابات، لمنع الناخبين من التوجه إلى صناديق الاقتراع، والتصويت لمنافسه كمال كليجدار أوغلو. ويفسر ذلك تركيز إردوغان ووزرائه وإعلامه الموالي على نقطة أساسية في مجمل أحاديث الحملة الانتخابية، وهي الإرهاب وتحالف كليجدار أوغلو وتحالف الأمة معه، والمقصود به حزب الشعوب الديمقراطي، الذي أعلن تأييده كليجدار أوغلو. ويرى إردوغان في هذا الحزب امتداداً لحزب العمال الكردستاني.
وقال إردوغان "إن الشعب التركي لن يسلم البلد (يقصد السلطة) لأولئك الذين تحالفوا مع الإرهاب حتى إذا فازوا في الانتخابات". وترد المعارضة على تهديدات إردوغان هذه، وتقول "هو الذي تحالف مع هذا الحزب أكثر من مرة، وهو الذي أرسل ممثلين عنه للقاء زعيم الحزب عبد الله أوجلان، وطلب إليه أن يدعمه في الانتخابات في مقابل وعود بحل المشكلة الكردية، سياسياً وديمقراطياً. وهو ما وافق عليه أوجلان في مقابل أن يعلن إردوغان رسمياً، وبصورة مكتوبة، موافقته على شروطه، التي لم يقبلها إردوغان، وفق المعلومات الصحافية. وتبين هذه المعطيات أن القضية الكردية كانت وستبقى الحديث الأهم في مجمل حسابات الرئيس إردوغان ووزرائه، ليس فقط في تركيا، بل سورياً أيضاً، إذ قال الوزير جاويش أوغلو إنه "إذا انسحب الجيش التركي من شمالي سوريا، فسوف يعود الإرهاب إلى المنطقة، وهو ما ستستغله وحدات حماية الشعب الكردية، التي تسيطر على المنطقة".
في جميع الحالات، وأياً تكن حسابات الرئيس إردوغان الخاصة باحتمالات المصالحة مع الرئيس الأسد، فالمعارضة لا تريد لمثل هذه المصالحة أن تتحقق قبل الانتخابات حتى لا يستغلّ إردوغان ذلك في حملاته الانتخابية، وخصوصاً في موضوع اللاجئين السوريين. وتقول المعارضة "إن إردوغان هو السبب فيها، وهو الذي قال أكثر من مرة إنه لن يُعيدهم إلى بلادهم ما دام نظام الأسد يحكم هناك". كما أن الرئيس إردوغان شنّ هجوماً عنيفاً، أكثر من مرة، على منافسه كليجدار أوغلو، والسبب فقط أنه قال إنه "وضع خطة شاملة لإعادة اللاجئين إلى بلادهم خلال فترة أقصاها عامان، عبر التنسيق والتعاون مع الرئيس الأسد مباشرة وفتح السفارة التركية في دمشق". وتعرّض كليجدار أوغلو، منذ بداية الأزمة، لأكثر من هجوم عنيف وشرس من الرئيس إردوغان، لأنه "رفض منذ البداية، في جميع خطاباته، التدخل التركي في الأزمة السورية، بصورة مباشرة وبصورة غير مباشر، وعبر دعم كل المجموعات الإرهابية، وخدمة للأجندة الإمبريالية". وأرسل كليجدار أوغلو نائبه فاروق لوغ أوغلو إلى دمشق مرتين (عامَي 2011 و2012)، والتقى الرئيس الأسد وعقد مؤتمراً خاصاً بسوريا في إسطنبول.
والأهم من ذلك كله اقترح كليجدار أوغلو، عام 2018، تشكيل منظمة السلم والتعاون الشرق أوسطي، ليساهم في حل الأزمة السورية أولاً، وتالياً في حل مجمل المشاكل التي تعانيها تركيا وسوريا وإيران والعراق، انطلاقاً من أنها الدول المؤسِّسة للمنظمة التي سيعوّل كليجدار أوغلو على تشكيلها وتفعيلها كثيراً فور استلامه السلطة بعد انتخابات 14 أيار/مايو. وهو ما تتوقعه أغلبية استطلاعات الرأي، التي تقول إن كليجدار أوغلو سيفوز في الجولة الأولى من الانتخابات بفارق لا يقلّ عن خمس نقاط. ويُزعج مثل هذا الاحتمال الرئيس إردوغان، الذي سخّر كل إمكانات الدولة لمنع منافسه كليجدار أوغلو من تحقيق هذا الانتصار الذي سيغيّر تاريخ تركيا ومعها المنطقة برمتها. وبات مثل هذا الانتصار مؤكَّداً عبر التجمعات الانتخابية، التي يشارك فيها مئات الآلاف من المواطنين في مقابل تجمعات صغيرة وغير حماسية للرئيس إردوغان، الذي استنفر كل إمكانات الدولة خدمة لحملته الانتخابية، وهو ما يمنعه الدستور والقوانين، التي لم يَعُدْ يبالي بها إردوغان. ويعرف الجميع أنه سيفعل كل شيئ لمنع كليجدار أوغلو من استلام السلطة، وخصوصاً بعد أن هدّد الأخير بفتح كل الملفات السابقة لإردوغان، إن كان في السياسة الداخلية، أو الخارجية، بما في ذلك سوريا، إذ سبق لكليجدار أوغلو أن اتهم، أكثر من مرة، إردوغان بنقل الأسلحة والمعدات العسكرية إلى المجموعات الإرهابية بواسطة شاحنات الاستخبارات التركية، التي تمنعها القوانين من القيام بعمل تخريبي في الدول الأخرى.
في جميع الحالات، وأيّاً يكن الرد المحتمل للرئيس الأسد على الوساطة الإيرانية ـ الروسية، وليس هناك أي تفسير منطقي لإصرارها، فلقد بات واضحاً أن حسابات إردوغان ليست إلّا في إطار استراتيجيته الخاصة بالانتخابات. فهو يريد للمصالحة أن تساعده على الحصول على تأييد بعض فئات الشعب المتأثرة بأزمة اللاجئين السوريين، من دون أي تنازلات فعلية لدمشق في مقابل كل ذلك. وهو التكتيك الذي تراقبه المعارضة، من كثب، وهي تستبعد أن يساعد الرئيس الأسد "عدوّه اللدود" إردوغان في محنته الصعبة، وخصوصاً أن احتمالات بقائه في السلطة شبه مستحيلة. كما لا تريد المعارضة، في كل أطيافها، أن يتجاهلها الأسد، وهو بالنسبة إليها سند ضد الإمبريالية والصهيونية والرجعية، وهي التي وقفت إلى جانب سوريا منذ بداية الأزمة، على الرغم من تخوين إردوغان لها، وهو ما فعله حتى مع كليجدار أوغلو، الذي اتهمه إردوغان بـ"دعم الأسد ضد مصالح الأمة والدولة التركيتين، فقط لأنه علوي مثله".
ويبقى الرهان، بالنسبة إلى إردوغان، على عامل الزمن، الذي يريد له أن يكون لمصلحته خلال الأسبوعين المقبلين، بدعم من موسكو وطهران، حتى يظهر كأنه رجل سلام بعد أن فشل في تحقيق أي تفوّق بعد مصالحته مع السعودية ومصر والإمارات والكيان الصهيوني، إذ تعرّض إردوغان لهجوم عنيف من المعارضة، التي اتهمته بـ"إهانة شرف الأمة والدولة التركيتين وكرامتهما"، بعد أن قال ما قاله عن حكام هذه الدول، لكنه عاد وتوسل إليها كي تصالحه بعد أن قدّم إليها ما قدمه من التنازلات المعلنة وغير المعلنة، فهو الذي أغلق ملف جمال خاشقجي بناءً على تعليمات محمد بن سلمان، وجمّد علاقاته بحركة حماس بناءً على طلب "تل أبيب"، وأوقف كل أنواع الدعم إلى "إخوان" مصر، ووعد أبو ظبي ببيعها مؤسسات القطاع العام. إلّا أنه أراد أن يتعامل مع الرئيس الأسد بأسلوب مغاير، كأنه هو المنتصر والأسد في حاجة إليه، وليس العكس، وحتى لا يقال عنه في الداخل والخارج إنه "كزعيم المسلمين والإسلاميين" هُزم في سوريا. وتُثبت تناقضات إردوغان وكل المسؤولين الأتراك تكتيكه هذا، فهم يقولون: "نعم، نريد المصالحة مع دمشق (فهي تارة الأسد، وتارة أخرى نظام الأسد)، لكن ليس وفق شروطه المسبّقة، بل وفق شروطنا نحن، لأنه في حاجة إلينا، ولسنا نحن الذين نحتاج إليه".