اللقاء الاخير مع المنظر الماركسي احسان طبري كما يرويه حسين شريعتمداري
بمناسبة الذكرى السنوية لوفاة اشهر منظر ماركسي، والعضو البارز في اكاديمية العلوم في الاتحاد السوفياتي السابق، وعضو الشورى المركزية لحزب "تودة"، والذي تتلمذ عليه بعد زعماء الحزب الشيوعي منهم "روجيه غارودي" زعيم الحزب الشيوعي الفرنسي ـ الذي اشهر اسلامه بعد ذلك ـ. ومع اعتقاله اصر سماحة الامام الخميني (ره) على مناظرته، واثر اقتراح الامام الراحل انتخب اشخاص لهذه المناظرة، منهم الاستاذ حسيبن شريعتمداري. وسرعان ما احتضن "احسان طبيري" العقيدة الاسلامية، وتوفي احسان طبري عام 1989. وقد نشرت الصحيفة اللقاء الاخير مع الاستاذ حسين شريعتمداري، وتشمل مسائل ضرورية في تكرارها، لاسيما لجيلنا المعاصر، لنقرأ؛
بعد ان طرق أسماعي نقله (احسان طبري) للمشفى بادرت لعيادته، وكان يجلس على كرسيه الدوار فيما سعى مساعد الطبيب بمساعدة احد الاخوة لحمله على سريره، فانتظرت حتى يستقر به الحال على فراشه، فسلمت عليه واذا به يدير لحظة نحوي بعد ان كان مسمراً نحو النافذة، فرحاً مستبشرا لرؤيتي، وجلست عنده لاقبل وجنته المبتلة بقطرات دمع كأشواق الاطفال، اذ سبق وشهدت نحيبه ولكن هذه المرة تختلف عن المرات السابقة، وكان في قلبه اضطراب. فكفكفت دموعه العالقة اطراف وجهه ومسحت على راسه الاشيب بخجل، فتعالى صوت بكائه هذه المرة، قائلا: انه كان على احر من الجمر للقائي، فاعتذرت لعدم اطلاعي على مرضه، فضغط على يدي علامة على قبوله اعتذاري...
وقال؛ لقد زارني وفد من جانب السيد مير حسين موسوي، ونقلوا عنه انه بامكاني ان اعالج في اي دولة... فقلت: وما هو رأيك بذلك؟ فقال: "ارغب ان اكون معكم"... فوجهت ناظري نحو اخ حاضر في الغرفة كي لا يرى دعموعي، كما ودار ذلك الاخ وجهه صوب النافذة ليكفكف دموعه التي انسالت على خديه.
وقال: "أنا نبتة ترعرعت في الظلمات فترسخت جذوري في تجاويف مدلهمة، بينما صعد للتو فرع نحو النور، الا انه... الحمد لله". فانثار من اعماقه سؤال، قائلا: "حقاً، اتظن ان الله سيقبل توبتي؟".
فقلت: "أليس الله هو القائل اني قابل التواب"، فتلعثمت كلمات تتطاير بين شفتيه، واظنها الآية: "قل يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله".
وبكى باطمئنان... فمسحت دموعه، وقبلت ناصيته.
فقال: "احياناً اطلب من الله شيئا ولكن حين اذكر الماضي وايام حياتي السوداء يعتريني الحياء"...
ولم يفصح عن ما الذي كان يطلبه من الله...
وقال: "ان ماضي حر لم يكن ظلمانيا". فقلت: "على اي حال كان قد حضر لقتال الحسين بن علي عليه السلام وجعجع الطريق عليه". فنظر لسقف الغرفة واغمض عينيه، فلربما لم يشأ ان التفت، من تلك الكوة التي تنفذ للقلب، اضطراب داخله، متمتماً بهدوء "قياسي مع الفارق"....
فقلت "او سمعت قصة المرحوم "الطبرسي" صاحب تفسير مجمع البيان؟". فقال: "وهذا ايضا قياس مع الفارق"، فادركت انه قد مر على هذه القصة كذلك، ولكني استرسلت: "ولا اعني مقارنة الند بالند، وانما اردت استذكار الطاف الله تبارك وتعالى علينا"...
فقال: "حقا، إن مدونتي حول اربعة منظرين انانيين باعوا انفسهم، لم تكتمل بعدُ". ولم احر جوابا، فاسترسل هو: "كسروي مبدع الدين، وهدايت الميال للعدمية، وآدميت الذرائعي، وتقي زاده الغاطي في الغرب، فاكملت الكتابة عن ثلاثة لكن المرض تداركني ولم اكمل كتابتي عن الرابع تقي زاده".
فقلت: "ستشفى ان شاء الله وستكمل ما لم تستطع اكماله" فقال "ان شاء الله"|... وتساءل مستبشرا عن طباعة آثاره التي كتبها السنوات الاخيرة وهي حسب قوله "بعد الخروج من الظلمات الى النور"، وانها ستنشر لاحقا.
ولكي اُفضي اجواءاً جديدة على الكلام بالتذكير بالتجربة المعاصرة التي تخفف من ايلامه، قلت: حقا يا سيد طبري اتذكر حين تناولت الفكر الماركسي، وكتبت؛ لم يتوقع الروس ولا الغربيون، معلنين بتردد: "ان هذه التصريحات هي جراء الحقن التي حقنوا بها طبري"... فتبسم قائلا "ان هؤلاء المساكين مجموعة من الحمقى". فذكرته انه في تلك الايام وبعد سماع ذلك الخبر اكثرت وإياه (طبري) الضحك، حيث قال (طبري): "اولاً اين كانت هذه الحقن المتطورة في تقنيتها، حيث تمتلكها ايران لوحدها، ولا يعرف عنها اصحاب العلوم والتكنولوجيا في الشرق والغرب؟ وثانيا اذاكانوا يمتلكون مثل هكذا حقن فلماذا لا يستعملونها رغم حاجتهم المساة لها؟ وثالثا ولماذا يصفون الجمهورية الاسلامية الايرانية بانها متخلفة؟ وبالتالي فان افترضنا ان تصريحاتي منشأوها حقن هذه المواد، فما في جعبتهم بخصوص طرح الادلة؟ اليس من الافضل ان يجيبوا على هذه الادلة بدل هذه التفاهات المضحكة؟".
وذكرته بما طرحت عليه من تساؤل بان على الغربيين الترحيب بتصريحاتك وكتاباتك ضد الماركسية، فلماذا يُرجفون ساخطين؟ فقال: "وكما قال الاستاذ الشهيد مرتضى المطهري ـ والذي يصفه طبري بالنابغة ـ فان الغرب والشرق فكتي كماشة تسعى لاجتثاث الاسلام". وكان يصر على "ان الثورة الاسلامية رفعت ستار التزوير والخديعة عن الوجه القبيح للشرق والغرب بشكل متزامن، ولذا انبرى القطبان لمواجهة الثورة الاسلامية متفقين قولا وفعلا".
وهكذا شدد طبري بان "في خط مواجهة ومعاداة الاسلام لاسيما الاسلام الاصيل الذي نادى به الامام الخميني، لم تختلف المارسكية الشرقية عن الليبرالية الغربية، وقد تخلوا عن نزاعهما".
واذكر اني سألت طبري بانه "لماذا كان حزب توده وقبل اعتقال اعضائه وينشطون بحرية كان يشاع ان عناصر من منظمة "حجتيه" كان لهم الدور الفاعل في نظام الجمهورية الاسلامية؟"
وهو يقول: "ولنفس الدليل ان الغربيين يشيعون ان عناصر حزب توده هم من يوجهون نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية".
وحين طلبت توضيحا اوفى، كان يقول: "لسنوات مديدة كان الغربيون يذيعون ان الاسلام لا يتقاطع مع الامبريالية وليس هناك حرب وتناقض بينهما، كي يبعدوا بهذا الشكل عداء الاسلام للغرب من ثقافة الشعوب المسلمة، ومن جانب آخر لطالما اشاع الماركسيون لسنوات بان محاربة الامبريالية يكون عن طريق الماركسية حصراً وهذا بشكل عام والاسلام بشكل خاص ليس لا يقدر على الصمود امام الامبريالية وحسب بل هو افيون ومخدر للشعوب، الا ان الثورة الاسلامية التي اعتمدت الاسلام فقط وقفت بصمود منقطع النظير بوجه اميركا مما اثار اعجاب الاخرين، وفي نفس الوقت كشف عن عجز الماركسية سواء في العمل ام في التنظير. زمن هنا على الغربيين ولاجل الحؤول دون امتداد هذه المدرسة الى سائر المناطق الاسلامية ان يعكسوا ان عداء الجمهورية الاسلامية الايرانية للغرب ليس بسبب الاسلام ونما هو من املاءات الماركسيين الذين تغلغلوا في نظام الجمهورية الاسلامية.
ولذا لاجل تفعيل هذه الفكرة الماكرة كانوا يشيعون بان عناصر حزب "توده" هم من يرسمون خارطة الطريق للنظام في ايران، كي يستغلوا كراهية المسلمين للماركسية اخفاء عداء الاسلام للغرب عن انظار ورؤى سائر الشعوب الاسلامية، ومن جانب آخر لهدر وجهة عداء الثورة الاسلامية للشرق وما تبقى من ذرة ماء وجه للمارسكيين، من هنا كان مفروضا خدش هذا الجانب من الاسلام من قبل ادعياء الايديولوجية الماركسية.
ولاجل ذلك كان حزب تودة يشيع بان معاداة الجمهورية الاسلامية الايرانية للماكرسية هو بسبب تغلغل عناصر من منظمة الحجتية.
ولذا لم يكن مخفيا على احد العقائد المنحرفة والمناهضة للثورة لمنظمة الحجتية وتماهيها مع القوى الاستعمارية الغربية، فيما كان حزب توده يأمل بالقاء هذه الروية الواهمة بان عداء الشرق للثورة الاسلامية هو من قبل عناصر مغلغلة من منظمة الحجتية، وليس من الاسلام، وذلك لاحتواء التاثير المدمر للثورة الاسلامية على الماركسية، موضحين ان "منظمة الحجتية وحزب تودة فكا كماشة ولا يحول الفارق الظاهري دون تواصلهما"...
وكم كانت عباراته حقيقية حين يقول؛ "ان عناصر من حزب توده التابعين للشرق كانوا مطايا بيد الغرب، فيما كانت منظمة الحجتية التي هي آلة الغرب عمليا وبالرغم مما كانت تعكسه في الظاهر هي تصب في خدمة الماركسية".
هذا ولم يحصل قط اللقاء الاخر مع احسان طبري. فرغم ميلي الباطني لم أشأ ان اودعه، وما كان ينبغي المكوث اكثر عند المريض لحالته الصحية الحرجة، فيما كان يسمح لي بالانصراف بامل ان اجدد زيارتي له.
تغمده الله بواسع رحمته