السعودية والمستقبل والماضي الأميركي
د. حسن مرهج
في توصيف النظام الإقليمي الجديد، علينا التعمّق جيداً في ماهية هذا النظام، لفهم طبيعة المتغيّرات التي باتت ضرورية لغالبية القوى الإقليمية في المنطقة، وعلى رأس تلك القوى، المملكة العربية السعودية، فاليوم وبصرف النظر عن المخزون النفطي الهائل الذي تمتلكه السعودية، إلا أنّ هذا سلاح النفط وعلى أهميته، لكنه بات في العرف السياسي غير ذي جدوى، مع وجود بدائل أُخرى يمكن أن تستحوذ على أهميته الاستراتيجية، وحين الحديث عن النفط يتبادر إلى ذهن القارئ وبشكل مباشر، ما يمكن أن يُشكله النفط كسلاح جيو استراتيجي يُحقق منافع وامتيازات كثيرة، وتحديداً للولايات المتحدة الأميركية، وكذا السعودية، لكن المشهد قد تغيّر بالكليّة، وبات هذا السلاح من الماضي الذي تمثله الولايات المتحدة، وبات الحاضر الذي تمثله الصين والسعودية وإيران وضمناً سورية.
ما سبق يؤكد بأنّ المعادلة تغيّرت، وأصبح المستقبل السعودي نحو الصين، وهذا أمر كلنا كنا نتوقعه منذ سنوات، مع تزايد نمو الاقتصاد الصيني، وتوقعات تربعه على عرش أكبر اقتصاد في العالم خلال عقد من الزمان أو حول هذه المدة، ومن البديهي أن ترى السعودية في الصين مستقبلاً لنفطها، لأنّ الاقتصاد الصيني لن ينمو دون طاقة، وبالتالي دون نفط سعودي.
التباعد بين السعودية والولايات المتحدة كان واضحاً، منذ أن بدأت ثورة النفط الصخري التي جعلت الولايات المتحدة تبتعد أكثر وأكثر عن النفط السعودي، وبالتالي تراجعت الأهمية السياسية والاقتصادية للسعودية لدى الإدارة الأميركية، وضعف ذلك التوافق التاريخي بين البلدين، الذي كان النفط محوره.
ثمة ثلاثة معطيات يمكن توقعها حيال المستقبل السعودي الصيني، والماضي الأميركي، أوّلها تحوّل السعودية إلى نظام خارجي قائم على تعدّد الأقطاب، وهذا ما نراه من خلال الاتجاه سياسياً نحو الشرق، سواء من التقارب مع الصين ورعايتها الأخيرة لاتفاق تاريخي مع إيران، أو من خلال التنسيق العالي المستوى مع روسيا حول أسواق الطاقة والتوسع في الاستثمار المباشر بين البلدين. كما أنّ السعودية تريد أن تكون جزءاً من تحالف «بريكس» العالمي لتزيد من تنوّعها السياسي خارجياً.
المُعطى الثاني هو توجه السعودية لبناء منظومة طاقة أعمق مع الصين قائمة ليس فقط على مبيعات النفط الخام إلى الصين، ولكن على تعميق التبادل النفطي والمشاريع المشتركة؛ سواء في مجال التكرير أو حتى الدخول في تقنيات جديدة، مثل تحويل النفط الخام إلى كيماويات بصورة مباشرة، أو البحث عن حلول في مجالات مرتبطة بالنفط، مثل صناعة محركات السيارات. ولو شاهدنا خطوات «أرامكو السعودية» الأخيرة فسوف نرى هذا الاتجاه واضحاً، حيث دخلت في شراكة مع «رينو» و«جيلي» الصينية في مجال المحركات الهجين (محرك كهربائي ويعمل على الوقود في الوقت نفسه).
المُعطى الثالث هو البحث عن طرق أُخرى لبناء مستقبل مع الولايات المتحدة لا يعتمد على النفط وحسب، بل على الطاقة بشكل أكبر، لأنّ الولايات المتحدة مهما اعتمدت على نفطها الصخري اليوم، فمستقبلها النفطي ليس مضموناً. ولهذا فإنّ سباقها للتحوّل إلى مصادر أخرى للطاقة سيكون للسعودية دور فيه من خلال تصدير الهيدروجين الأخضر إليها، أو حتى العمل معها عليه، وهناك مجالات الطاقة النووية وحبس الكربون.
ختاماً وبعجالة، المعطيات السابقة ستكون واضحة، وسيكون لها انعكاسات جيوسياسية طويلة الأمد، وبموجب ذلك، ستتكوّن معادلة جديدة سعودية صينية روسية وإيرانية، ما يعني في العمق، بأنّ الولايات المتحدة باتت خارج أيّ تأثير…