الديمقراطية الاميركية تقترب من نهايتها
ما كان لافتا وساخرا في نفس الوقت هو ترشح الرئيس بايدن لدورة ثانية للانتخابات الرئاسية للعام 2024 وقد بلغ من العمر عتيا وهو يتجاوز اليوم الثمانين من عمره في وقت يشكك الكثيرون ان يستطيع الرجل ان يكمل دورته الاولى بسبب قدراته ووضعه الصحي والعقلي وهكذا هفواته الكثيرة والمتكررة وهو اول رئيس يترشح في تاريخ اميركا بهذا العمر. وبمجرد ان اعلن عن ترشيح نفسه سارع ترامب والحزب الجمهوري للتعليق على هذا الترشيح حيث قال ترامب اذا جدد بايدن دورته الثانية سنشهد حرب عالمية ثالثة فيما ذهب الحزب الجمهوري لاتهام بايدن بانه منفصل عن الواقع ولا يعلم ما يدور حوله واذا ما فاز في الانتخابات القادمة سيزداد التضخم وسترتفع معدلات الجريمة وستعبر المزيد من المخدرات على الحدود وهكذا ستكون العائلات الاميركية اسوء حالا.
استطلاعات الرأي التي جرت مؤخرا في اميركا تؤكد ان الاغلبية الاميركية وحتى من داخل الحزبيين ترفضان ترشيح بايدن و ترامب في آن واحد.
وقد ظهرت نتائج آخر استطلاع للرأي بان 70% من الاميركيين لا يرغبون ترشيح بايدن لدورة ثانية وهكذا ان 60% من الاميركيين لا يريدون ترامب مرشحا للرئاسة. ورغم تبادل الاتهامات بين الطرفين وما قيل هنا وهناك فان الرأي العام الاميركي قد سئم من المرشحين ومن الحزبين اللذين يهيمنان على القرار الاميركي وهما يتجاوز الديمقراطية وفق رؤية هذين الحزبين ولا يسمحان لاي مرشح اميركي مستقل ان يصل الى سدة الرئاسة مهما امتلك من مواهب وامكانات. ومنذ نهايات القرن الثامن عشر اي منذ انتخاب جورج واشنطن كاول رئيس اميركي وحتى يومنا الحاضر الذي يتجاوز القرنين ونيف لم يسمح الحزبان بوصول اي مرح مستقل لرئاسة الولايات المتحدة الاميركية.
غريب جدا ومعيب في نفس الوقت على بلد مثل اميركا التي تدعى انها الافضل في مجال الحريات والديمقراطية في العالم ان تحد من خيارات الشعب الاميركي ولا تسمح له ان ينتخب شخصا مستقلا لرئاسة الجمهورية بل عليه ان يخضع لخيار وارادة الحزبين فقط.
واليوم تواجة اميركا التي تمر بمرحلة الشيوخة ورؤسائها كذلك تحديات كبيرة وجمة ليس على صعيد الداخل فقط بل على صعيد الخارج ايضا وهذا ما يثقل كاهلها وقد لا تستطيع ان تنجو بنفسها لشدة ما تواجهه من ازمات في التضخم والبطالة والاكثر خطورة هو الانقسام العمودي والحاد الذي يشهده المجتمع الاميركي ويقال انه غير مسبوق منذ الحرب الاهلية الاميركية وهذا ما يفكك اللحمة الاميركية ويعرضها الى مخاطر جسيمة.
وما يزيد من خطورة الاوضاع في اميركا وتمزقها ونهاية العملية الديمقراطية فيها ان الحزبين المهيمنين على مقاليد السلطة في هذا البلد يواجهان ايضا تحديات كبيرة ومستتعصية لتجديد افكارها ووضع رؤى جديدة كمتطلبات للمرحلة الراهنة فانهما لازالا متمسكان بدستور بالي مضى عليه اكثر من قرنين وقد كتبه الاقطاع السياسي ورجال الاعمال والنخبة آنذاك دون العودة الى الشعب الاميركي او الاستفتاء عليه.
وما يقدمه الحزبان الجمهوري والديمقراطي من مرشحين بمواصفاتهما السلبية قد فات عليهم الزمن وهذا دليل على ان الحزبين عقيمان ويواجهان صعوبات جمة في انتاج رجال اكفاء قادرين على ادارة البلد. فالشيوخة على مستوى القرار ايضا اصبحت ظاهرة عامة وعارمة ويبدو ان هذا قد انسحب على الحزبين ووضعه في مازق كبير وغير قادر على انجاب مواهب واشخاص كفوئين لقيادة البلد وبالتالي تسمية ساسة من الطراز الاول الى المجتمع الاميركي لايصاله الى شاطئ الامان.