الصين والمملكة وإيران: توافقٌ على النفوذ وتوزيع في الأدوار
الدكتور جواد الهنداوي
ما سنكتبه ليس معلومات او تسريبات، وانّما تحليل وتوقعّات، تكتسبُ مقبوليتها مِنْ ما يعّجُ به المشهد السياسي الاقليمي والدولي مِنْ حقائق ووقائع.
مُجرّد للتذّكير بأنَّ ولادة الاتفاق السعودي الايراني تمّتْ بعناية وبرعاية الصين، بل واكثر من العناية والرعاية، هي ضمانة الصين. ولذلك أُوكّدُ ما كتبته، عن الموضوع، في مقالات سابقة، بأنَّ للاتفاق بُعدْ استراتيجي، في ديمومتهِ وفي إمتداداته الجغرافية، وفي ارادات جّادة للأطراف (الصين، المملكة وايران).
لم اكتبْ عن الدخول الاقتصادي للصين في منطقتنا، فأمرهُ ليس جديد، و بُعدهُ واضح للعيان، وأهّم منه هو الدخول السياسي للصين في منطقتنا، والذي يتناول الملّفات الساخنة للمنطقة، واحدَ تلو الآخر، حيث تهاتفَ، في الامس، وزير خارجية الصين، مع كلٍ من وزير خارجية الكيان المحتل ووزير خارجية فلسطين، وكلٌ على انفراد، في مسعى عنوانه احياء التواصل بينهما، لعلهُ (واقصد التواصل) يأتي بنتائج، وَلِمَ لا، واسرائيل هي في أسوء حال، وبحاجة الى مبادرة انقاذ، كما أنّ الفلسطينيين، وغيرهم يعرفون بأنَّ ما يهّمْ الصين هو حّلْ الصراع، وليس كأمريكا، والتي دأبت في مسعاها على ادارة الصراع وليس حلّه، وعلى الانحياز المطلق لاسرائيل .
الاتفاق الصيني الايراني السعودي هو اتفاق رابح -رابح -رابح.
ماذا ربحت الصين؟
الصين تتنافس مع الكبار (امريكا وروسيا)، تنافس سلبي مع امريكا وتنافس ايجابي مع روسيا . أداء ونشاط الصين السياسيّين برزا، وبقوة، في وقت الاقتتال بين الغريميّن الكبار، وفي أوكرانيا. هّمْ الصين هو استكمال السيطرة على آسيا (جنوب شرق آسيا، دول آسيان، وغرب آسيا)، واستخدمت الصين، وقبل عقديّن من الزمن، قواها الناعمة في ذلك (انشاء منظمة شنغهاي، والتي تأسست عام 2021، وبمبادرة صينية ‘ كذلك منظمة بريكس والتي تأسست عام 2009، كذلك طريق الحرير)، القوة الناعمة للصين هي ليست بذات طبيعة القوة الناعمة لامريكا، والتي شاهدنا نتائجها و تداعيتها في العراق، وفي لبنان.
ربحت الصين تعاون وتحالف استراتيجي مع قوتيّن اقليميتيّن في غرب آسيا، في مشرقه العربي (المملكة العربية السعودية، وفي شرقه الاوسط، ايران) قوتيّن عملاقتيّن في الطاقة وفي الاستهلاك.
ربحت الصين تحالف استراتيجي مع ايران، تحالف مُحكم بعقيدة محاربة الامبريالية الاميركية، سياسياً و اقتصادياً، وحتى عسكرياً.
الصين وايران سيشتركان في السعي لتقليص النفوذ الامريكي في آسيا، ايران، ومنذ مدة، لم تتوقف عن التصريح بطرد الامريكيين من غرب آسيا، وهذا ما تريده ايضاً الصين، هي لا تصرّح علناً ولكن تعمل من اجله.
إيران ستركّز جهدها على محاربة اسرائيل والصهيونية، اي ستركّز على ديدنها، وستركّز جهدها على ما يدور على حدودها مع اذربيجان، وكذلك حديثاً مع تركمانستان، والتي يزورها الآن وزير خارجية اسرائيل لافتتاح سفارة الكيان في العاصمة عشق آباد، وهي تبعد عن حدود ايران ليس اكثر من 20 كيلومتر. وبين ايران وتركمانستان حدود بطول 1000 كيلو متر.
الاتفاق السعودي الايراني طمأنَ الطرفيّن، وحرّرَ ايران من جهود و وقت التركيز على مداراة نفوذها في المنطقة، اصبح بين المملكة و ايران “توافق” وليس “صراع ” على النفوذ .
ايران الآن امام معادلة جديدة تُلخّصها العبارة التالية “لا خوف على نفوذنا في المنطقة ولا خوف من النفوذ السعودي في المنطقة “، طالما هذا النفوذ لن يكْن عدائياً لكلا الطرفيّن .
ما نكتبّه هو، في الحقيقة، استنتاج لمواقف المملكة وايران، بشأن مثلاً (ما يجري في اليمن، وما يجري في ملف الرئاسة في لبنان، والذي يتجهّ للحسم لصالح السيد فرنجيّة، و مرونة المملكة في ذلك).
تدركُ، كما اعتقدُ، المملكة ذلك، وهذا ما يفسّرُ انطلاق ولي العهد، محمد بن سلمان، وبقوة في تناول ملفات المنطقة (لبنان، فلسطين، اليمن، سوريا)، وعدم تهاونه مع ما يسئ او يهدّد امن و استقرار العراق سياسيا و اقتصادياً . كما نأمل و نتوقّع أن لا يُترك الاردن في حالة استفهامات مُحيّرة في علاقاته الاستراتيجية مع امريكا، والتي اصبحت عبئاً عليه، وتقيدّه في انجاز استدارة حقيقية تجاه محطّات عربية واقليمية اساسية، تعود عليه بالنفع الاقتصادي المباشر، وتعينه على الصمود امام استفزازات الحكومة المتطرفة في اسرائيل.
اذاً، الاتفاق هو ثلاثي وليس ثنائي الاطراف، وهو في بنوده سعودياً ايرانيا، لكن في جوهره وابعاده هو صينياً ايرانياً سعودياً لتوزيع الادوار وتقاسم النفوذ او التوافق على النفوذ. سيكون الشرق الاوسط مِنْ حصّة المملكة وبالتعاون مع ايران والصين وستتفرغ ايران لحدودها الآسيوية و المضي مع الصين و روسيا في تقليص النفوذ الامريكي في آسيا و في العالم.