kayhan.ir

رمز الخبر: 168240
تأريخ النشر : 2023April26 - 21:16

هل يعرف دعاة الفدرالية ما يعرفه البطريرك الراعي؟

 

ناصر قنديل

– في لقاء مع منتدى التفكير الوطني في ذكرى الحرب الأهلية في 13 نيسان قال البطريرك الماروني بشارة الراعي، «إننا مع تطبيق اتفاق الطائف نصًا وروحًا، وهذا لا ذكر فيه للفدرالية، بل للامركزية الإدارية، فلنطبق هذه اللامركزية، ولنعتبر الفدرالية طرحًا أو مقولة ساقطة، وتمّ التداول بها من قبل البعض خلال الحرب اللبنانية، وانتهى الموضوع». وربما تكون كلمة البطريرك بشارة الراعي الداعية الى نسيان طروحات الفدرالية ووضعها جانباً باعتبارها مقولة ساقطة، تعبيراً عن إدراك خطورة هذا الطرح على الدور المسيحيّ في لبنان، وجهل دعاة الفدرالية بالحقائق والوقائع التي تُحيط بأي بحث جدّي بالفدرالية، بعيداً عن جاذبية الهاشتاغ والترند والصخب الذي ينتج عن اللايكات بالحكّ على الجرح الطائفي أو على الجرب الطائفي، فالذي يعرفه ويسلّم به كل باحث في الأنظمة الدستورية أن في لبنان أعلى نسبة من الفيدرالية الطائفية الممكنة واقعياً، باعتبار أن التداخل السكانيّ يمنع التوصل إلى مناطق ذات ألوان طائفية نقية مفروزة الحدود الجغرافية يمكن اعتمادها في فدرالية مناطقية، والفدرالية العابرة للمناطق هي أنواع من الخصوصيّات التي تنالها الجماعات العرقية أو القومية أو الطائفية المكوّنة للكيان السياسي، وفي لبنان إشباع منها، يتمثل بربط المناصب الرئيسية الدستورية والسياسية والمالية والعسكرية والأمنية في الدولة بالهويات الطائفية، من رئاسة الجمهورية الى كل وظائف الفئة الأولى بما في ذلك النيابة والوزارة، وفقاً لنص دستور ما بعد اتفاق الطائف، وصولاً الى حراس الأحراج إذا أخذنا الأمر الواقع المخالف للطائف الذي تمّ العمل به فعلياً، هذا إضافة الى خصوصيات تطال مرجعية الأحوال الشخصية ومحاكم النظر في نزاعاتها، وخصوصيات في امتلاك مؤسسات تهتمّ بالتعليم والاستشفاء، وصولاً إلى الإعلام والأندية الرياضية والجمعيات الكشفية.

– الطرح الجديد يحاول القول إن تجاوز التداخل السكاني الجغرافي لا يحول دون تقسيم لبنان إلى ولايات افتراضية، كما يروج معهد واشنطن لشؤون الشرق الأوسط المعروف الهوية والمرجعية، لكنه يقوم بخدعة تقوم على تزوير منهجيّ يعرف أصحابه أنه محض كذب، والطرح يقوم على فرضية يجري تسويقها منذ مدة غير قصيرة عنوانها، أن إيرادات الخزينة اللبنانية تعتمد على المسيحيين، بينما يستهلك المسلمون بحكم كونهم الغالبية العددية دون أن يشاركوا في تأمين الإيرادات، ولدى التدقيق في أساس هذه النظرية، سوف نكتشف ببساطة أن وفق موازنة عام 2015 كمثال، أن الضرائب غير المباشرة وخاصة الضرائب المفروضة على الاستهلاك وهي الضريبة على القيمة المضافة والرسوم الجمركية، مرتبة الصدارة من الإيرادات الضريبية، حيث بلغت في تقديرات موازنة 2015 بحوالي 7151.9 مليار ليرة أي 59% من قيمة الإيرادات الضريبية، وهذه الضرائب تستوفى على كل عملية شراء استهلاكي، أي على «الرأس»، ووفق المنطق الطائفي توزع طائفياً، حسب نسب الطوائف من عدد السكان، فيكون المسلمون يؤمنون ثلثي موارد الدولة ويؤمن المسيحيون الثلث الباقي، ومع الضريبة على القيمة المضافة لا مجال لطرف يسدّد وطرف لا يسدّد، ولا لمن يموّل ومن يستهلك، أما الـ 41% التي تعود لموارد أخرى يتقدمها الهاتف الذي يمثل وحده نصف هذه الواردات، والباقي من ضريبة الدخل وضريبة الأملاك المبنية، بحيث يبدو أن نظرية طوائف تدفع وطوئف تستهلك تبدو إسقاطاً من سردية مزورة لجباية الكهرباء، تريد ان تقول إن المناطق المسيحية تسدد بينما مناطق المسلمين تستهلك، ووفقاً لإحصاءات مؤسسة كهرباء تتقارب نسب الجباية بين المناطق اللبنانية اذا تمت نسبتها للطوائف. وان أزمة الكهرباء في لبنان ليست هنا، بل في عجز الشبكة والبنية التحتية للنقل الكهربائي من جهة، والتعرفة من جهة موازية، واذا كانت المشكلة في الكهرباء فلماذا لا يطرح دعاة الفدرالية لا مركزية الكهرباء، فهل نخطط الكهرباء على قياس الوطن أم نخطط للوطن على قياس الكهرباء، ثم السؤال، هل تمّ حل مشكلة لبنان مع الدولة الرديفة لأصحاب المولدات التي يدفع الجميع فيها مثل الشاطرين، على اختلاف طوائفهم ومناطقهم، مع اعتماد الفدرالية الكهربائية، وصرنا في جنة عدن؟

– الكذبة الثانية هي في تزوير النظام الفدرالي، بالترويج لمقولة هجينة تتحدّث عن اعتماد نظام ولايات فدرالية تتمثل بمجلس مركزي يدير الدولة المركزية بمندوب لكل ولاية، وهم يعلمون أنهم يكذبون، فليس صحيحاً أن اعتماد الفدرالية ينتهي بدولة مركزية موحّدة تتشكل بمندوبين للولايات الفدرالية، وهذه هي أميركا نظام فدرالي نموذجي، لكن الدولة الاتحادية مركزية ونظام رئاسي وبرلمان وحكومة ومالية وصك عملة وسياسة خارجية وسياسة دفاعية تضعها الدولة المركزية، ولذلك ما يحتاج الى إيضاحه وفق المبادئ القانونية الدستورية التي تقوم عليها الدول الخصوصيات ذاتها المشابهة بمكوناتها، هو ان الصيغة الدستورية تتحرك بين حدين، الأول هو دولة مركزية تعبر عن مصادر تكوين الخصوصيات في تشكيلها، وتعتمد نظاماً برلمانياً تحكمه الفيتوات التي تضمنها للمكونات معادلات النصاب والتصويت على القرارات الحساسة وامتيازات ثقافية ومعنوية غير سياسية للمكونات من خارج الدولة، من جهة، ومن جهة ثانية، الحد الثاني وهو ولايات تعبر عن المكونات ضمن صيغة فدرالية، ودولة مركزية لا تعبر من بين ثقوب الخصوصيات التي تمثلها المكونات، ولا تراعيها، وتعتمد عموماً نظاماً رئاسياً منتخباً من الشعب مباشرة خارج التوزيعات والتقسيمات التي تفرضها المكونات، وكلما زادت الخصوصيّات في المناطق تراجعت الخصوصيات في الدولة المركزية، وهذا يعني أن في لبنان ثلاث فرضيات، فرضية الواقع الراهن، دولة موحّدة تراعي خصوصيات الطوائف، أو دولة مركزية تخفّ فيها الخصوصيات الطائفية ترافقها لامركزية إدارية موسّعة، وفقاً لإصلاحات اتفاق الطائف التي جمعت المجلس النيابي اللاطائفي ومجلس الشيوخ الطائفي مع اللامركزية، أو فدرالية تنظم الشؤون المحلية بما فيها المالية والإدارية، ومقابلها دولة مركزية لا مكان للتوزيع الطائفي في مناصبها الرئاسية والعسكرية والمالية والأمنية والإدارية، فهل فكر دعاة الفدرالية بما فكر فيه البطريرك الراعي؟

– هل فكر دعاة الفدرالية بمعنى ومنطق طروحاتهم، ما دامت السياسة الدفاعية والخارجية والسياسة المالية وسك العملة تبقى من ضمن صلاحيات الدولة المركزية؟

– هل فكر دعاة الفدرالية باحتساب سكان المناطق على أساس الإقامة أم لوائح الشطب أم الملكية العقارية، وماذا عن بيروت الكبرى؟

– هل من حل فدراليّ للمودعين؟