فشـل الإرهــاب.. فهـل تنجـح الفتنـة؟
أحمد الشرقاوي
مصــالح أمريكــا وأمــن العــرب
آخر هم الولايات المتحدة الأمريكية هو مصالح العرب وأمنهم القومي، لسبب بسيط وهو أن مفهوم مصالح أمريكا وأمنها القومي، يعني حصريا مصالح وأمن الشعب الأمريكي الذي تستمد منه الأحزاب الحاكمة شرعيتها الديمقراطية، في حين أن الأمن القومي العربي لا يعني الشعوب بقدر ما يعني الأنظمة العميلة المستبدة بالسلطة والثروة، والمتصارعة في ما بينها على النفوذ، وبالتالي، حتى مصالح الحكام العرب وفق هذا الواقع المختل لا تعكس مصالح الشعوب والأوطان بالضرورة..
وتأسيسا على هذا الفهم الواقعي للجغرافية السياسية العربية، وتركيبتها القبلية الرجعية، والطبيعة السوسيوثقافية المتخلفة لشعوب المنطقة، تعتبر الحروب الدائرة في العراق وسورية ولبنان واليمن اليوم، حروبا بين إيران وحلفائها من جهة وأمريكا وجيشوها السرية "داعش” و "النصرة” و”القاعدة” وغيرها، المدعومين من أدواتها بأوامر تنفيذية، والمدربين على التوحش من قبل المخابرات الأمريكية والأطلسية على شاكلة شركات المناولة الأمنية "بلاك ووتر”، لكن من دون قواعد أخلاقية.
وإذا كانت حروب القرن الماضي تصنف في خانة حروب "القيــم” ضد الفاشية والنازية والحركات العنصرية دفاعا عن حق الشعوب في الديموقراطية وحقوق إنسان، وإلزام الدول باحترام القانون الدولي وشرعة الأمم المتحدة.. فإن حروب القرن الحالي التي انطلقت بعد تفجيرات الحادي عشر من شتنبر/أيلول 2001 ويرجح أن تحدد خرائط المصالح وقواعد الاشتباك للقرن الحالي، هي حروب من أجل "المصالح” بامتياز، ولا مكان فيها للقيــم والأخــلاق..
ولعل هذا المعطى الفارق، هو الذي أبرزه الإمام الخامنئي مؤخرا عندما رد على رسالة الجمهوريين إلى إيران بشأن الاتفاق النووي بالقول: إن "السياسة الأمريكية منحطة أخلاقيــا”، واتهم الإدارة الأمريكية بالتعامل مع إيران بالغدر والخديعة والضربات من تحت الحزام، في إشارة منه لحرب الأسعار لتركيع إيران وإخضاعها للشروط الأمريكية، ومحاولة استدعاء الفتنة الطائفية والمذهبية عبر أدواتها لاحتواء إيران بعد أن فشل رهانها على الإرهاب في كل من سورية والعراق.
وتجدر الإشارة في هذا السياق، أن من يعرف حقيقة اللعبة السياسة في أمريكا، يدرك أن لا خلاف بين الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي حول طبيعة المصالح والأمن القومي الأمريكي التي تعتبر من الثوابت، والتميز بين الحزبين الرئيسين في المشهد السياسي الأمريكي هو في "الأسلــوب” المعتمد لتحقيق الأهداف الإستراتيجية الكبرى فقط لا غير، بحيث يعتمد الجمهوريون أسلوبا أكثر وضوحا يميل نحو الصدام والتدخلات العسكرية المباشرة للحسم السريع كما لاحظنا زمن ‘بوش الصغير’، في حين أن الديمقراطيين زمن أوباما، ينتهجون أسلوبا مغايرا يعتمد ما أصبح يعرف بالتدخل الناعم أو الحروب بالوكالة لخلق حالة من الفوضى العارمة يتم على إثرها فرض الحلول التي تخدم مصالح أمريكا وأمنها القومي من دون مغامرات عسكرية مكلفــة، بواسطة النفس الطويل، أو ما سماه الرئيس أوباما بـ "الصبر الإستراتيجي”.
ما سـر نجـاح أمريكـا في تفجيـر المنطقـة؟
إن طبيعة حروب الجيل الجديد كما نلحظ تجلياتها اليوم في منطقتنا العربية، توشي بمجموعة حقائق أسست عليها الإدارة الأمريكية الحالية إستراتيجيتها الجديدة، وأهمها:
– معرفتها، أن عديد الأنظمة العربية من المحيط إلى الخليج الفارسي أنظمة فاسدة، مستبدة، متصارعة، وفاشلة، تفتقر إلى الشرعية الشعبية.
– إدراكها، أن عامل الإديولوجيا الدينية، يعتبر من العوامل المحركة لانتفاضات الشعوب وثوراتها..
وعلى هذا الأساس تقوم جوهر السياسة الأمريكية على تغذية الصراعات في المنطقة من خلال العزف على أوثار التناقضات الطائفية والمذهبية، وهي تعلم علم اليقين أن شرائح واسعة من الشعوب العربية، بسبب الجهل، ستنساق كقطعان الماشية وراء هذا التجييش الخبيث، غير مدركة لأبعاد اللعبة ومصالح أوطانها الحقيقية، الأمر الذي يزيد من تعميق الشرخ الذي يبعدها عن أي تفكير منطقي يساعدها على معالجة أزماتها البنيوية المركبة بتبصر وعقلانية، لأن العرب بالمحصلة مجرد ظاهرة عاطفية وصوتية ليس إلا.
وفي مجتمعات من هذا النوع التقليدي المتشبث بالماضي على حساب الحاضر والمستقبل، لا يكون المدخل للتأثير والتغيير إلا من خلال حركات الإسلام السياسي، خصوصا المتطرفة منها، باعتبارها حركات ذات طبيعة اجتماعية مرنة، لها قواعد شعبية واسعة، وتكتسي عند الضرورة خطورة استثنائية، فتقاتل من منطلق عقيدة أصولية متشددة، وتتصرف بوحشية مرعبة من خارج القواعد المتعارف عليها، كما وتتمتع بقوة دفع ذاتي، وبجاذبية لدى شرائح لا يستهان بها من الشباب العربي "السني” التواق لحلم الوحدة من مدخل وهم "الخلافة”.
لكن مشكلة التنظيمات "الجهادية” كما تصفها أمريكا وأدواتها، أنه يستحيل السيطرة عليها لوقت طويل، أو القضاء عليها بشكل حاسم حين يتم لها التمكين، ما يستوجب التركيز على احتواءها وتوجيهها في الاتجاه الذي يخدم أهداف الإستراتيجية الأمريكية لاستنزاف محور المقاومة المناهض للهيمنة الأمريكية والرافض لوجود "إسرائيل” في المنطقة، مع التركيز على عامل الوقت، لغاية نضوج الظروف السياسية لفرز المكونات الطائفية والمذهبية التي يفترض أن تتولى هي مهمة محاربة محور المقاومة، لتستحق الاعتراف بها سياسيا في إطار الكونفدراليات المجمع تأسيسها في المنطقة، بعد إسقاط نموذج الدولة المركزية القوية في العراق وسورية ابتداء من منصة تركيا والأردن و”إسرائيل”، ثم مصر والجزائر استطرادا من منصة ليبيا، قبل المرور لمرحلة تجفيف منابع تمويل الإرهاب والقضاء على الإديولوجيا الدينية التي تمتح منها هذه التنظيمات التكفيرية العنيفة، ما يعني حكما إنهاء النظام الوهابي في السعودية وتقسيم المملكة إلى مشيخات نفطية صغيرة بعد تفجيرها من الداخل.
‘أبـو بكـر البغـدادي’ بديــلا عـن ‘بـن لادن’
بخلاف نموذج بن لادن، "التقـي” ظاهريا، كما صنعته الإدارة الأمريكية في الحرب الأفغانية ضد الإحتلال السوفياتي السابق، وأصبغ عليه الإعلام هالة دعائية غير مسبوقة، فنجح في اجتذاب أعداد كبيرة من "المجاهدين” لمقاتلة جيـش الشيوعيين "الكفار”، فتحقق الانتصار في حرب لا علاقة لها بالإسلام والمسلمين إلا من حيث الاستغلال والتضليل.. ارتأت الإدارة الأمريكية في حروبها على محور المقاومة المسلم، أن تواجهه من مدخلين:
الأول، يقتضي التركيز على شيطنته باعتبار أن معظم مكوناته من المذهب الشيعي، فتم وصمه بـ”الكفر” واتهامه بالتبعية لإيران "المجوسية” وما إلى ذلك…
والمدخل الثاني، هو صناعة جيش غير نظامي بعقيدة قتالية "جهادية” لمواجهة حركات المقاومة وتحديدا حزب الله الذي لم تنفع معه العصا الإسرائيلية القوية. وكان لزاما لتكتمل الخطة ويتحقق لها النجاح، أن تعين على رأس هذا الجيش السري من "الجهاديين” الجدد، شخصية كاريزمية جذابة تختلف عن شخصية ‘بن لادن”، بمقومات دينية مصطنعة تثير إعجاب السدج من الحالمين بالجنة من مدخل "دولة الخلافة”، لإيهامهم أن نبوءة الرسول الأعظم (صلعم) حول نهاية الحكم العضوض وعودة "الخلافة” على نهج النبوة قد تجسدت واقعا على الأرض.. فاختارت لهذه المهمة الخطيرة رجلا مغمورا، حولته إلى "خليفة” وصنعت منه بالإعلام أسطورة خيالية زائفة..
والرجل الذي أصبح أشهر من نار على علم هو "أبو بكر البغدادي”، الذي تحول إلى أفظع شخصية دموية في العصر الحديث، بسبب وحشيته وتعطشه للدماء، ومعاداته لكل ما هو إنساني وحضاري.. هذا الرجل الغامض لا يعرفه الناس عن قرب، ويتجنب الظهور في الإعلام، ولم يسبق لصحفي أن قابله وأجرى معه حديثا، وكل التأثير الذي يمارسه يكون عادة من خلال "الفيسبوك” وما ينشر من فظاعات على "اليوتوب” والتي وصل صداها لكل بيت في هذا العالم الذي أصبح قرية صغيرة في عصر العولمة وثورة الاتصالات.
والحقيقة، أن كل ما نشر عن هذا الرجل كما يقول الصحفي ‘جودت هوشيار’ في مقالة له بتاريخ 06 – 03- 2015، لا يعادل مقابلة حية معه وجها لوجه أجراها خبير "الاتصالات الاستراتيجية في حالات الأزمات” (ديفيد بيلومو) نشرت في صحيفة (التيمبو) الإيطالية، حيث يقول، أنه التقى البغدادي وجهاً لوجه في عشاء عمل بسورية قبل ثمانية أشهر بناء على دعوة خاصة لتطوير وضع عمل معين يتعلق بمجال الاتصالات، ووصفه بأنه: "رجل لا يفكر إلا بمصالحه الشخصية، وهو إنسان فظيع بكل معنى الكلمة: أناني، وسكير، ومثلي الجنس”.
ويضيف الخبير الإيطالي، أن "داعش” تعمل كأي شركة تجارية من أجل: أقصى الأرباح بأقل التكاليف. ويكشف ‘بيلومو’عن سر خطير، وهو أنه قد تم إقصاء ‘البغدادي’ عن زعامة التنظيم من قبل زملائه في القيادة. ويشير إلي أن ‘البغدادي’ كان غائباً لمدة 15 يوماً، وقيل أنه مات، ولكن الحقيقة هي أنه جرى إقصائه من الزعامة. ويختم الخبير حواره بالقول: "البغدادي ليس رمزاً، وليس مثالياً، بل مجرد رجل أعمال سكير ومنحرف”.
هذا هو الرجل الذي أصبح خليفة "المسلمين” المضللين الذين بايعوه على امتداد العالم العربي وفي إفريقيا وآسيا على المنشط والمكره من دون أن يعرفوه عن قرب.. والسر يكمن في قدرة إمبراطوريات الإعلام على صناعة "العظماء” من لا شيء.
وحــدها إيــران ومحــورها يحاربــون الإرهــاب
البوم يتبين بالملموس لكل ذو عقل ودين، أن إيران وحلفائها كانوا مدركين من البداية خطورة المشروع الذي أريد له أن ينفذ ضد العالم العربي والإسلامي من مدخل الإرهاب، وقد وضع سماحة السيد الأمة في صورة المشهد الذي يرتسم لها في الأفق، لكن، لا حياة لمن تنادي، فظل محور المقاومة وحده يواجه هذا الشر المستطير دفاعا عن الإسلام وعن البشرية جمعاء، ويقدم التضحيات الجسام في سبيل سحق التكفيريين أدوات الصهيونية المعاصرة وإفشال المشروع برمته حماية للدول والشعوب العربية المغيبة عن الواقع..
و لأن نجاح هذا المشروع الخطير لا يعني نهاية الدولة العربية القومية فحسب، بل ونهاية الإسلام السمح الجميل، وسقوط حلم بناء "الأمــة” الذي هو من ثوابت العقيدة الدينية بالنسبة لكل المسلمين سنة وشيعة وغيرهم، وهو المشروع الذي تخلى عنه العرب كما سبق وأن تخلوا عن القدس وفلسطين، وتبنته كخيار الثورة الإسلامية الإيرانية..
كما وأن إيران القوية التي يخشاها الغرب، وبشهادة صناع القرار والمراقبين الإستراتيجيين في الولايات المتحدة، هي الأكثر معرفة وإدراكا بالسياسات الأمريكية الخبيثة وطريقة عمل مؤسساتها، وتتصرف بذكاء وحنكة مع الإدارات الأمريكية المتعاقبة، الأمر الذي جعل من الصعوبة بمكان هزيمتها، سواء بالاحتواء من خلال العقوبات التي عرفت كيف تتجاوزها بذكاء، أو من خلال المواجهة العسكرية بسبب ما تملكه من قوة ومن خيارات حاسمة في أكثر من ساحة، والتي أصبحت واقعا متجذرا في المنطقة بفضل ثقافة المقاومة.
وانطلاقا من هذه الرؤية، تواجه إيران وحلفائها المشروع الأمريكي باستراتيجية مقابلة، مرنة حينا وثورية أحيانا، من منطلق نظرية "القبض والبسط” القرآنية في السياسة (نظرية يطول شرحها وتتطلب مقالا مستقلا)، ومن منطلق "الواجب الجهادي المقدس” في المواجهة الميدانية المباشرة، وتركز على عامل الوحدة بين مختلف مكونات الأمة لإفشال الفتنة الطائفية والمذهبية التي تعمل على إشعالها أمريكا وأدواتها لتكون بمثابة الصاعق المدمر للذات العربية والإسلامية معا، لاعتقاد أمريكا أن هزيمة إيران لا يمكن أن تتم إلا من مدخل الفتنة المذهبية التي يتم التركيز اليوم على استدعائها من ثلاجة التاريخ، خصوصا بعد فشل الإرهاب في إحداث التغيير المطلوب وهزيمته في سورية والعراق، ولا مجال للخوض هنا في ما تنقله التقارير الإعلامية عن انتصارات محور المقاومة المشهودة التي أصابت أمريكا بالصدمة والذهول وأدواتها بالرعب والفزع.
وها نحن نلاحظ، أنه وبمجرد إدراك المسؤولين السياسيين والعسكريين الأمريكيين بحتمية قرب سقوط "داعش” والنصرة” وأخواتهما في العراق وسورية، سارعوا للتعبير عن مخاوفهم من تجاوزات طائفية قد تحدث في معارك تحرير صلاح الدين وغيرها، فانطلقت الآلة الإعلامية الخليجية الجهنمية، تتهم إيران باحتلال العراق وسورية، وتحمل القوات العراقية مسؤولية المجازر التي تحدث للمكون السني في ‘تكريت’ وغيرها..
هذا بالرغم من أن هذه القوات، تضم بالإضافة إلى الجيش العراقي، كل مكونات الطيف المجتمعي الوطني من سنة وشيعة وغيرهم، وتبين وفق معلومات عراقية رسمية، أن مندسين من حزب البعث هم من يقومون من حين لآخر بحرق بعض بيوت المدنيين، وقطع رؤوسهم، ونشر صور مفبركة على أكبر موقع للكذب في العالم "فيسبوك”، تظهر الفاعلين وكأنهم جنود عراقيين شيعة، وفق ما أوردته صحيفة ‘التايمز’ البريطانية الجمعة تحت عنوان "عملية تكريت تفضح وحشية القوات العراقية”، مستندة في مقالها على ما نشره مجهولون على موقع "الفيسبوك”، دون عناء التحقق من الخبر من مصادر أخرى كما تقتضي الأعراف المهنية.
وانضمت إلى الجوقة الخليجية في التحريض المذهبي مؤسسة الأزهر الذي لم يعد شريفا، فأصدر بيانا سياسيا يثير التقزز ويتهم الحشد الشعب بارتكاب مجاور في حق المكون السني العراقي، من غير سند من واقع، متجاهلا أن من يحررون المناطق الشيعية من الدواعش، هم كل مكونات العراق من سنة وشيعة، وهو ما أثار جملة من الاستنكارات من قبل علماء سنة وشيعة في العراق ولبنان، مستغربين تزامن بيان الأزهر مع الحملة الأمريكية والخليجية الجديدة التي تهدف إلى إثارة فتنة طائفية مدمرة بين المسلمين، للتغطية على هزيمة الدواعش جند الشيطان، وحرمان الشرفاء في الأمة من حلاوة الانتصار المدهش الذي بدأ يلوح في الأفق، ويبشر بفرج قريب وسقوط مدوي للمشروع الأمريكي بالضربة القاضية..
وبذلك، دخلت المنطقة في خط تماس جديد، لعله الأخطر في واقعنا العربي والإسلامي المعاصر كما أكد السيد فضل الله، لأنه ينذر بمرحلة جديدة سيتم التركيز فيها على الفتن الطائفية والمذهبية والاستثمار فيها من باب التعويض على الخسارة المذلة التي مني بها مشروعهم التخريبي في العراق وسورية..
وقد يكون اليمن هو الساحة التجريبية المقبلة لهذا المشروع الفتنوي الجديد، والذي في حال نجح قد ينتشر كالنار في الهشيم على امتداد جغرافية المنطقة، ما يتطلب جهدا مضاعفا من قبل العلماء الشرفاء والإعلاميين الأحرار لمواجهته والتحذير من تداعياته الكارثية.
وكلنا أمل ورجاء في أن الله العلي القدير سيفشل مسعاهم فتنقلب الفتنة ضدهم لتضرب أوطانهم، فيذوقوا وبال ما كانوا يحضرونه للمؤمنين المجاهدين في سبيل الله، نصرة لدينه وإعلاء لكلمته، لقوله تعالى (كل ما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها) النساء: 91.
وسواء أدركت السعودية التي تقف وراء الحملة الفتونية الجديدة هذه الحقيقة القرآنية أم لم تدركها، فإن التهديد قد وصل اليوم إلى حدود أراضيها، وها هي "داعش” تعلن عن تعيين أمير لمنطقة مكة وآخر للمدينة المنورة، ونسمع عن سعوديين يبايعون ‘البغدادي’ فرادا وجماعات..
لكن الأخطر، هو تحذير المخابرات الأمريكية الجمعة للسلطات السعودية، بأن لديها معلومات مؤكدة عن قرب قيام عناصر من تنظيم إرهابي، لم تسميه، بعمليات نوعية ضد أمريكيين يعملون في منشآت نفطية بالمنطقة الشرقية التي تعتبر إحدى المناطق الرئيسية لـ”الشيعة”، ما يؤشر، ونتمنى أن نكون مخطئين، إلى أن مخططا أمريكيا سعوديا جديدا للفتنة الطائفية في السعودية قد يكون بصدد التبلور لضرب المكون الشيعي الذي يمثل 20 % من سكان السعودية في منطقة تنتج 80 % من النفط المصدر للخارج، وفي حال صح هذا التحليل، فالفتنة لا محالة ستنفجر في المنطقة لتفتح أبواب جهنم على مصراعيها، خصوصا بعد إعلان "إسرائيل” اليوم، أن مشروع إسقاط الأسد في سورية قد فشل، وأن المطلوب هو أن يستمر الصراع لأنه يصب في مصلحة الصهيونية اليهودية والمسيحية والعربية..
أما زيارة وزير خارجية الأردن لإيران، فلا علاقة لها بالتقارب الإيراني السعودي، بل بالرعب الأردني من قرار الجنرال قاسم سليماني التوجه إلى منطقة الأنبار بعد تحرير تكريت لتنظيفها من الإرهابيين قبل معركة الموصل، والتي تقول تقارير عراقية، أن تنظيم "داعش” بدأ بتفخيخ المساجد والمؤسسات الحكومية في الساحل الأيمن للموصل، خوفاً من بدء عملية تحرير المدينة، وأن المعلومات الأمنية تؤكد بدء عملية هروب واسعة لقيادات داعش من المدينة ليلا في اتجاه محافظة الأنبار.
وبالتالي، فقرار التوجه لمنطقة الأنبار معناه، سد المنافذ على "داعش” في الحدود الأردنية والسعودية والسورية، بعده يصبح دخول الموصل نزهة ليس إلا.. لأن المخطط كان يقتضي إشغال القوات العراقية في الموصل بعد تكريت، ومن ثم عودة الدواعش عبر المنافذ المفتوحة مع الحدود السورية والأردنية والسعودية لمحافظة الأنبار في لعبة القط والفأر..
وبهذا القرار، أفشل الجنرال قاسم سليماني الخطة الأمريكية قبل أن تبدأ معركة الموصل، التي أريد لها أن تكون فخا، وأحيطت بهالة دعائية كبيرة حين حولوها لعاصمة دولة الدواعش..
إنها نهاية اللعبة الأردنية في الساحة العراقية والسورية أيضا، خصوصا بعد التقدم الكبير الذي حققه الجيش العربي السوري وحلفائه في درعا ومحيطها، والانهيارات المتسارعة في صفوف جبهة النصرة وتفككها، وانتفاضة السكان ضدهم مطالبين بعودة الدولة، والتحاق عديد التنظيمات المقاتلة من الجيش الحر وغيره بالجيش العربي السوري للقتال في صفوفه.