ماكرون يصحو متاخرا
ما يؤسف له ان بعض الدول الاوروبية التي تعتبر نفسها في عداد الدول الكبرى مازالت منقادة من قبل اميركا ولا تتجرأ الخروج من عباءتها وهذا ما شاهدناه في مواقفها تجاه الاتفاق النووي مع ايران او في الحرب الاوكرانية. فطهران التي انتقدت بشدة السلوك الاوروبي المتذبذب في عدم تنفيذ بنود الاتفاق النووي والتهرب منه بذرائع واهية، عادت ثانية لتنتقد السلوك الاوروبي بسبب سياساته الخاطئة واللامسؤولة تجاه ايران وما حدث فيها من اغتشاشات خلال الاشهر الاخيرة، فبدل ان تعطي اوروبا الاولوية لتصحيح المسار وبناء علاقات ايجابية وبناءة بعيدا عن الضغوط الاميركية نراها تعطي الاولوية للتدخل في الشؤون الداخلية الايرانية والتركيز على القضايا الهامشية وهذا هو منتهى الغباء السياسي للاضرار بمصالحها خدمة لاميركا التي لا تهتم الا بمصالحها في وقت الشدة ولا تعير اية اهمية لمصالح الاخرين وحتى الحلفاء.
فالسياسة اللامسؤولة واللامدروسة لاوروبا تجاه ايران ضيعت الكثير من الفرص والوقت لتنظيم وتعزيز العلاقات الثنائية خدمة الطرفين، الا اننا نقول ان الوقت لازال مفتوحا امامها لتعويض ما فاتها لتصحيح مسار العلاقات الثنائية والمضي بها قدما لترتيب علاقات متكافئة ومتوازنة مبنية على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لكل منهما، غير ان طهران لا تنظر الى الدول الاوروبية بعين واحدة فهناك دولا بادرت واجرت مباحثات ايجابية مع ايران وهذه خطوة سليمة تؤكد ان هناك صحوة اوروبية وان اتت متاخرة لكنها تحد من الاضرار وبالتالي تتخلص من الضغوط الاميركية وتبعيتها العمياء التي تضررت منها كثيرا خاصة في الحرب الاوكرانية على حساب مصالحها.
ومن علائم هذه الصحوة هو ما صرح به الرئيس ماكرون على الطائرة اثناء عودته من زيارة الصين حيث طالب الاوروبيين الا يكونوا اتباعا لاميركا وهو تحذير مبطن وذو معاني متعددة خاصة انها تأتي عقب مباحثاته مع المسؤولين الصينيين حول الحرب الاوكرانية والازمة في تايوان. يبدو انه اقتنع بمواقف الصين تجاه الحرب الاوكرانية وقضية تايوان للتخلص من هيمنة اميركا والابتعاد عن سياساتها الخاطئة واتخاذ سياسية متوازنة ومستقلة تخدم المصالح الاوروبية، وان تتجنب الانجرار الى المواجهة بين بكين ووانشطن بشان تايوان.
تحذير ماكرون للاوروبيين الذين انجروا خلف التبعية العمياء لاميركا وتضرروا كثيرا منها هو الاول من نوعه حيث يصارحهم بالقول ان يقللوا من اعتمادهم على اميركا وان لا يكرروا مواقفهم الخاطئة في تايوان مثلما فعلوا في الحرب الاوكرانية؟!
صحوة الرئيس ماكرون وان جاءت متأخرة الا انها مفيدة للحد من المزيد من الخسائر والاضرار التي هي في غنى عنها. واذا بقي الرئيس ماكرون متمسكا بموقفه هذا تجاه اميركا ولم يرضخ تحت ضغوطها فيمكنها ان تكون الخطوة الاولى للانعتاق من التعبية لاميركا ومعه الموقف الاوروبي للتحرر من الهيمنة الاميركية التي تضررت كثيرا منها وتستعيد استقلال قرارها الوطني والسيادي وفقا لما تقتضيه مصالحها الوطنية وليس مصالح الاخرين كقوة يعتد بها على الصعيد العالمي.