أخطاء شائعة حول مفهوم اللامركزية في لبنان
د. زكريا حمودان
تتناحر بعض القوى السياسية حول طروحات فيها ما فيها من الخطأ والصواب. على سبيل المثال لا الحصر، ينطلق الحزب الفلاني من حديثه عن اللامركزية وهو في أعماقه يبحث عن مشروع تقوقعي، وينطلق البعض الآخر ويدمج بين اللامركزية والبعد التقسيمي لتتناسب مع قياساته السياسية، أما البعض من القوى فيعتبرها شعارًا رنانًا فيرددها على أنها يجب أن تكون ادارية وموسعة بحسب اتفاق الطائف.
حقيقة الأمر أنَّ اللامركزية هي "لامركزية" فقط ومنها تتفرع طروحات علمية دقيقة جدًا وغير قابلة للتحريف، وكل ما يتم الحديث عنه لدى القوى السياسية هو عبارة عن لامركزيات تتناسب مع تطلعاتهم الحزبية، وتلتقي مع مشاريعهم الانتخابية، وفي بعضها أنفاس طائفية، وعند البعض منهم أحلام تاريخية استعادوها بعدما وقفوا سابقًا على أطلالها بعد الحرب الأهلية، أما النوع الأخير فقد يكون الأسوأ الذي يتبنى طروحات خارجية مركزة حول نشاط سفارات خارجية كانت تعتقد أنها قادرة على تنفيذ بعض المشاريع التقسيمية، قبل عودة التسويات الاقليمية.
مفهوم الادارة في اللامركزية
يعتبر بعض اللبنانيين أنهم يفتقدون لمفهوم اللامركزية الادارية، لكن حقيقة الأمر فإنَّ المباني الادارية للدولة والتي تتجسد بالسرايا المنتشرة في مختلف المحافظات، ومكاتب الوزارات غير كاملة الصلاحية فيها هي عبارة عن لامركزية إدارية أو ما يسمى باللاحصرية. بالتالي عندما يطالب البعض باللامركزية الإدارية فهو بالتالي يطالب باللاحصرية، وما ذُكر في اتفاق الطائف من لامركزية إدارية موسعة هو عبارة عن لاحصرية موسعة، مما يعني أن من يطالب باللامركزية الادارية الموسعة يُطرح حول ما يتحدث به تساؤلات بعضها كاتالي:
١- عدم معرفة دقيقة بحقيقة اللامركزية الادارية الموسعة وبعض الفوارق بينها وبين "اللامركزية" التي تتفرع منها طروحات أكثر تقدمًا وأهدافها انمائية وأبعادها متنوعة.
٢- لديهم معرفة بمضمونها ولكنهم يهربون إلى الأمام عبر طروحات ملغومة يدغدغون بها شعور الجماهير.
انطلاقًا من ذلك، إن مفهوم اللامركزية على المستوى الاداري هو مفهوم اداري تنظيمي مهما توسع، بالتالي يجب على القوى التي تقدم هكذا طروحات أن تحترم جماهيرها وتقدم لهم طروحات علمية ودقيقة.
المفهوم المالي في اللامركزية
يُعتبر الشق المالي إحدى الركائز التي تستند إليها اللامركزية، بالتالي تحاول بعض القوى السياسية أن تدغدغ مشاعر محازبيها من خلال اطلاق عناوين تتركز على البعد المالي في اللامركزية، وهنا كذلك لدينا عدة تساؤلات:
١- اذا كانت هذه القوى تطرح البعد المالي لكي تقول لمناصريها إنها تحافظ لهم على أموالهم التي يدفعونها تحت ذريعة أن الآخر لا يدفع، فهي بالتالي توهمهم باللامركزية ولكن حقيقة الأمر أنها تستهدف بناء حالة من التقوقع المالي غير المدروس نظرًا لعدم التوازن الديمغرافي والجغرافي.
٢- اذا كانت هذه القوى تطرح البعد المالي دون وجود ادارات محلية حقيقية، فهي باتت تبحث عن صناديق مالية خاصة وموازية للصناديق الموجودة كجزء من التقسيمة الطائفية.
٣- اذا كان الحديث عن اللامركزية المالية دون دراسة مؤشرات البلد برمته، فإذًا أصبح الحديث هنا عبارة عن بناء حالة خطيرة تصل الى الكونفدرالية.
في الخلاصة، إنَّ الحديث عن اللامركزية في مرحلة الصراعات الطائفية وخطابات شد العصب الطائفي هو حديث غير مجدٍ ولا يرتقي بالبلد الى مستوى تقديم الحلول الحقيقية، لأن ما يحصل اليوم هو أمر خطير جدًا ويتمثل في عملية تشويه صورة اللامركزية الايجابية من خلال مغالطات غير علمية وأخطاء باتت شائعة وأخشى أن تكون مقصودة.