kayhan.ir

رمز الخبر: 167291
تأريخ النشر : 2023April05 - 21:22

مؤشرات انفراجات في المنطقة… فما هي الأسباب الدافعة لها؟

 

حسن حردان

انّ المراقب للتطورات في المنطقة، يلاحظ ويتلمّس اتجاه الأوضاع نحو الحد من التوترات والصراعات، التي نشبت اثر ما سُمّي بالربيع العربي، بما يؤدّي إلى انفراجات حقيقية، ترسي تطبيعاً للعلاقات العربية مع سورية، بالتواري لتطبيع العلاقات العربية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتكثيف الجهود الدبلوماسية لوضع خارطة طريق لتطبيع العلاقات بين سورية وتركيا.

ففيما يقترب موعد اجتماع وزيري خارجية إيران والسعودية لوضع اتفاق إعادة العلاقات بين البلدين موضع التنفيذ العملي، وأعلن في طهران عن موافقة الرئيس ابراهيم رئيسي على تلبية دعوة الملك سلمان لزيارة السعودية، حدثت تطورات لافتة أبرزها زيارة وزير الخارجية السورية فيصل المقداد إلى مصر واجتماعه مع نظيره المصري سامح شكري، وسط معلومات عن التحضير لقمة مصرية سورية تجمع الرئيسين بشار الأسد وعبد الفتاح السيسي في مؤشر واضح على عودة العلاقات المصرية السورية، الأمر الذي يشكل تطوراً هاماً يسبق انعقاد القمة العربية في 19 أيار المقبل.. وما يزيد من أهمية هذا التطور، ما رشح عن زيارة قريبة لوزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان إلى دمشق لتسليم الرئيس الأسد دعوة لحضور القمة العربية المقبلة في الرياض…

وفي دلالة على هذا الاتجاه أعلن الرئيس التونسي عن تعيين سفير جديد لبلاده في دمشق، ونقل عن لسان مساعد وزير الخارجية الأميركية بابرا ليف بأنه لا فيتو أميركي على عودة سورية إلى مقعدها في الجامعة العربية، لكن هذه العودة لا يجب أن تكون مجاناً، على حدّ تعبيرها، وذلك في مؤشر واضح على اتجاه واشنطن لملاقاة هذه التحوّلات الحاصلة في المنطقة بعد الصدمة التي تلقتها من إعلان الاتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية..

وفي موازاة هذه التطورات العربية العربية، والعربية الإقليمية، نشطت الاتصالات للتوصل إلى تسوية للازمة في لبنان مدخلها انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة تنفذ خطة للإصلاحات الاقتصادية.

على انّ هذه التطورات، التي تؤشر الى دخول المنطقة مرحلة جديدة، طرحت الأسئلة عن الأسباب التي أدّت إليها… في هذا السياق يمكن تسجيل الأسباب التالية:

السبب الأول، استنفاذ كلّ الوسائل التي استخدمت في مرحلة الربيع العربي لإسقاط الدولة الوطنية السورية وتغيير نظامها الوطني والقومي المقاوم للهيمنة الأميركية والاحتلال الصهيوني، فلم تنجح الحرب الإرهابية الكونية التي قادتها الولايات المتحدة في تحقيق أهدافها، فيما الحصار الاقتصادي الذي فرض على سورية بعد فشل قوى الإرهاب، أخفق هو الآخر في إجبار القيادة السورية على الرضوخ للاشتراطات والإملاءات الأميركية، في حين بدأت واشنطن تتلمّس انّ جدار الحصار الاقتصادي بدأ يتداعى، لا سيما بعد الزلزال الذي ضرب كلّ من تركيا وسورية، والذي شكل مدخلاً لمزيد من الانفتاح العربي على سورية، وأحرج واشنطن التي وجدت أن قدرتها على الاستمرار في التحكم بالأوضاع في المنطقة آخذة بالتقلص، لا سيما بعد تمرّد السعودية على الإرادة الأميركية، ان كان لناحية موافقتها على قرارات أوبك بلاس، أو توطيد علاقات الرياض الاقتصادية مع الصين، او لناحية قبولها رعاية بكين للحوار السعودي الإيراني وإعلان التوصل لاتفاق تطبيع العلاقات السعودية الإيرانية من العاصمة الصينية.. في المقابل فإنّ الولايات المتحدة باتت أكثر انشغالاً في الحرب الروسية الأطلسية على الأراضي الأوكرانية، وتداعياتها، والتي لا تسير وفق ما رغبت به إدارة البيت الأبيض، التي كانت تنتظر أن تؤدّي العقوبات الغربية الاقتصادية ضدّ روسيا إلى تفجر الاحتجاجات الداخلية ضدّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أو على الأقلّ إثارة المتاعب الاقتصادية له، فإذا بالأزمات المالية والاقتصادية تندلع في الولايات المتحدة والدول الغربية، وموسكو تنجح في احتواء العقوبات وإيجاد بدائل لتصدير نفطها وغازها والمواد الاولية.. الأمر بدّد رهانات واشنطن على إضعاف روسيا لمصلحة تعويم الهيمنة الأحادية الأميركية، واستئناف الهجوم الأميركي في المنطقة.. ولهذا يبدو أنّ واشنطن أصبحت أمام هذه التحوّلات مضطرة إلى مسايرة التطورات الجارية في المنطقة والتكيّف معها، وان كان بغير رغبتها.

السبب الثاني، صمود مقاومة الشعب اليمن في مواجهة الحرب الأميركية السعودية التي فشلت في تحقيق أهدافها لناحية القضاء على حركة أنصار الله والقوى الحليفة لها، وبالتالي فشل الحرب في إعادة إخضاع اليمن للهيمنة الأميركية السعودية، في حين أصبح استمرار السعودية في هذه الحرب مكلفاً جداً بالنسبة لها، مالياً واقتصادياً، لا سيما بعد نجاح أنصار الله في تطوير قدراتهم العسكرية وتوجيه ضربات متتالية للمنشآت الاقتصادية والنفطية في العمق السعودي، وفشل نظام الباتريوت الأميركي في حماية السعودية من هذه الضربات، التي كانت تقوم بها الطائرات المُسيّرة، والصواريخ اليمنية… من هنا بات استمرار الحرب وكلفتها الباهظة يهدّد بالخطر الخطة الاقتصادية 20/30 لـ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ولهذا أصبح وقف الحرب والنزف الذي تتسبّب به حاجة سعودية ملحة…

السبب الثالث، نجاح المقاومة وحلفائها في إحباط أهداف الحصار المالي والاقتصادي الأميركي على لبنان، لإحداث انقلاب سياسي وشعبي ضدّ المقاومة ومحاولة نزع سلاحها، وبالتالي تحقيق أمن الكيان الصهيوني وإحكام الهيمنة الأميركية الكاملة على لبنان، ولهذا اضطرت واشنطن وحلفاؤها إلى التسليم بتوازن القوى في لبنان، وسلوك طريق البحث عن تسوية للأزمة اللبنانية التي فجّرتها التدخلات الخارجية وفي مقدّمها الأميركية.. وهذا لم يكن ليتمّ لولا إدراك قيادة المقاومة مبكراً للمخطط الأميركي، ورسم استراتيجية ذكية أدارت من خلالها معركة التصدّي لهذا المخطط الذي استهدف تأليب اللبنانيين ضدّ مقاومتهم.. على انّ هذا الفشل الأميركي تجسّد في اضطرار واشنطن وتل أبيب إلى الرضوخ لشروط الدولة اللبنانية في مفاوضات اتفاق تحديد الحدود البحرية، والذي كان لإشهار معادلة المقاومة الردعية الدور الأساس في ذلك…

السبب الرابع… كذلك فشل الخطة الأميركية في العراق لإقصاء قوى المقاومة العراقية عن السلطة، ونجاح هذه القوى في إعادة تشكيل حكومة جديدة برئاسة محمد شياع السوداني، التي اتبعت سياسات لا ترضي الولايات المتحدة، لناحية تعزيز العلاقات مع إيران وسورية، وزيادة مستوى التنسيق والتعاون بين سورية والعراق في مواجه قوى الإرهاب الداعشي، فيما تسيير الحشد الشعبي في العراق لقوافل المساعدات إلى سورية لمساعدتها في مواجهة كارثة الزلزال وجه صفعة قوية لممططات واشنطن التي حاولت دون جدوى منع التواصل البري بين العراق وسورية ووقف التنسيق بينهما.

انطلاقاً مما تقدّم يمكن القول انّ واشنطن وحلفاءها فشلوا عبر ركوب موجة ما سمّي بالربيع العربي في القضاء على قوى المقاومة في المنطقة، وإسقاط الدولة الوطنية السورية المستقلة، في حين نجح محور المقاومة في الصمود وفرض موازين قوى جديدة في غير مصلحة مشروع تعويم الهيمنة الأميركية.. ولهذا فإنّ اتجاه المنطقة نحو وضع حدّ للحروب والصراعات والتوترات، والعودة إلى مناخات التهدئة وتطبيع العلاقات والمصالحات، بقدر ما بات يشكل حاجة للجميع لحلّ الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي تسبّبت بها الحروب والصراعات، فإنه ناتج عن موازين القوى الجديدة التي أسفرت عنها.. ولهذا نجد انّ أكثر القلقين من هذه التطورات هو كيان الاحتلال الإسرائيلي الغارق في أزمته الداخلية، ومواجهة تصاعد المقاومة المسلحة في فلسطين المحتلة.