هل يستجيب الاتفاق السعودي ـ الإيراني لمتطلبات المرحلة؟
بشارة مرهج
الاتفاق السعودي ـ الإيراني خطوة إيجابية تطلق الأمل في تغيير المشهد السياسي الملتهب في المنطقة، وتطرح إمكانية تحويله إلى مشهد يضجّ بالتواصل والحوارات والإيجابيات.
أول الرابحين من هذا الاتفاق، الذي نأمل له مع الكثير غيرنا الاستمرارية والرسوخ، هما شعبا السعودية وإيران ومعهما شعوب المنطقة التي عانت ولا تزال من السياسات والأطماع الصهيونية التي تريدها تحت المظلة الأميركية، وتأبيد الصراعات والحروب الداخلية في هذه المنطقة كشرط لازم لإنجاز مشروعها الفاشي العنصري في بناء الدولة اليهودية الخالصة على أرض فلسطين وإلحاق الدول العربية بمركزها الإقليمي.
لا شك أنّ هذا الاتفاق احتاج إلى جهود استمرّت سبع سنين كي يتحقق وينشر موجة من التفاؤل في منطقة تخيّم عليها الكآبة جراء انقطاع الحوار بين الأشقاء والأصدقاء. لكلّ ذلك ينبغي حماية هذا الاتفاق من كلّ أخصامه الذين يعتبرونه خطراً على أطماعهم في التوسّع والسيطرة.
ومن فضائل هذا الاتفاق أنه يتيح فرصة ثمينة للبلدين المعنيين، كما لبلدان المنطقة لينعموا مرة أخرى بالسلام والإطمئنان للغد وإمكانية حلّ معظم المشاكل المطروحة بينهم بالحوار والتواصل والتكامل في ظلّ الكوارث الطبيعية والاقتصادية التي تطيح بتعب الأجيال وإنجازاتها.
إنّ العالم الثالث الذي أرادوا استبعاده من خريطة القرار بحجّة القطبية الواحدة، يطلّ برأسه بقوة من خلال هذا الاتفاق ليعلن عن حضور الحقائق الكامنة وثبات الحقائق المتجلّية على الأرض، والتي لم يعد بإمكان أيّ جهة تهميشها أو تجميدها أو التقليل من شأنها.
وهذا الأمر بالذات يرتّب على الطرفين المتفاهمين مسؤولية كبيرة في احتضان هذا الاتفاق ودفعه إلى الأمام كي يشعّ برداً وسلاماً على منطقة عطشى للاستقرار والبناء، راغبة بكلّ جوارحها مغادرة دائرة التوتر والصراع التي تكاد تنسيها المخاطر المشتركة وفي مقدّمها الخطر الصهيوني المتحرك بكلّ الاتجاهات.
وهنا لا يمكن أن ننسى دور الصين صاحبة المشروع الاقتصادي الأكبر في العالم، وصاحبة فكرة الشراكة والتواصل الإيجابي المهمّ والضروري للانطلاق إلى رحاب أوسع تتحقق فيها آمال الشعوب في استعادة حقوقها واحترام مصالح بعضها البعض وبناء عالم جديد يرتكز على التعاون والأمن والسلام.
أما لبنان الذي تطلع طويلاً لانبثاق هذا الاتفاق الأوّلي الذي يستجيب بالعمق لحاجات المرحلة ومتطلباتها، فإنه يعوّل كثيراً على نجاحه وتثبيته كي يساهم في خفض التوترات وتقليص الخلافات إلى أبعد حدّ، مما يصبّ في مصلحة هذه المنطقة وغيرها، ويزيد من فرص لبنان لكسر الحلقة المفرغة التي يعيشها والعودة بزخم إلى التلاقي الداخلي الموسع الذي يؤمّن سحب قوارير السمّ المنتشرة في أكثر من موقع وموضع، فضلاً عن استعادة الحوار بين جميع الأطراف على قاعدة محاربة الفساد بكلّ أشكاله وبناء الدولة الحديثة القائمة على الديمقراطية واستقلالية القضاء ونبذ العنف وإسقاط عقلية الاستبعاد والاستغلال والاستبداد، تلك العقلية التي جعلت لبنان بلداً مفلساً متخلفاً متسوّلاً وهو البلد المؤهّل أن يكون بلد الأنوار والعلم والإنجاز.