kayhan.ir

رمز الخبر: 16680
تأريخ النشر : 2015March14 - 22:00

لولا الإمام الخميني … لسقط العالم العربي‎

القسم الثاني و الاخير

أحمد الشرقاوي

وفي اليمن الذي لم يعد سعيدا منذ عقود، هل كان بإمكان شعبه الطيب التحرر من الهيمنة الأمريكية والحصار السعودي ليبصر النور وينطلق نحو أفق رحب جديد مفعم بالأمل في نهضة واعدة نظرا للخيرات والمقدرات التي حباه الله بها لولا المقاومة التي التحمت في الحشد الشعبي وأعلنت الثورة على الظلم والاستبداد والجهل والفقر والتخلف والتبعية؟..

أما قطاع غزة، فقد أصبح واضحا وضوح الشمس في قبة السماء بتعبير القدماء، أنه لولا خيار المقاومة الإسلامية والعربية الشريفة في هذا الجزء العزيز من أرض الشام المباركة، لأصبحت فلسطين اليوم مجرد ذكرى يرويها الأجداد للأحفاد قبل النوم بحسرة وألم، ولما عاد اسمها يذكر في مناهج التعليم العربية ولا في خرائطهم الجغرافية والسياسية، بدليل أن قناة "الجزيرة” تعرض اليوم على شاشتها خريطة كتب عليها "إسرائيل”..

من هنا يفهم سبب إعلانهم الحرب على المقاومة، من خلال تركيز عملاء السعودية في لبنان مثلا، على عدم شرعية سلاح حزب الله بالرغم من أنه حرر لبنان من الإحتلال وحماه من العربدة الإسرائيلية وحوله إلى ورقة قوية في المعادلة الجيوسياسية بالمنطقة، في غياب جيش قوي مؤهل ليقوم بهذا الدور، ولا نتحدث عن غياب الدولة والرؤية السياسية الموحدة في تعريف الأخطار وسبل مواجهة الأعداء، لأن لبنان بلد الطوائف والدكاكين السياسية التي لا تستقيم مع منطق الدولة ولا منظومة الأمة..

ومن هنا يفهم سبب تركيز بعض المكونات العراقية المرتبطة بالأجندة الأمريكية على ضرورة حل "المليشيات” الشيعية التي حاربت الإحتلال الأمريكي وطردته من العراق، وتحارب اليوم "داعش” الذي دمر القيم والتاريخ والحضارة والإنسان، ويهدد الدولة بالانهيار، والبلاد بالتقسيم، والمجتمع بالتفكيك، هذا علما، أن الحشد الشعبي يحارب "داعش” في المناطق السنية عموما، لا الشيعية حصريا، ويسلمها لأهلها حال تحريرها، دافعه في ذلك ثقافة المقاومة التي تقوم على عقيدة الجهاد الدينية والواجب الوطني المقدس..

ومن هنا يفهم كذلك سبب إصرار النظام المصري على تصنيف حركة حماس وجناحها العسكري الذي حقق انتصارات مشهودة على "إسرائيل” في خانة الإرهاب، بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع توجهات جناحها السياسي المرتبط بجماعة الإخوان المسلمين، فتلك قضية سياسية تهون عندما يكون الرهان هو تحرير فلسطين.. وهي خدمة مجانية لم تكن لتحلم بها "إسرائيل” قبل عهد ‘السيسي..

ومن هنا يفهم أيضا سبب اعتبار السعودية وتوابعها أنصار الله في اليمن "مليشيا إرهابية” تابعة لإيران، وهلم جرا.. حتى لم تبق حركة شريفة في هذا الوطن العربي المنكوب مقاومة للهيمنة الأمريكية والصهيو – وهابية إلا واعتبرت "مليشيا إرهابية” تنفذ الأجندة الإيرانية وفق ما يزعمون، في حين أن إيران تساعد المقاومات الشعبية ضد الإحتلال، وتدعم الشعوب المستضعفة ضد الاستبداد من منطلق عقيدة دينية حريصة على وحدة الأمة ومناعتها، وواجب إنساني هدفه تحرير الإنسان من ظلم أخيه الإنسان، ولا تفرض مقابل ذلك شروطا سياسية أو تسعى لهيمنة سيادية، بدليل ما نعرفه عن وضع لبنان وسورية والعراق واليمن..

غير أن هؤلاء "الأكاديميين” في المقابل، لا يتحدثون عن الهيمنة الأمريكية ومشاريعها المدمرة للهوية العربية والإسلامية في المنطقة، ولا يذكرون العربدة الإسرائيلية واعتداءاتها الإجرامية على الشعب الفلسطيني الأعزل، ولا عن تهويد الكيان الصهيوني الفاشي للقدس وتحويل ما تبقى من الضفة الغربية إلى غيتوهات عنصرية، ويعتبرون الحركات الإرهابية التي تمتح من الإديولوجيا الوهابية "ثوارا من أجل الحرية”، وهم الذين يعيشون في ظل أنظمة قروسطية رجعية ظلامية لا تعرف للحرية معنى ولا للديمقراطية مفهوما، لدرجة أنهم ودون خجل، ذهبوا حد وصف احتلال "داعش” للعراق ب-”ثورة المظلومين السنة”، هذا في الوقت الذي تؤكد فيه الوقائع أن الطائفة السنة الكريمة كما غيرها من الطوائف وخاصة المسيحية كانوا أول ضحايا "داعش”، لعدم وجود مقاومة شعبية تحميهم من الإبادة الممنهجة.

والمستهجن في طروحاتهم الغبية هذه، أنهم وهم يتحدثون عن الإحتلال الإيراني المزعوم للعراق وسورية، لا يشرحون للناس ما الذي تفعله أمريكا بجيشها في المنطقة، ولا ما تقوم به بقية القوات الأطلسية البريطانية والفرنسية والأوسترالية وغيرها، بل والعربية أيضا، ولا ما الذي تفعله منظومات الرصد والتجسس الإسرائيلية العملاقة والعالية التقنية في مطار كانت تسيطر عليه "داعش” بمنطقة صلاح الدين قبل تحريرها؟.. ولا لماذا تدعم إسرائيل جبهة النصرة والجيش الحر في الجولان المحتل، ولماذا قام هؤلاء بتدمير محطات الرصد ورادارات المراقبة السورية في القنيطرة؟… وغيرها كثير من الفضائح التي لا يسع المجال لسردها، وتؤكد جميعا أن "داعش” كما "النصرة” وأخواتهما، بالإضافة لما يسمى ب-”المعارضة المعتدلة المسلحة” هم عملاء لإسرائيل يخدمون مشروعها في المنطقة..

فعن أي احتلال إيراني يتحدث هؤلاء المنافقون الفاشلون، وهل السعودية وقطر والإمارات والكويت وتركيا والأردن التي ترعى الإرهاب وتدعمه، يفعلون ذلك من منطلق عقيدة إسلامية لتحرير العراق وسورية من الإحتلال الإيراني أم لمساعدة أمريكا و”إسرائيل” على تدمير هذين البلدين العربين المسلمين كي لا تقوم للعرب والمسلمين قائمة في المنطقة؟..

هذا علما أن إيران تربطها بسورية والعراق معاهدات للتعاون العسكري الإستراتيجي، وقدم مستشاروها بمعية قيادات من حزب الله بطلب من الحكومات الشرعية لمساعدتها على دحر الإرهاب التكفيري الذي تغذيه مشيخات الخليج الفارسي بالمال الحرام، وترعاه أمريكا وتركيا والأردن بالتدريب والتسليح، و”إسرائيل” بالمعلومات الاستخباراتية والتوجيه والتطبيب..

لكن الأخطر من هذا وذاك، هو ما كشفه موقع ‘روسيا اليوم’ الأربعاء، من أن قادة جبهة النصرة يدرسون اقتراحا قطريا بقطع ارتباطهم بتنظيم "القاعدة” والتحول إلى "معارضة معتدلة” مقابل وعود بمزيد من الدعم المالي السخي والسلاح النوعي والإمدادات المختلفة، وتؤكد مصادر من داخل "الجبهة الإرهابية” أنه سيتم التخلي قريبا عن إسم "النصرة” واستبداله باسم آخر ضمن الترتيب الجديد لتأسيس "معارضة مسلحة معتدلة” وفق الاتفاق الأمريكي التركي الأخير المدعوم سعوديا وقطريا، وهو ما يكشف السبب الرئيس وراء زيارة الأمير القطري لواشنطن مؤخرا، وما تلاه من تصريح لمنسق التحالف الدولي الجنرال ‘جون ألان’ قبل يومين، ومؤداه، أن الولايات المتحدة ستحمي "المعارضة المسلحة الجديدة”، الأمر الذي يفترض حكما إقامة منطقة عازلة على الحدود التركية – السورية..

وفي ذات السياق جاء تصريح رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية الجنرال ‘مارتن ديمبسي’ الخميس أمام الكونجرس، حيث قال أنه لا يستبعد أن تقوم الإدارة الأمريكية بإرسال قوات برية إلى سورية لدعم "المعارضة المعتدلة المسلحة” في محاربتها ضد "داعش” وقوات النظام السوري معا..

ولتكتمل الصورة، أعلن وزير الخارجية الأمريكي ‘جون كيري’ في مؤتمر صحفي مشترك مع وزير خارجية السعودية ‘سعود الفيصل’ الخميس من الرياض، بأن بلاده ستعمل على "ممارسة الضغط العسكري على الرئيس الأسد لضمان تغيير السلطة”، في نفس الوقت الذي "ستراقب فيه تصرفات إيران التي تعمل على زعزع الاستقرار في المنطقة” وفق ادعائه، هذا في الوقت الذي أبدى الوزير السعودي "دعم بلاده لخيار تدريب وتسليح المعارضة المعتدلة في سوريا لمواجهة الأسد”، الذي اعتبره الوزير الموثور "الداعم الرئيسي للإرهاب” في سورية والمنطقة.. فمن يصدق؟..

وللإشارة، فقد سبق وأن تنبأنا بهذا التحول الدراماتيكي الخطير في مقالتنا قبل أيام بعنوان "جيش أوباما السري”.. وقلنا أن هدفه هو نزع ورقة محاربة الإرهاب من يد الرئيس السوري، وإعادة شيطنته لتحويله إلى ديكتاتور يقتل شعبه المعارض لحكمه، وبالتالي، كيف يعقل أن يتحول الإرهابيون من "جبهة النصرة” و”داعش” بين ليلة وضحاها إلى "معارضة معتدلة” تحارب الجيش العربي السوري لأسقاط نظام شرعي اختاره الشعب بأغلبية غير مسبوقة في تاريخ الديمقراطية في العالم العربي، لا بل وبنسبة لم تتحقق لأوباما أو غيره من الديمقراطيين الغربيين المجرمين؟..

هذا الموقف الخليجي المشبوه، يتساوق حد التطابق مع الموقف الأمريكي الذي يرى في "المليشيات” أو ما نسميها نحن بالمقاومة الشريفة، خطرا يهدد بانزلاق الأوضاع لحرب سنية – شيعية.. كيف لا والمقاومة هي من أفشلت كل إستراتيجيات وخطط أمريكا لإقامة مشروعها لشرق أوسط صهيوني جديد؟.. ولم ينفع معها لا جيش "إسرائيل” ولا جحافل التكفيريين ولا من يحزنون، ويبدو أن آخر ورقة لا زالوا يراهنون عليها هي افتعال حرب سنية شيعية بأي ثمن، لكن السؤال هو: – من هي القوة الغبية المستعدة للانخراط في هذا العبث الإديولوجي السخيف؟..

مشكلة أمريكا وأنظمة الخليج الفارسي تكمن في أنهم، وبرغم التزوير والتضليل والتحريض والتجييش وإنفاق مليارات الدولارات، فشلوا حتى الآن في إشعال حرب مذهبية بين المسلمين، والسر في ذلك، يكمن في أخلاق المقاومة الإسلامية الشريفة التي نجحت في تقديم نموذج راقي، نقي، وناصع، أثار الدهشة والإعجاب، وذلك في مواجهة الإرهابين: الصهيوني والتكفيري معا، بمنطق ثوري تحرري، وتعامل عقلاني بعيد عن ردود الفعل العاطفية، وممارسة إنسانية بعيدة عن التعصب والحقد والانتقام تجاه الأخ في الدين أو الشريك في الوطن بغض النظر عن عقيدته ومشاربه الفكرية وتوجهاته السياسية..

وهذا ما تؤكده الوقائع في الميدان، سواء في لبنان أو سورية أو العراق.. وعلى ذكر العراق، ها هي الأنباء تتحدث عن بطولات ترسمها المقاومة العراقية الشريفة بالدم الطاهر ضد الدواعش، حيث امتزج الدم السني والدم الشيعي في معارك صلاح الدين، وتحققت ملاحم أدهشت أمريكا وأدخلت الرعب في قلوب آل سعود ومشيخات الخليج الفارسي، وأفسدت عليهم وهمهم بإقامة حلف سني لمواجهة الحلف الشيعي كما يخططون، بهدف تمزيق لحمة الأمة وإشعال فتنة لا تبقي ولا تدر خدمة لأسيادهم في واشنطن وتل أبيب، ولم يجدوا من غطاء يسترون به عورتهم ويبررون به فشلهم غير استنكار وجود حزب الله والشهيد الحي الجنرال قاسم سليماني ورفاقه الأبرار في مقدمة صفوف المجاهدين الأبرار، مرة في لبنان، ومرة في سورية، وأخرى في العراق، يتنقلون بين مكونات المحور لإفشال مخططات الأعداء، ويقفون لأمريكا وحلفها الشيطاني بالمرصاد، يجاهدون في سبيل الله ابتغاء وجهه، ولا ينتظرون من وراء ذلك جزاء ولا شكورا..

هؤلاء هم رجال الله المخلصين، الذين يجاهدون في سبيله نصرة لدينه ودفاعا عن عباده المستضعفين، ويؤمنون إيمان اليقين أن النصر من عند الله، فيرسمون الملاحم ويحققون المعجزات، في حين لا يحصد من يؤمنون بأن النصر سيكون حليف أمريكا "العظمى” سوى الهزائم والانتكاسات التي تحولت إلى عقد نفسية مركبة في صدورهم، فأصبحوا يفكرون بعواطفهم بدل عقولهم، ويتصرفون بجهل بعيدا عن الحكمة وعن تقوى الله..

وختاما نقول لحكام الخليج: إن كل تريليونات الدولارات المودعة في بنوك الغرب، وكل بحار الزيت الكامنة تحت رمال الصحراء، لا تساوي قطرة دم تسقط من شهيد في معركة الوجود والمصير التي تقودها المقاومة الإسلامية الشريفة اليوم في المنطقة، لتعود الأمة كما كانت "خير أمة أخرجت للناس”.