الغرب وحلفاؤه الخليجيون يعترفون بمؤسسات منتهية الولاية ويقاطعون ثورة الشعب
ضياء أبو طعام
في اليمن مشهدان: ياقات بيضاء وربطات عنق وموفدو الفضائيات ووكالات الأنباء العالمية، ولوحات دبلوماسية على مقدمات سيارات فارهة تجوب شوارع عدن في الجنوب، كان هذا المشهد الأول.
المشهد الثاني: جلابيب بيضاء وخناجر معكوفة على وسط الحزام، وفوقها سترات رسمية مختلفة الألوان، وسيارات نقل رباعية الدفع، وليس ثمة وجوه غريبة في الطرقات وأسواق باب اليمن في صنعاء.
هكذا بدت الصورة النمطية لمشهد الانقسام السياسي العامودي الجديد في اليمن. حكومة معترف بها غربياً، ولجنة ثورية عليا يفرض ثلثا العالم حصاراً سياسياً عليها، إلا إذا انصاعت لمحاولات الترويض تحت عنوان حوار الانصياع لوصاية الرياض. ولكن مهلاً، فثمة من لا يقرأ حقيقة الواقع اليمني الراهن.
معركة الشرعية حُسمت لصالح المقرَات الرسمية على حساب سلطة "الفنادق”
تتداول وسائل الإعلام على اختلافها أخبار اليمن من زاوية الانقسام بين شرعيتين بعد إعلان الرئيس عبد ربه منصور هادي قرار العودة عن الاستقالة، لكن الحديث عن "شرعية” هادي واستمراره في النطق باسم الشعب اليمني دونه إشكاليات قانونية ودستورية تعرّض هادي وفريقه الوزاري للمساءلة بتهمة التزوير وانتحال الصفة للأسباب الموجبة التالية:
أولاً: إن هادي انتخب رئيساً لليمن في 21 شباط/فبراير عام 2012 بموجب المبادرة الخليجية، وكانت المفارقة أنه ترشح منفرداً، إذ لم يكن هناك أي مرشح آخر، بما يعني أنه فاز بالتزكية، ولا داعي للانتخابات، ومع ذلك ذهب جزء من اليمنيين إلى صناديق الاقتراع وانتخبوا هادي، وكانت هذه إحدى الخطوات التي لا تتسم بالمنطق الدستوري للانتخاب، مع جعل هادي رئيساً بموجب تراضٍ سياسي، وليس بموجب شرعية قانونية.
ثانياً: تم انتخاب هادي لمدة سنتين انتهت بتاريخ 21 شباط/فبراير 2014، ومن ثم، وأيضاً خلافاً، للمنطق الدستوري تم التمديد لهادي من قبل تسوية سياسية ثانية تمثلت في "مؤتمر الحوار الوطني” وذلك لمدة سنة واحدة، علماً أنه ليس من حق ولا من صلاحية مؤتمر الحوار الحائز على تغطية الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية، التمديد لرئيس منتخب مباشرة من الشعب. وهذا الأمر تجلى في بنود اتفاقية السلم والشراكة التي أقرّت التحضير لانتخابات رئاسية حقيقية.
ثالثاً: في يوم 21 شباط/فبراير 2015 تنتهي مدة السنة التي تم تمديدها، وبالتالي، فَقَد هادي أي صفة شرعية له.
رابعاً: قدّم الرئيس اليمني استقالته من منصبه في 22 كانون الثاني/يناير الماضي، وأصرّ عليها، علماً أنه ليس هناك جهة مخولة قبول استقالته بموجب الدستور اليمني سوى مجلس النواب.
خامساً: البرلمان اليمني انتخب في العام 2003 لمدة ست سنوات وانتهت صلاحيته على الرغم من تمديد ولايته لسنتين، ومنذ ذلك الحين فقد البرلمان شرعيته، وتم تجميد العملية الانتخابية منذ ثورة شباط/فبراير 2011، ولا يزال التجميد سارياً.
سابعاً: الإعلان الدستوري، الذي أصدرته "اللجنة الثورية العليا” تضمن حل مجلس النواب، وبالتالي فإن هذا المجلس يعتبر فاقداً لصلاحيته، أولاً: لانتهاء مدة ولايته، وثانيهما: حلّه بموجب الإعلان الدستوري الثوري، الجهة الوحيدة التي تمثّل الشعب بحسب الأعراف والقوانين الدولية، التي تعطي أي جهة ثورية تنجح في السيطرة على المقرات الحكومية وعلى رأسها مقر الرئاسة الأولى الحق في الاعتراف بها والتعامل معها، أوليس هذا ما أعطى الرئيس هادي نفسه الشرعية الدولية بعد ثورة العام 2011؟!!
أمام هذه المطالعة الدستورية المبسّطة، تتجه الدول الغربية في المقابل إلى التعامل مع رموز الحكم الفاقد للشرعية القانونية، والذي يتخذ من فنادق عدن مقرّات لها، حتى أن السفارات الغربية والخليجية التي انتقلت إلى المحافظة تسكن في أجنحة فنادق، وليس في مقرات دبلوماسية وفق الأعراف الدولية، ما يمدّ عدم الشرعية ليشملها أيضاً.
سياسياً: حركة أنصار الله وحلفاؤها يحكمون الشمال بمؤازرة الجيش، فماذا عن الآخرين؟
بعيداً من أي انفعال، فلنجرِ الحسبة التالية:
أحزاب سياسية وازنة، تيار من فصائل الحراك الجنوبي، قادة وضباط الجيش، مجالس المحافظات الشمالية، أكثر من ثلاثة أرباع القبائل والعشائر، وخلف هؤلاء قاعدة شعبية كبيرة تتشارك في دعم اللجان الشعبية الثورية بالعدّة والعديد، كلّ هؤلاء في صف التحالف مع حركة "أنصار الله” التي أثبتت قدرتها في أقل من عام على التصدي لمختلف شؤون الأمن والسياسة. وللتذكير، فالحركة حين كانت وحدها، نجحت في الصمود بوجه التحديات بدءًا من مواجهة درع الجزيرة في معارك صعدة، مرورًا بكسر العزلة السياسية عبر التحالفات القبلية، وليس انتهاءً بكسر مجاميع التنظيمات التكفيرية وعلى رأسها تنظيم القاعدة المتمثل في تنظيم "أنصار الشريعة” الذي تتهاوى آخر معاقله في محافظة البيضاء. أما على الصعيد الحيوي، فالإمساك بمطار صنعاء وساحل الحديدة المترامي الأطراف على البحر الأحمر، يعطي "اللجنة الثورية العليا” مقوّمات الحياة في مواجهة أي زوبعة إعلامية تمارس الحرب النفسية.
على المقلب الآخر، يجهد الرئيس عبد ربه منصور هادي، في إقناع الجنوبيين بصيرورة التحالف معه. فالجنوب الذي خبر على مدى نصف قرن بشاعة الوصاية الخليجية، والسعودية تحديداً، على قرار الشمال بعد إعلان الوحدة في العام 1991 لم يكن أصلاً ضمن حسابات المشاركة في السلطة واقتسام الثروة. والجنوبيون لم ينسوا بعد ألاف الضحايا من أبنائهم الذين قضوا، وما زالوا، على يد التنظيمات الإرهابية التي موّلتها ودعمتها أنظمة خليجية بغطاء استخباراتي غربي. والجنوبيون أيضاً لم ينسوا بعد، الإمعان في شراء الذمم التي أفرغت مطالب الانفصال من أي قوة تأثيرية.
وحتى لو أعلن محافظ شبوة أحمد علي باحاج تمسكه بشرعية هادي، إلا أن قبائل الجنوب، وعلى رأسهم الحضارمة، ما زالوا ينظرون بازدراء إلى هادي كرئيس قادر على حكم البلاد، وضمان حقوق الجنوبيين بعيداً من الإملاءات الخارجية. أما تنظيم "أنصار الشريعة” الذي باتت مدن جنوبية وتحديداً في شبوة تشكل معقلاً لمجموعاته، فيشكل وجوده عامل ضعف أساسيًا في تماسك أرضية الحكم الصلبة لسلطة هادي في الجنوب.
أما الاعتراف الرسمي الغربي، فخلفيته واضحة: مضيق باب المندب، وهذا يعني أن الاعتراف محكوم بالمصالح الغربية التي أثبتت التجارب أن التداول في "بورصتها” السياسية هو أشبه بلعبة القمار منه إلى الاستثمار، ففي أية لحظة قد ينقلب كل شيء مئة وثمانين درجة.
لعبة الحرب الباردة في اليمن إذًا، ليست متكافئة الفرص. وحركة "أنصار الله” التي تحترف العمل بصمت لا يؤثر فيها "جعجعة الطواحين” الإعلامية. وشيئاً فشيئاً سيتضح أن الزمن يساند من يمتلك أرجحية في نقاط القوة، وليس من يحظى بمجرد كرسي للديكور في جامعة الدول العربية بات شعارها في زمن ما يسمى بالربيع العربي: "لو دامت للديناصورات لما آلت...إلى الفراخ”.