"يديعوت أحرونوت": واشنطن تلقّت صفعة إضافية من الرياض بعد اتفاقها مع طهران
صحيفة "يديعوت أحرونوت" تتحدث عن اتفاق استئناف العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية، وتعتبر أنه يشكّل ضربةً لمكانة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
تحدثت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية في مقالٍ لرون بن يشاي، أحد أبرز محللي الشؤون العسكرية في "إسرائيل"، عن اتفاق استئناف العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية، واعتبرت أنه يشكّل ضربةً لمكانة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
وفيما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:
الرابحة الأساسية من الاتفاق بين السعودية وإيران هي الصين، التي قطفت نجاحاً دبلوماسياً وفي الوعي. في واشنطن يجب أن تشتعل أضواء التحذير، وفي القدس أقل. العداوة الدينية والصراع الإقليمي سيستمران في تغذية العداوة بين السعودية وإيران، علاقات ولي العهد بن سلمان مع "إسرائيل" مرهونة بقدرتها على مساعدة السعودية في واشنطن، وحالياً لا يبدو هذا ممكناً.
اتفاق استئناف العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية، الذي وُقّع في الصين، يجب أن يُقلق واشنطن أكثر من القدس. نفس التوقيع برعاية صينية يشكّل تحدياً للولايات المتحدة، وضربة لمكانتها واعتبارها في الشرق الأوسط، في ظل إنجازٍ دبلوماسي واقتصادي وإستراتيجي للرئيس شي جين بينغ. الرئيس شي زار السعودية قبل شهرين ونصف، واستُقبل استقبال الملوك، بل وحتى وقّع على سلسلة من الاتفاقات الاقتصادية التي تدل على نية السعودية توثيق علاقاتها مع الصين رغماً عن إدارة بايدن.
الولايات المتحدة كانت قد أعلنت في عهد الرئيس أوباما، ثم ترامب وبايدن، أنّ الصين منافِسة وعملياً هي العدوة الأساسية للولايات المتحدة في المجالات كافة. هذا هو السياق الذي ينبغي أن نرى فيه التوقيع على اتفاق استئناف العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية. الاتفاق وقّع عليه مستوى منخفض نسبياً، مستشارا الأمن القومي لإيران والسعودية والصين، ما يدل على أنّ الدول الثلاث لا تنسب أهمية أكبر من اللازم لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران. لكن الصين حصلت على الشرف، والولايات المتحدة تلقّت كتفاً بارداً وإشارة إضافية من العداء والاستخفاف من جانب السعودية، والرئيس الصيني سجّل إنجازاً لنفسه. وماذا فيما خص "إسرائيل"؟ حتى الساعة، ليس لهذا الاتفاق، وعلى ما يبدو لفترة طويلة، تأثير في العلاقات العلنية والتعاون الأقل علنية بين "إسرائيل" والسعودية.
سبب ذلك هو أنّ إيران والسعودية يسود بينهما عداء على خلفية دينية ومنافسة إقليمية لن تؤثر فيهما أي علاقات دبلوماسية. السعودية بحاجة لـ"إسرائيل" من أجل الاستعانة بها في الدفاع من إيران، ولكي تساعد "إسرائيل" السعودية، وفي الأساس ولي العهد محمد بن سلمان، كي يكون ضيفاً مرحباً به في واشنطن. كذلك، تريد السعودية من "إسرائيل"، مثلما أفادت "وول ستريت جورنال"، مساعدتها في الحصول على مساعدة أميركية في تخصيب اليورانيوم من أجل بناء 16 مفاعلاً نووياً لإنتاج الكهرباء في غضون 25 سنة.
السعودية لديها الكثير من تراب اليورانيوم، وهي تستعد لليوم الذي تقل فيه احتياطاتها من النفط. حينها، يخطط ولي العهد ابن سلمان لإنتاج الكهرباء من الطاقة النووية. لكن الولايات المتحدة تخشى منح معرفة للسعودية في تخصيب اليورانيوم التي يمكن أن تساعدها في اكتسابها وتطوير سلاحٍ نووي كوزنٍ مضاد للسلاح النووي الإيراني. كذلك، يريد ابن سلمان مساعدة "إسرائيل" في الحصول من الولايات المتحدة على منظومات أسلحة متقدّمة، مثل طائرات "F-35" كاملة القدرات، وليس كالتي اقترحتها الولايات المتحدة على الإمارات في إطار التوقيع على اتفاقات التطبيع مع "إسرائيل".
باختصار، السعودية بقيادة محمد بن سلمان بحاجة أساساً لـ"إسرائيل" كفاتحة باب إلى إدارة بايدن في واشنطن، التي تعاديها بعد قتل الصحفي جمال خاشقجي. ابن سلمان بحاجة أيضاً إلى القدرات الاستخبارية والعسكرية لـ"إسرائيل" حيال إمكانية أن تهاجمه إيران مرة أخرى، مثلما فعلت في أيلول/سبتمبر 2019، عندما هاجمت منشآت النفط في السعودية وشلّت 50% من إنتاج النفط السعودي لأشهر عدة.
يمكن التقدير أنّ استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران لن يغير نظام هذه المصالح، والسعودية لن تغير سياستها تجاه "إسرائيل" وتجاه اتفاقات أبراهام. العداء بين السعودية وإيران بقي كما هو، ما يدل على ذلك هو أن عُمان والعراق حاولتا التوسط بين إيران والسعودية بدءاً من سنة 2019، ولم تحققا شيئاً. لكن عندما أوضحت الصين للطرفين أنّها تريد أن تسجّل لنفسها إنجازاً، وكون إيران والسعودية على حدٍ سواء بحاجة إلى الصين، كل واحدة لمبرراتها، وُقّع الاتفاق الذي لا يغير عملياً، وعلى ما يبدو لن يغير شيئاً في المدة القريبة.
مهمة صعبة لنتنياهو
مسألة ما إذا تنضم السعودية أم لا إلى اتفاقات أبراهام لن تتأثر على ما يبدو باستئناف العلاقات الدبلوماسية السعودية مع إيران، بل بمدى قدرة "إسرائيل" على التأثير في إدارة بايدن في واشنطن وتليين طريقة تعاطيها مع السعودية. هذه ستكون مهمة صعبة بوجهٍ خاص بالنسبة إلى رئيس الحكومة نتنياهو في هذه الأيام، فيما في واشنطن قلقون مما يجري في الساحة الداخلية في "إسرائيل" وفي المناطق الفلسطينية.
للولايات المتحدة حساب مع السعودية على الصفعة التي وجّهتها لبايدن عندما زار السعودية كي يطلب من ولي العهد بن سلمان زيادة إنتاج النفط بهدف سد النقص في النفط والغاز الروسيين في أوروبا. ليس فقط أنّ ابن سلمان لم يزد إنتاج النفط، بل وقلّصه في إطار اتفاقٍ أنجزه مع دول "أوبك" وروسيا في هذا الشأن.
"إسرائيل" ليس لديها ما تبيعه الآن للسعودية في سياق واشنطن، وذلك احتمالات التطبيع مع السعودية لم تتقلص ولم تتحسن بعد توقيع الاتفاق مع إيران. ما يمكن أن يحدث هو أنّ السعوديين، نتيجة استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إيران، سيقلّصون عداءهم وأنشطتهم ضد الحوثيين في اليمن، وهذا قد يمكّن الإيرانيين من تعزيز وزيادة قاعدتهم في اليمن وسيطرتهم على منطقة باب المندب والبحر الأحمر.
من اليوم هناك خشية في "إسرائيل" من طائرات مسيرة وصواريخ إيرانية موجودة بيد الحوثيين في اليمن وقادرة على الوصول إلى "إسرائيل". تحسين سيطرة إيران في اليمن يعرّض أيضاً حرية الإبحار الإسرائيلية في البحر الأحمر للخطر. لكن في كل ما يتعلق بمواجهة إيران، لاسيما فيما يتصل بالأبعاد الأخرى، على ما يبدو من غير المتوقع حدوث تغيير جوهري نتيجة استئناف العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية.
ليس مشجعاً بالنسبة إلينا تلقّي خبراً كهذا في يوم جمعة [عشية السبت] في ذروة شرخٍ يتعمّق في شعب "إسرائيل"، لكن عندما نفحص المضامين الصرفة، هذا ليس فظيعاً جداً. ما يقلق أكثر هو أنّ الصين تعزز وضع يدها في الشرق الأوسط، نتيجة استئناف هذه العلاقات، على حساب الولايات المتحدة، التي هي القوة العظمى الراعية لنا في المنطقة.