الازمة في تونس… قبل أن يتسع الخرق على الراتق
اسيا العتروس
“اتسع الخرق على الراتق”.. نستعير هذا المثل الشعبي العربي للتأكيد اليوم على ان الديبلوماسية التونسية تواجه اختبارا غير مسبوق بفعل التصريحات غير المحسوبة التي كان بامكان اعلى هرم السلطة وممثلها الوحيد الانتباه لها أو اعتماد مقاربة مختلفة بعيدا عن التشنج المفرط وعن قاموس المؤامرة في التعاطي مع كل ملفات السياسة الداخلية والخارجية أوانه اعتمد في خطاباته على استشارة خبراء أكفاء يتقنون فن الديبلوماسية كسلاح لا بديل عنه في الارتقاء بالعلاقات مع الاصدقاء والشركاء في العالم.
صادمة ومهينة الى أبعد الحدود تصريحات وزير الخارجية الغيني موريساندا كوياتي، وهو يتحدث الى احدى القنوات الفرنسية معتبرا “أنه من حسن الحظ أن يتم اجلاء مواطنيه من تونس أحياء” .. قبل ان يضيف ان الطائرة التي استأجرتها بلاده والتي ذهب على متنها الى تونس لاصطحاب مواطنيه الراغبين بالمغادرة، أعادت 49 غينيا وأن حكومة بلاده ستقيم جسرا جويا بين كوناكري وتونس لإعادة من يرغب في ذلك إثرالقرارالرئاسي القاضي بوضع حد لتدفق المهاجرين غيرالنظاميين من إفريقيا جنوب الصحراء إلى تونس.. وهي بالتأكيد تصريحات موجعة لان تونس على حد علمنا ليست في حالة حرب أهلية ولا هي بلد يعاني من عدم الاستقراراومن مخاطر أمنية أو جائحة او كارثة طبيعية اوازمة انسانية لولا أن الخطاب الرسمي لاعلى هرم السلطة أراد لها أن تقع في مثل هذا المطب وأن تفتح المجال لاشرس الحملات والانتقادات لبلادنا التي نحن في غنى عنها بما يفاقم تراجع صورة و مكانة الديبلوماسية التونسية بين الامم في مرحلة معقدة ولا تحتاج لمزيد التعقيدات علما وأن غينيا تخضع لحكم عسكري منذ وقوع الانقلاب في هذا البلد ..
وهذا في الحقيقة ليس سوى نقطة من بحر مما قدمته عديد المنابر التلفزية الاجنبية عن “حملة تونسية ممنهجة ضد الافارقة جنوب الصحراء “وذلك على خلفية تصريحات رئيس الجمهورية قيس سعيد الاسبوع الماضي عن مؤامرة تحاك منذ عقود لتغيير النمط المجتمعي العربي الاسلامي للتونسيين والتي لا يبدو أنها ستختفي من المشهد قريبا مع تواتر بيانات الادانة من الاتحاد الافريقي كما من عديد العواصم الاوربية التي اعلنت ادراج تونس ضمن اجتماعاتها هذا الشهر..
وبعيدا عن محاكمة النوايا وتحميل تصريحات رئيس الجمهورية أكثر مما تحتمل خاصة بعد محاولات وزير الخارجية نبيل عمارالتدخل في أكثر من مناسبة وعلى أكثر من جبهة لتصحيح ما يستوجب التصحيح بعد أن تلقفت مختلف الوكالات هذا الخطاب الذي تلقفه اليمين المتطرف في اوروبا لاغراض لا تخفى على مراقب , فان الاكيد اليوم أنه سيتعين على الديبلوماسية التونسية الاستنفار لتطويق الازمة ومنع تحولها الى أزمة مفتوحة مع الدول والشعوب الافريقية التي تبقى تونس جزء لا يتجزأ منها وهي التي كان يفترض أن تكون قلب افريقيا النابض و جسرها مع اوروبا كما مع بقية القارات …
اذ لا يبدو حتى كتابة هذه الاسطرأن بيان الخارجية التونسية الذي أكد أن القرار لا يمس من حقوق الإنسان، ولا من علاقات البلاد بالدول الإفريقية” خفف من وطىء التصريحات التي أججت الاحتقان .. .ولا ندري صراحة وما اذا لا يزال بالامكان رتق الخرق أم أن الخرق اتسع على الراتق…لا خلاف ان لقاء وزيرالخارجية نبيل عمّارمع مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك، مهم لتوضيح موقف تونس والتزاماتها باحترام وصيانة كرامة من يتواجدون على اراضيها بعيدا عن كل شبهات العنصرية ,و لكن قد يكون الاهم بعد الذي حدث في التخطيط لجولة افريقية ترفع كل الالتباسات عن بلادنا و تعزز موقفها في القارة وعلاقاتها بين شركاءها على أن يتم التوجه قبل ذلك لتبني خطاب سياسي حكيم يتصف بالديبلوماسية في مخاطبة الداخل والخارج و يتخلى عن القاموس الحربي المستفز وخطاب العنف و التعالي والمكابرة والشتم والتحقيرالذي لا يساعد في تجاوزازمة الثقة في الداخل اوالخارج …