kayhan.ir

رمز الخبر: 166417
تأريخ النشر : 2023March05 - 21:09

تظاهرات "إسرائيل".. حقيقة الصراع والسيناريوهات المتوقعة

 

شرحبيل الغريب

توسع التظاهرات في "إسرائيل" يطرح تساؤلات، حول طبيعة الصراع الداخلي القائم، هل هو متعلق بتعديلات قضائية أم أنه أعمق من ذلك بكثير ويطال الصراع بين مكونات حقيقية داخل "إسرائيل".

للأسبوع العاشر على التوالي، تتواصل التظاهرات وحركة الاحتجاجات داخل "إسرائيل"؛ رفضاً واحتجاجاً على مشروع التعديل القضائي الذي يتبنّاه الائتلاف الحكومي اليميني الجديد بزعامة بنيامين نتنياهو، ولأول مرة، تجاوز عدد المشاركين في هذه التظاهرات 300 ألف شخص، ما يعكس اتساع رقعتها يوماً تلو الآخر، حتى باتت هذه التظاهرات التي ووجهت بالقمع تشكّل أزمة جدية وقائمة، ونقطة ضعف كبيرة طفت على السطح، وباتت بتصاعدها تهدد حكومة نتنياهو ومعسكره اليميني المتشدد، ما يدلل على استفحال عمق الأزمة الداخلية وحالة التفكك الاجتماعي والصراعات الإسرائيلية، والانقسام الواضح الذي بات مشهداً طبيعياً وصل إلى أشد حالاته.

توسع التظاهرات والاحتجاجات وإطلاق كبار القيادات الأمنية والعسكرية والسياسية في "إسرائيل" تحذيرات جادة حول خطورة الأوضاع الداخلية الإسرائيلية، دفعت رئيس "دولة" الاحتلال، يتسحاق هرتسوغ، إلى التحذير بشكل علني وصريح من أيام صعبة وخطيرة، وصفها بالأيام الأسوأ في تاريخ "إسرائيل"، كما حذر يوفال ديسكن، رئيس جهاز الشاباك الإسرائيلي، الذي شارك لأول مرة في التظاهرات ضد حكومة نتنياهو، من حرب أهلية إسرائيلية قادمة بعد أسابيع، أما وزير "جيش" الاحتلال السابق، بيني غانتس، فهاجم خلال كلمة له في الكنيست حكومة نتنياهو قائلاً: "الحرب الأهلية الإسرائيلية على الأبواب، متى ستتوقفون؟ عندما تراق الدماء! التحالف يذهب بنا نحو حرب أهلية".

التظاهرات في "إسرائيل" بدأت فعلياً تأخذ منحنى آخر، وهذا يعني أن الأزمة عميقة وتتعمق كل يوم أكثر، وهو ما يطرح تساؤلات، حول طبيعة الصراع الداخلي الإسرائيلي القائم، هل هو متعلق بإصلاحات قضائية أم أنه أعمق من ذلك بكثير ويطال الصراع بين مكونات حقيقية داخل "إسرائيل"، أي بين "يهودية الدولة" أم ما تسمّي نفسها "ديمقراطية الدولة"؟

حقيقة الأزمة في "إسرائيل" نابعة من عناوين رئيسية واضحة، أولها خلافات حقيقية وجادة حول طبيعة النظام، هل هو نظام ديني، وفق ما جاءت به التوراة التي أتى بها الحريديم إلى "إسرائيل"، أم ديمقراطي علماني وفق ما أتى به اليهود الغربيون والأشكناز، وكذلك الصراع بين العلمانية الليبرالية، وتعريف من هو اليهودي، ودور التوراة في الحياة اليومية الإسرائيلية، فضلاً عن التعليم ونوعه، وتدخل السياسيين في الأعمال والمهمات البيروقراطية والمهنية، وبين الأصولية الدينية الشعبوية، وكذلك مبدأ فصل السلطات واستقلالها، والحفاظ على استقلالية القضاء وعدم إخضاع قراراته للكنيست الإسرائيلي.

منذ عام 2018، بدت الأزمة السياسية في "إسرائيل" واضحة، وأخذت تزداد وتتعمّق تدريجياً، وها هي اليوم وصلت إلى ذروتها، وثمة سؤال يطرح نفسه هنا، ما السيناريوهات المتوقعة للمشهد؟

استمرار الأزمة وتعمقها وتصاعدها بشكل أكبر خلال المرحلة المقبلة هو السيناريو الأكثر ترجيحاً، فلا ضامن لاحتوائها في المنظور القريب، ورغم التطمينات التي أطلقها نتنياهو للإدارة الأميركية بسيطرته على الأوضاع الداخلية، فإن المشهد مغاير تماماً، فالمعارضة خياراتها محدودة بعد أن خسرت في الانتخابات، ولم تعد تسيطر على شيء، لكنها اليوم تخوض حرباً من أجل البقاء، ومن الواضح أنها مصممة على مواجهة طموح الائتلاف الإسرائيلي وبرنامجه، عن طريق الشارع بالتمرد واستمرار الاحتجاجات، انطلاقاً من رؤية واضحة مفادها أن استمرار الحكم لهذا الائتلاف يعني تمكنه من السيطرة على كل مكونات الدولة وتغيير هويتها، وهذا ما لن تقبل به المعارضة مطلقاً.

اليمين الإسرائيلي ماضٍ ومصمم على السيطرة ليس على القضاء فحسب، بل على كل مؤسسات "الدولة" ومقدراتها، وربما يضطر في لحظة قادمة إلى النزول إلى الشارع لحماية ائتلافه، أما قضية السيطرة على القضاء فظاهرها إصلاحات أما حقيقتها فحسابات شخصية تتعلق بشخص نتنياهو وعدد من الوزراء في ائتلافه الحكومي؛ بهدف الإفلات من الملاحقات القضائية التي تطاردهم على خلفية تهم فساد، بما يضمن تأمين أنفسهم من المحاسبة والملاحقة.

من الزاوية الأخرى، وأمام تصاعد حالة الاستقطاب في "إسرائيل"، بدأت تتردد في الأوساط الإسرائيلية جملة من الأحاديث المتكررة لكبار المفكرين والأدباء اليهود عما وصفوه بالمستقبل الكئيب الذي ينتظر "إسرائيل"، ونهايتها المتوقعة، وخسارتها الوشيكة، ما جعلهم يكتبون ويحذرون من هذا المستقبل، إذ كتب المفكر جاكوب فلافينسكي لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، الآتي: "حالة الاستقطاب الإسرائيلي تؤكد بوضوح عمق الهاوية الاجتماعية التي تمزق إسرائيل منذ عقود، رغم أن الخلافات الإسرائيلية هي الانقسامات نفسها، والكراهية ذاتها القائمة منذ سنين، والحجج هي نفسها، حتى عبارة الحرب الأهلية ظهرت آنذاك، وكأن 40 سنة لم تمرّ منذ ذلك الحين، وقد تحدث بعضهم عن ظاهرة اليهود المنفيين في دولتهم، وعن البيت المحترق، والابتعاد عن الأمل والرؤية التي أنشأت إسرائيل".

وأشار فلافينسكي إلى أن "إسرائيل" وهي في عامها الخامس والسبعين أصبحت تخوض صراعاً مصيرياً من أجل صورتها، حول سيادة القانون وحقوق الإنسان، وقال: "إذا عدنا بالزمن مرة أخرى، فسوف نجد أن بعض شخصياتها وأدبائها مشككون للغاية بشأن إمكانية عيش حياة طبيعية، وكأنه لا جديد تحت الشمس، لأن فكرة النهاية المتوقعة والخسارة الوشيكة للدولة بات كثير من الإسرائيليين يتشبثون بها، سواء بذريعة التغييرات القضائية، وسابقاً فيروس كورونا، أو حالياً قرارات سياسية مهمة أو عسكرية مثيرة للجدل، وما دام أننا نعيش على هذه القطعة من الأرض، فستظل الخلافات بمنزلة موسيقى صادمة للإسرائيليين".

ويختتم فلافينسكي للصحيفة ذاتها: "اليهود إذا جمعتهم معاً فسيمزقون بعضهم، فضلاً عن الحديث عن الكارثة الاجتماعية المتوقعة، وهو ما لا يمكن الاستخفاف به، لأن التاريخ يؤكد أنه عندما كانت تخرج الأمور عن السيطرة، فقدت إسرائيل سيادتها على الأرض أكثر من مرة، صحيح أنه تم تأبينها مرات عديدة، لكن المهمة هي التأكد أن هذا النعي ليس بأثر رجعي، لأنه عندما لا تتحكم إسرائيل في نيرانها، فيمكن أن يحترق المنزل حقاً".

خلاصة مهمة، صحيح أن "إسرائيل" تمتلك قوة عسكرية واقتصادية كبيرتين، لكن مثل هذه القوة لا وزن ولا قيمة لها أمام نقاط ضعفها الذاتية، وهي كثيرة جداً، وسط تصاعد حالة الانقسامات والاستقطاب فيها بعد هذه العقود من تأسيسها، ناهيك بحالة عدم الاستقرار السياسي ونظام الدكتاتورية والمركزية المفرطة والفاشية والعنصرية والتطرف، كما أنها كبنية داخلية منقسمة متشرذمة وذاهبة إلى حالة أشد من الصراع والصدام غير المسبوق في ظل إصرار اليمين الديني المتطرف على إحكام السيطرة على كل مفاصل الدولة.

على ما يبدو، أن أزمة التظاهرات والصدامات ماضية إلى تفاقم أكيد، وهذا ما سيجعل المشهد في "إسرائيل" مفتوحاً على مصراعيه لكل السيناريوهات، لكن سيناريو خروج الأمور عن السيطرة بات متوقعاً في أي لحظة، والمزيد من الفوضى والصراع والحرب الأهلية أصبح سيناريو حاضراً بقوة، ويشكل هاجساً كبيراً لكل الأطراف والأوساط ذات العلاقة داخل "إسرائيل" بل وخارجها.