فلسطين تحاصر قمّة العقبة…
شوقي عواضة
لم يكد يُتلى البيان الختامي لقمّة العقبة التي انعقدت الأحد الماضي في الأردن بحضورٍ أميركيٍّ وأردنيٍّ مصريٍّ إضافةً إلى ممثّلين عن (السّلطة الفلسطينيّة) (والكيان الصّهيوني المؤقّت) حتى جاء الردّ على البيان من المقاومين الفلسطينيّين. ردّ ممهور بدماء الشّهداء ومصدّق بتضحيات المقاومين وبسالتهم. حيث خطّ المقاومون بيانهم بالرّصاص الحي في عمليّةٍ نفذوها في شارع التسعين في أريحا أدّت إلى مقتل مستوطنين اثنين على الأقلّ.
العمليّة جاءت ردّاً على القمّة بالدّرجة الأولى وتأكيداً لإرادة الشّعب الفلسطيني على خياره بالمقاومة واستمرار نضاله حتّى تحرير آخر شبرٍ من فلسطين كلّ فلسطين ليثبت على أرض الواقع مجدّداً أنّ تحرير الأرض لا يتمّ بالمفاوضات وأنّ كلّ ما جرى ويجري من قممٍ لم تكن يوماً لصالح الشّعب الفلسطيني بل على العكس تماماً إنّما كانت لمصلحة العدوّ من خلال محاولة القضاء على حركات المقاومة وفصائلها في فلسطين ولبنان، والشّواهد التّاريخيّة كثيرة منها قمّة شرم الشيخ عام 1996 وقمّة العقبة الأوّل عام 2003 حيث طرحت تلك اللقاءات والقمم عناوين مبهرة مثل تخفيف حدّة التّوتر والتوصّل إلى اتفاقٍ بين الكيان الصّهيوني المؤقّت والفلسطينيين أو ترسيخ السّلام. في حين أنّ المهمّة الأساسيّة لتلك الاجتماعات هو كبح وقمع العمل المقاوم والحدّ من العمليّات التي ترتفع وتيرتها بشكلٍ نوعيٍّ ممّا استدعى (حرّاس الكيان الصّهيوني المؤقّت) للدّعوة إلى عقد قمّة العقبة الأخيرة التي لم تكن مهمتها إلّا كمهمات سابقاتها من القمم التي حضرتها نفس الأطراف لهدفٍ واحدٍ وهو تصفية المقاومة، ومحاولة لتخفيف وتيرة تصعيد العمليّات العسكريّة التي تتعرّض لها قوّات الاحتلال الصّهيوني وقطعان المستوطنين وسط انقسامٍ سياسيٍّ حادٍّ بين المعارضة الصّهيونية التي يقودها يائير لابيد الذي اتهمّ الائتلاف الحاكم بأنّه سيدفع (بإسرائيل) إلى حربٍ أهليّةٍ بعد موافقة الكنيست (الإسرائيلي) على تعديلاتٍ مرتبطةٍ بالنظام القضائي أدّت إلى مواصلة عشرات الآلاف من (المستوطنين) الخروج للاحتجاج على القانون وسط انقسامٍ سياسيٍّ قد يؤدّي إلى إضعاف الكيان الصّهيوني، وبالتالي إلى إسقاطه وفقاً لما صرّح به رئيس الكيان الصّهيوني المؤقت يتسحاق هرتسوغ: «قد تنحدر إسرائيل إلى هاويةٍ كبيرةٍ، بينما يمكننا التوصّل إلى اتفاقٍ وحلٍّ واسعٍ»، في حين عبّر الرئيس السّابق (للاستخبارات الاسرائيليّة الشاباك) يوفال ديسكين حيث أعلن «أنّ الكيان المؤقت يشهد في عهد حكومة نتنياهو تدهور الأمن القومي إلى أدنى مستوى له، ربما يكون الأسوأ في تاريخنا… هذه ليست حكومةً يمينيّةً كاملة، إنّها حكومةٌ إرهابيّةٌ كاملة ـ قد ينتهي بنا المطاف لبداية حربٍ أهليّةٍ بسبب هذه الحكومة البائسة، لقد فككوا وحدتنا».
كلّ ذلك يجري في ظلّ تصعيد المقاومين الفلسطينيين لعمليّاتهم النوعيّة في الداخل رغم كلّ ما تتخذه الأجهزة الأمنيّة والاستخبارات والجيش من إجراءاتٍ أمنيّةٍ وما تقوم به من حملات اعتقال أثبتت فشلها في الحدّ من العمليّات أو إيقافها إضافةً إلى فشلها الذريع بل وعجزها عن حماية (مستوطنيها) وجنودها من عمليّات الطّعن والدهس وعمليّات إطلاق النار وحتى عمليّات رشق الحجارة. فشل الاحتلال عبّر عنه قائد القيادة المركزيّة في جيش العدوّ للقناة 13 العبريّة معرباً عن فشله في الاستعداد للحدث في منطقة حوارة. ستكون هناك تحقيقات وستكون هناك اعتقالات، فشل أكّده أيضاً قائد القيادة الوسطى في جيش العدو الإسرائيليّ الجنرال يهودا فوكس في مقابلةٍ مع نفس القناة مشيراً إلى أنّهم يعتقلون كلّ أسبوع خلايا مسلّحة تخطط لإلحاق الأذى (بالمستوطنين)، فشل وإخفاق العدو استدعى أجهزة الاستخبارات إلى المتابعة الدّقيقة لمواقع التواصل التي تحوّلت إلى مراكز تدريب وتحريض على القتال ضدّ جيش الاحتلال الاسرائيلي على حدّ وصفهم في إشارة إلى وجود تنسيق بين فصائل المقاومة في فلسطين وحزب الله وهو ما عبّر عنه رئيس شعبة (أمان) السابق عاموس يادلين فقد أشار إلى «أنّ نصر الله يجلس ويدعو إلى بيت العنكبوت فهم ليسوا بحاجة إلى تطوير صواريخ دقيقة لأنّنا نحن نتآكل من الداخل قمنا باعتقالاتٍ، ولا زلنا نقوم باعتقالاتٍ».
بالرّغم من كلّ ذلك ثمّة حقيقة ثابتة وواقعٌ تاريخيٌّ مدمغٌ وواضحٌ بات يدركه الصّهاينة وهو أنّ لا خيار أمامهم سوى مواجهة الموت المتعدّد الأوجه والأشكال وأنّ الشّعب الفلسطينيّ ماضٍ بخياره الذي لن تثنيه عن مواصلته لا قمم ولا مؤتمرات مهما كانت التّضحيات…