هل ستُصبح إيران قُوّةً نوويّةً في غُضونِ أسابيع؟
وهل اعتِرافُ رئيس الـ”سي آي إيه” بهذه الحقيقة جِديًّا أمْ تبْريرًا للضّربة “المُتوقّعة”؟ وما هي “المُسيّرة” الإيرانيّة الجديدة التي تحمل اسم “غزّة” وتُثير قلق واشنطن؟
وماذا عن الصّاروخ “باوه” الأسرع من الصّوت 13 مرّة؟ وأين الجِنرالات العرب مِن كُل هذا؟
عبد الباري عطوان
أكّد وليام بيرنز مُدير وكالة المُخابرات المركزيّة الأمريكيّة “سي آي إيه” اليوم ما ذكره مُفتّشو الوكالة الدوليّة للطّاقة النوويّة، “أن إيران باتت قادرة على تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 90 بالمئة خِلال أسابيع، وأشار أيضًا إلى أن تطوير برامج صواريخها الباليستيّة مُستَمرٌّ على قدمٍ وساق، الأمر الذي يُفاقم المخاوف الدوليّة”.
هذه النّبوءة “الصّادمة” وشِبه الدّقيقة، التي جاءت من مصدرين مُهمّين في الغرب، وكالة الطّاقة الذريّة، ووكالة الاستِخبارات الأمريكيّة، لم تُفاجئنا نحن الذين قُلنا في اليوم الأوّل لبدء مُفاوضات فيينا للعودة للاتّفاق النووي قبل أكثر من عامين، بأنّ إيران تُراهن على كسْبِ الوقت، ولن تعود إلى هذا الاتّفاق مُطلقًا، وإن دونالد ترامب، بانسِحابه من الاتّفاق عام 2018 قدّم لها، ولمُرشدها الأعلى السيّد علي خامنئي، هديّةً لم يَحلُم بها بالإقدام على هذا الانسِحاب بتَحريضٍ من بنيامين نِتنياهو صديقه الحميم، وصِهره المُدلّل جاريد كوشنر.
في أواخِر نيسان (إبريل) عام 2021، وقبل ما يقرب ستّة أسابيع تقريبًا من الانتِخابات الرئاسيّة الإيرانيّة، دُعيت للمُشاركة في برنامجٍ تلفزيونيّ أسبوعيّ مُهم بثّته إحدى أبرز قنوات محور المُقاومة، وكان شريكي في البرنامج مُحلّل لبناني مُقرّب جدًّا من “حزب الله”، اختلف معي بقُوّةٍ، وأيّده مُقدّم البرنامج لتأكيدي بأنّ إيران لن تعود إلى الاتّفاق النووي مُطلقًا، وستُراهن على عامل الوقت، وقال إنّ معلوماته تُؤكّد أن إيران ستُوقّع الاتّفاق المذكور الذي باتَ جاهزًا، وأن الرئيس حسن روحاني سيُكلّل فترتيّ حُكمه برفع الحِصار عن إيران، واستِعادة العلاقات الأمريكيّة الإيرانيّة إلى أبهى عُهودها، وجاء ردّي الذي اختتمت فيه مُداخلتي مُختصرًا، بأنّ إيران ستُصبح قُوّةً نوويّةً، وأن السيّد إبراهيم رئيسي المُرشد سيفوز في الانتِخابات، وأتمنّى على مُقدّم البرنامج أن يستضيفني في حلقةٍ جديدةٍ حول الموضوع نفسه بعد بضعة أشهر، حتّى أعتذر علنًا إذا كانَ تحليلي خاطئًا، وما زلت، وبعد عامين، أنتظر أن يفي بوعده.
إيران تجاوزت مرحلة كونها دولة عتبة، وانتقلت إلى نادي الدّول النوويّة، ونجحت فِعلًا، وبالوقائع في تطوير برامجها الصّاروخيّة الباليستيّة الأسرع من الصّوت، وكذلك إنتاج طائرات مُسيّرة تُعتبر الأحدث تطوّرًا في العالم بأسْرِه، وسنشرح ذلك لاحقًا.
لا اعرف كيف عرف المستر بيرنز رئيس الـ”سي آي إيه” بأنّ المُرشد الأعلى السيّد خامنئي لم يتّخذ قرارًا بعد بالإيعاز لمُؤسّسته العسكريّة بإنتاج أسلحةٍ نوويّة، فإذا كان هو، وزُعماء أكثر من 16 جهاز مُخابرات أمريكي، لم يعرف بأنّ إيران ضحكت عليهم، وخدعتهم، لأكثر من عامين من المُفاوضات في فيينا، وحصلت منهم على تنازلاتٍ كثيرة استراتيجيّة، تجاوبًا مع شُروطها، ولم تعد للاتّفاق، فكيف عرف أن السيّد المُرشد لم يُصدر قرارًا بعسكرة البرنامج النووي الإيراني؟ ثمّ مَن هو الذي أصدر التّعليمات برفع نسبة التّخصيب من 3.5 بالمئة إلى 86.4 بالمئة، مثلما قال المُفتّشون الدوليّون بعد حُصولهم على عيّناتٍ تُرابيّة من مناطقٍ مُحاذية لمُنشأة فوردو النوويّة المدفونة في وسط جبل قُرب مدينة قُم وتُؤكّد هذه النّسبة؟
إيران تنفي كعادتها تجاوز سقف النّسب التي تُؤهّلها لإنتاجِ قنابلٍ نوويّة، ولكنّها لا تتردّد في الاعتِراف بالتقدّم الكبير الذي حقّقته على صعيد برامجها الصاروخيّة الباليستيّة المُتطوّرة واللّازمة لحمْل رُؤوسٍ نوويّة في المُستقبل القريب جدًّا، وقاومت بصَلابةٍ ضُغوط أمريكا ومُغرياتها لإدراج هذه البرامج على جدول المُفاوضات النوويّة، ويُمكن تلخيص هذا التطوّر بالاستِناد إلى الحقائق التّالية:
بثّ التّلفزيون الرسمي الإيراني يوم أمس السبت، لقطات حيّة تُظهر الصّاروخ الباليستي المُجنّح “باوه” الجديد الذي تفوق سُرعته الصّوت بأكثر من 13 مرّة، ومداه 1650 كيلومترًا، ومن مُميّزاته صُعوبة تتبّعه من قِبَل منظومات الدّفاع الصّاروخي للعدوّ.
ثانيًا: بثّ البرنامج التلفزيوني نفسه، مشاهد تُظهر تحليق الطّائرة المُسيّرة “شاهد 149” التي تحمل اسم “غزّة” التي تُعتبر واحدة من أهم المُسيّرات الاستراتيجيّة عالميًّا، ويصل باع جناحيها 21 مترًا، وتطير على ارتفاع 10668 مترا، وقادرة على حمل شُحنة بوزن 500 كيلوغرام، وتصل سُرعتها إلى 350 كيلومترًا في السّاعة، وتزيد مُدّة طيرانها عن 35 ساعة مُتواصلة.
ثالثًا: أعلن العميد أمير حاجي زادة قائد القُوّة الجيوفضائيّة في الحرس الثوري أن الحرس سيكون قادرًا على قصف السّفن الحربيّة الأمريكيّة على بُعد 2000 كم في المُحيط الهندي، والبحرين الأحمر والمتوسّط.
نُقدّم هذه المعلومات التي من المُؤكّد أن مُعظم، إن لم يكن، كُل المُخابرات الأمريكيّة والأوروبيّة تعرفها جيّدًا، إلى مُعظم الجِنرالات العرب المُزيّنة صُدورهم بالأوسمة والنّياشين، وهُم الذين لم يخوضوا حربًا واحدة، وإن خاضوها فلم يخرجوا منها إلا مهزومين، هؤلاء الذين تلتهم مُؤسّساتهم وجُيوشهم العسكريّة مُعظم الميزانيّات لبُلدانهم، ولم يُنتجوا طلقةً واحدة، ناهِيك عن الصّواريخ والمُسيّرات المُتقدّمة.
نحن كعرب بحاجةٍ إلى قِياداتٍ وطنيّة شابّة جديدة، تُلغي مُعظم أو جميع السّياسات الداخليّة والخارجيّة المُنتهية صلاحيّتها فورًا، فنحن نعيش حاليًّا مرحلة الذّكاء الاصطِناعي، ومرحلة التّغيير الجذري في مراكز القِوى إقليميًّا ودوليًّا، وليس هُناك بديل عن الاستِعانة بأهل الخبرة، واجتِثاث الفساد، وهذه هي خريطة الطّريق التي اتّبعتها إيران وجعلت منها قُوّةً إقليميّةً تستعين بمُسيّراتها وصواريخها قِوى عُظمى.. والأيّام بيننا.