kayhan.ir

رمز الخبر: 165496
تأريخ النشر : 2023February15 - 20:22

مظاهر الرحمة الإلهية في البعثة النبويّة

 

 

الشيخ ميثم الفريجي

 

 (لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ) ال عمران: 164

المبعث النبوي، مصطلح ديني يشير إلى تنصيب النبي محمد (صلى الله عليه واله) لمقام النبوة والرسالة وتبليغ الإسلام لهداية الناس، وإقامته لهم علما هاديا مهديا مبشرا نذيرا، وقد كانت البعثة في غار حراء الواقع في جبل النور القريب من مكة، وذلك في 27 رجب، للسنة الثالثة عشرة قبل الهجرة؛ طبقاً لما هو المعروف والمشهور عند علماء الإمامية.

إنَّ يوم المبعث النبوي الشريف يوم عظيم في تاريخ البشرية، إذ بُعث فيه النبي (صلى الله عليه واله) برسالة الإسلام، وحياة جديدة، وثقافة جديدة، ومجتمع جديد، فغيّر ثقافة المجتمع وفق مبادئ وقيم وأخلاق الإسلام، بلْ أحدث نقلة نوعية في حركة التاريخ كلّه، بعد أنْ كان المجتمع قبل البعثة يعاني من أمراض الجهل والتخلف والخرافة والأساطير والأوهام، فبدأ يعمل على تزكية النفوس وتهذيب الأخلاق، وتعليم الناس وتربيتها، وحمل مشعل العلم والمعرفة لتنمية عقولهم، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) الجمعة: 2، فبتزكية النفوس، ونشر العلم والمعرفة تتقدَّم الأمم، وتتطوّر المجتمعات الإنسانية

فكانت تجلّيات مظاهر الرحمة الإلهية في المبعث النبوي الشريف كثيرة وعظيمة ولا يمكن استيعابها بكلمات قليلة، حيث استطاع النبي (صلى الله عليه واله) في فترةٍ تاريخيّة وجيزة تحقيق أعظم الإنجازات وتقديم الخير الكثير للأمّة جمعاء، ومن ذلك: التحوّل الكبير الذي حصل في الأمّة على جميع المستويات، فضلا عن سماحة الشريعة، والأمان للناس من نزول العذاب، ببركة وجوده الشريف حتى عرفت الأمة بالأمة المرحومة به (صلى الله عليه واله)، صاحب الشريعة السمحاء، وقد نقل الأمة من عبادة الأوثان إلى عبادة الله الواحد الأحد، بعد أنْ كانوا في ضياعٍ وتيه وضلال وانحراف، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) : (أرسله وأعلام الهدى دارسة ومناهج الدين طامسة)، وقال (عليه السلام): (بعثه حين لا علمٌ قائم ولا منارٌ ساطع ولا منهجٌ واضح)، وقال(عليه السلام) : (إنّ الله تعالى بعث محمّدًا (صلى الله عليه واله) نذيراً للعالَمين، وأميناً على التنزيل،وأنتم معشر العرب على شرّ دين وفي شرّ دار، منيخون بين حجارةٍ خُشن وحيّاتٍ صُم، تشربون الكدر وتأكلون الجشب، وتسفكون دماءكم، وتقطعون أرحامكم...)، فقضى النبيّ (صلى الله عليه واله) على كلّ هذه القيم الجاهليّة، ونقلهم إلى مصاف الأمم الراقية، فامتلكوا الحضارة والعلم، وسادوا الأمم

بعد أن كانت الأمة تعيش حالة الجهل والضياع، ويغمرها الظلام فجاء محمّد بن عبد الله (صلى الله عليه واله) ليكون كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) الإمام علي: (ابتعثه بالنّور المضيء والبرهان الجليّ والمنهاج البادي والكتاب الهادي حتّى دخل النّاس في الإسلام أفواجًا أفواجا)، و (أشهدُ أنّ محمّداً عبدُه ورسوله، أرسله بالدِّين المشهور، والعِلْم المأثور، والكتاب المسطور، والنور الساطع، والضياء اللاّمع، والأمر الصادع؛ إزاحةً للشُّبُهات، واحتجاجاً بالبيّنات، وتحذيراً بالآيات، وتخويفاً بالمَثُلات، والناس في فتنٍ انجذب فيها حبلُ الدِّين).

الملامح البارزة في شخصية الإمام الكاظم (عليه السلام)

عمار كاظم

الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) هو سليل النبوّة ووارث علوم أهل البيت (عليهم السلام) في عصره.. فهو تلميذ أبيه الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أُستاذ الشريعة وإمام العلماء، ولقد كان عصره عصراً زاخراً بالتيارات والمذاهب الفلسفية والعقائدية والاجتهادات الفقهية ومدارس التفسير والرواية، وكانت تلك الفترة من أخطر الفترات التي عاشها المسلمون، فقد تسرب الإلحاد والزندقة ونشأ الغلو وكثرت الفرق الكلامية التي حملت آراء وأفكار اعتقادية شتّى، وتعدّدت مذاهب الفقه ودخلت علوم عديدة في استنباط الأحكام واستخراجها كالمنطق والفلسفة والكلام وعلوم اللغة، كما وادخل القياس والاستحسان والعمل بالرأي وحابى بعض الفقهاء والقضاة الحكّام باستنباطهم وقضائهم ورُويت الأحاديث المدسوسة والأخبار المزيفة، فكانت هذه الفترة الزمنية فترة خطرة في وجود الإسلام العقائدي والتشريعي.

ولُقِب الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) بـ«العبد الصالح وزين المتهجدين» لكثرة عبادته وتهجده، و«الكاظم» لشدّة تحمّله، وصبره على الأذى، وكظمه للألم والغيظ، ودماثة خلقه، ومقابلته الإساءة بالإحسان، و«باب الحوائج» لوجاهته عند الله وعلو مقامه، وقضاء الحوائج. كما حُمِّل (عليه السلام) الأمانة بعد أبيه الإمام الصادق (عليه السلام) ونهض بأعباء الإمامة وحفظ علوم الشريعة وقام بنشرها وربّى جيلاً من العلماء والرُّواة والمحدثين وسجّل لنا التاريخ مناظرات علمية دارت بينه وبين رجال الفكر والفقه في عصره ورغم أنّ ظروف الإمام السياسية كانت صعبة للغاية من حصار وتضييق ومراقبة وحبسه في السجون والمعتقلات إلّا أنّه لم يترك دوره ومسؤوليته، فقد ساهم (عليه السلام) مساهمة فعّالة في إيقاف الانحراف الذي حملته بعض تيارات الفلسفة والعقائد وعلم الكلام المتأثرة بالغزو الفكري والشطط العقائدي.

حوّل الإمام (عليه السلام) إقامته في السجن إلى فرصة للعبادة المتواصلة كما كانت حالة خارج السجن التي يعيش فيها الفرح الروحي مع الله، ليعطي (عليه السلام) درساً للمؤمنين الذين تفرض عليهم ظروفهم القاسية دخول سجون الظالمين، ويتعرّضون للكثير من الضغوطات القاسية ممّا يمارسه السجانون عليهم ليسقطوا مواقفهم ويهزموا روحياتهم. يحتاج العاملون إلى استلهام السلوك العبادي الذي كان يعيشه الأئمّة الطاهرين (عليهم السلام) الذي يرتفع بالإنسان المؤمن إلى آفاق الروحانية العليا التي تجعل العلاقة بالله هي الغاية العظيمة التي يتحرّك نحوها في ما يريده لنفسه من حركة وحياة في الاتجاه العملي الذي يعدّ نفسه له في القيام بمهمّة خدمة الإسلام في الدعوة لله والجهاد في سبيله والعمل الدائب من أجل إعادة الإسلام إلى الحياة على مستوى المنهج والشريعة والحركة الشاملة.

فقد ورد في التاريخ أنّ هارون الرشيد عندما أرسل الإمام الكاظم (عليه السلام) إلى البصرة وسُجن فيها سنة كاملة عند أحد أقرباء الرشيد، وهو عيسى بن موسى وقد راقب الإمام الكاظم (عليه السلام) طوال مدّة اقامته في السجن، هل يتألم من وضعه؟ وما هي انفعالاته؟ فكان لا يراه إلّا مشغولاً بعبادة الله ولم تبدر منه أيّة كلمة تجاه هذا الشخص الذي تولى حبسه ولا بالنسبة إلى الرشيد.. حيث كان منصرفاً إلى العبادة والتضرّع إلى الله تعالى ولما طلب الرشيد من عيسى بن موسى أن يقتله كتب إليه: «يا أمير المؤمنين، كتبتَ إليَّ في هذا الرجل، وقد اختبرتُه طولَ مَقامِه بمَن حبستُهُ معه عَيْناً عليه، لينظروا حيلته، وأمره وطويته ممّن له المعرفة والدراية، ويجري من الإنسان مجرى الدم، فلم يكن منه سوءٌ قط، ولم يذكر أمير المؤمنين إلّا بخير، ولم يكن عنده تَطلّع إلى ولايةِ، ولا خروج ولا شيء من أمرِ الدُّنيا، ولا دعا قط على أمير المؤمنين، ولا على أحدٍ من الناسِ، ولا يدعو إلّا بالمغفرةِ والرحمةِ له ولجميع المسلمين، مع ملازمته للصيامِ والصلاةِ والعبادةِ، فإن رأى أمير المؤمنين أن يعفيني من أمره أو ينفذ مَن يتسلمه منّي وإلّا سرحت سبيله، فإنّي منه في غاية الحرج».