kayhan.ir

رمز الخبر: 164912
تأريخ النشر : 2023February04 - 21:44

الريح تخطو ببطء

 

حسين شريعتمداري

1 ـ قالوا ان علياً (ع) شديد المراس، وصدقوا فيما قالوا! فقد كان علي شديداً ولكن هذه نصف الحقيقة فللعملة وجهان، إذ لم يفصحوا عنها. فعلى من كان يتشدد علي؟! أعلى الطفل اليتيم الذي يضعه على متنه ليسير به راكبا ليزيل عنه غم فقدان الاب، وحين يسمع ان السرّاق قد سلبوا خلخالاً من قدم امرأة كتابية يقرب وجهه لنار مسعّرة في التنور ويردد، فان مات امرئ بعد هذا أسفاً ما كان به ملوما. وفي الليل يحمل اكياس الخبز والتمر بعيداً عن أعين الناس ليطوي الازقة المظلمة ولا يبقى شخص جائعا في بيته، فلا يعرف به احد ويمسح عرق جبينه بردائه. فيغطي وجهه بكمه... ويسير الريح بطيئاً بإشارة من علي كي لا يفيق طفل من نومته و...

ويكتب "جورج جرداق" الكاتب المسيحي صاحب كتاب "علي صوت العدالة الانسانية"؛ كل ما جاء من فضائل علي وحبه للناس ـ وبحد ذاته هو خارج عن العد والاحصاء ـ لهو غيض من فيض وقطرة من بحر علي. ويبين جورج جرداق رأيه ويشير لهذه الحقيقة المرة، ليقول؛ ان الكثير من فضائل علي (ع) اخفاها العدو لحقده والصديق تقية فلم تذكر الى يومنا هذا.

2 ـ في اوائل ايام خلافته الظاهرية زاره ليلا العديد من الخواص المفتونين بحلاوة الدنيا وزبرجها، ليوجهوا سيل عتابهم، بان لماذا تقسم بيت المال بشكل متساو؟! ولماذا لا تعطي الخواص والاشراف حصة اكبر؟! فاستشاط الامير غضباً وقال؛ وهل تطلبون مني النصر بالجور بظلم حق الناس في حكومتي عليهم؟ واقسم بالله لوكان المال لي لقسمته سوية بين الناس كيف وهو مال الله و...

نعم كان علي شديداً ولكن ليس مع الشعب وانما بالتقسيم سوية على عمال الحكومة الذين هم موظفون في العمل خدمة بخلق الله، اذ يقول؛ فانهم اما اخ لك بالدين، او نظير بالانسانية. ومن جانب آخر كان يتشدد على الخواص الملوثين، اصحاب الثروة غير المشروعة ومن لف لفهم، فهؤلاء من كانوا يخافون من تشدد علي مولى المظلومين، ويحمّلوا اضطرابهم من عدل علي حساب قلق الشعب! بالضبط كما يحصل هذه الايام...

3 ـ في التاسع من صفر عام 37 للهجرة وفي معسكر صفين وقعت حرب طاحنة، بعد دقائق من غروب الشمس استشهد عمار (في الثالثة والتسعين من عمره) وهو الصحابي الوفي للرسول ولامير المؤمنين، الا ان جيش معاوية وبالرغم من تعرضه لاندحار ثقيل وتهيؤه للهزيمة، وقد قضى الليل مضطربا خوف هجوم اخير فكانوا يأنون كأنين الكلاب، ومن هنا سميت تلك الليلة بليلة الهرير ـ اي ليلة عواء الكلاب ـ، وفي صبيحتها استؤنف القتال ليقود جيش علي "مالك الاشتر" فخرق قلب جيش الشاميين ليصل الى خيمة معاوية السوداء ـ وتشبه البيت الابيض في يومنا ـ الا ان جيش معاوية حملوا المصاحف على الرماح تنفيذا لحيلة عمرو بن العاص. فيما نادى علي قائد جيشه مالك الاشتر اثر هذه الخديعة التي انطلت على بعض ضعاف القلوب...، ان اترك تلك الوجهة من القتال وعد ادراجك... اذ الوجهة الاخرى فيها العديد من اشباه معاوية!

فاخذت مالك الحيرة... فهو قلق على مستقبل الاسلام... وله الحق في ذلك!

4 ـ قبل سنوات اوردنا في واحدة من المقالات بانه "ثلاثة تيارات وقفت في وجه امير المؤمنين (ع) بالعداء والخصومة؛ الناكثون والمارقون والقاسطون؛ فالناكثون ـ اصحاب الجمل كطلحة والزبير ـ فاراد بعضهم علياً ولكن من دون عدله! والمارقون ـ وهم الخوارج ـ الذين ارادوا العدل في غير علي (ع). والقاسطون ـ معاوية ومن لف لفه ـ الذين لم يريدوا علياً ولا العدالة.

وهذه التيارات وان رفعت شعار الاسلام، ولكن عادت علياً (ع) وحقدوا عليه لا لشيء إلا لتمثله بالاسلام المحمدي الاصيل واصراره على "العدالة العلوية" والتي هي ترجمة دون ادنى اختلاف للعدالة النبوية. فالامر الذي نعتبر منه ونستل دروسه هي شهادة لا لبس فيها ولا لغط تاريخي، ان الناكثين والمارقين، وليس في مرحلة حكومة علي (ع) الملتهبة وحسب بل في جميع المراحل كانا بخدمة القاسطين ويسيران على خطاهم، فطلحة والزبير من الناكثين قد وقفا قبال علي (ع) في حرب الجمل نيابة عن معاوية. فيما كان شمر في كربلاء الذي احل الرذيلة بحق ابن رسول الله(ص)، من الخوارج ويحمل اعاقة في حرب صفين، وكذلك ابن ملجم المرادي. ولم تبعد المسافة علينا؟ ألم يكن قادة فتنة عام 2009 والعديد من مسببي تلك الحادثة، مجموعة ملفقة من الناكثين والمارقين، كانوا في البدء كما اسلافهم ادعياء بوفائهم لخط الامام (ره) والاسلام الاصيل حقاً أم تصنعاً، الا انهم انخرطوا جهاراً في جبهة قاسطي الزمان اي المثلث المشؤوم ، اميركا واسرائيل وبريطانيا؟! فهذه المجموعةفي الوقت الذي كانوا في البدء ادعياء بالتزامهم خط الامام (ره) الا انهم خلال احداث الفتنة وجهوا علناً الاهانة لسماحة الإمام، ولم يرعووا لقدسية مكانة الامام الحسين (ع) إِلّاً، فشهروا نيابة عن اميركا واسرائيل السيف بوجه الاسلام الاصيل، ليصطفوا مع بؤر الفساد والضلال كالمنافقين والبهائيين والماركسيين ودعاة السلطنة وعبدالملك ريغي والمتأثرين بالغرب و... في صف واحد؟! و...".

5 ـ إن مالك يملؤه الهم، اذ يرى علياً مظلوماً وهو في قمة اقتداره. فيمسح قطرات الدمع على خديه، ويتجه صوب عمار "ليتنا نأخذ بعلي (ع) لعصر تعرف الناس منزلته ويشقوا طريقه برحابة صدر". فما من عمار الا ويسلي مالك قائلا؛ "ان هذه الايام التي تتمناها في الطريق، فقد سمعت من رسول الله (ص) وصف قوم هم في اصلاب الرجال وارحام النساء، وحين نصل هذه الفترة التي تمنيتها، سيجتمعون تترا وهم يلبون النداء، فهم اُناس عبروا الانا فلا يضمرون الخوف في الرؤوس ولا القلوب ولاغم ماكان او يكون، فهم تأبطوا الاسلام المحمدي الاصيل (ص). ويعتبرون علياً امامهم ومولاهم ومقتداهم. فهم يخرقون سقف نظام الهيمنة المظلم ليصفوا برنامجاً جديداً. وحينها حيث وعد الرسول (ص)، سينتاب اللصوص الذين يرون في نهاية عمر حكومة علي نهاية للاسلام سينتابهم الخوف في مواجهة اصحاب علي في آخر الزمان، ليستنفروا جميع انصارهم كمصداق لـ "الكفر ملة واحدة" ليهجموا من كل حدب وصوب، ليعيدوا مرة اخرى معارك؛ الجمل وصفين ونهروان، ولكن هذه المرة ليس كالجمل والناكثين لهم قدرة الصمود، وليس مثل صفين ليخدعوا برفع الصحف على الرماح، ولا كفتنة النهروانيين ليضلوا الطريق، وعندها يصرخ الشيطان ليصيح على زعماء جيوش الانس والجن بأن "لماذا القعود؟! فالاسلام مرة اخرى وبعد الف واربعمائة عام قد شق حصار التاريخ ليسجل حضوره الميداني".

6 ـ وهكذا بدأ "عصر الخميني"، العصر الذي تمناه مالك وبشر به عمار، فيما قال سماحة روح الله في وصف رجال هذا العصر؛

"انا ادعي وبجرأة بان الشعب الايراني وجماهيره المليونية في هذا الزمان افضل من شعب الحجاز في عهد رسول الله(ص) واهل الكوفة في زمن اميرالمؤمنين(ع)"...

وكم هي مناسبة كلمة "محمد حسنين هيكل" الكاتب والاعلامي المصري الشهير. فهو يكتب عن اول لقاء له في طهران بالامام الخميني (ره) بعد الثورة الاسلامية، ليقول؛ "رايت احد اصحاب رسول الله(ص) وكأنه عبر نفق الزمان من 1400 عاما ليصل عصرنا الحالي ويستجمع جيش علي الذين تفرقوا بعد شهادته ليجلس الاسلام المنسي مرة اخرى على كرسي حكومة عدل علي، فاني ارى في محياه هذه الامكانية".

7 ـ وهذا القول لا ادري مصدره، فقد قرأته في مكان ما واودعته فؤادي، انه حديث حكمة فيصل لكل الازمنة... "اذا ما قارنونا بسيرة اميرالمؤمنين(ع) ويعتبوا علينا لهو اعذب من ان نقاس بسيرة الليبراليين ويمتدحونا". فالامام الراحل(ره) وخلفه الحاضر، قد استلما هذه الوصفة، حين صمدوا لـ 44 عاماً قبال الحاقدين ومثيري الحروب من جميع القوى الدولية الصغيرة والكبيرة، وكما قال الشاعر حافظ "لقد تخطينا من عالم العدم الى اقليم الوجود".

8 ـ ولنلقي نظرة عابرة الى ما حولنا من الاوضاع في العالم. فما الذي نراه؟

فحسب "جيمز ولسلي ـ الرئيس الاسبق للسي آي ايه ـ ان محور الاسلام المقتدر ، والذي تزعمه الخميني والخامنئي، يتحدى القطبية العالمية.

وبحسب "برجنسكي" في اجتماع للآتلنتيكي، فان التاريخ قد بلغ منعطفا كبيرا، قد نصب علامات مروره الخميني والخامنئي (والملفت ان سماحة القائد قد حدّث عن المنعطف التاريخي الكبير قبل ذلك). فيما ينفث نتنياهو بانفاسه، صارخاً؛ "في الشرق الاوسط اينما اوجه نظري اشاهد الخميني والخامنئي اذ فرشا خيمتها".

كما ان "آلوين تافلر" الذي يؤيد رأي سماحة القائد وقد اعتراه الاسف والهلع قائلا؛ إن هذا العصر هو عصر الخميني.