"حكومة المجانين" الصهيونية.. وتسريع وتيرة انهيار الكيان
إيهاب شوقي
شكّلت عملية القدس البطولية مفصلًا تاريخيًا ومصداقًا لخيار المقاومة وتأكيدًا مضافًا ليقين كل حرّ بأن هذا الكيان الصهيوني يسير بخطى ثابتة نحو الزوال.
وقد أثبتت الحوادث وتطوراتها صحة رؤية المقاومة وسماحة السيد حسن نصر الله عندما وصف الحكومة الصهيونية الجديدة بـ"حكومة المجانين"، متفائلًا بأنها ستقود العدو إلى الفشل وتسرع من وتيرة انهياره.
الفشل الصهيوني مركّب ويتمثل في عدة أبعاد، وله دلالات عامة تنعكس على الوضع الراهن بعد التطورات الحاسمة الأخيرة.
أولًا: الفشل الصهيوني المركّب
حققت التطورات الأخيرة بداية من تصعيد العدو وعدوانه وارتكابه للمجازر، وصولًا لعملية القدس البطولية التي نفذها الشهيد البطل خيري علقم، وما تبعها من ردود فعل صهيونية، فشلًا صهيونيًا مركّبًا على هذه المستويات:
1- فشل على المستوى الأمني والاستخباراتي
المراقب لتقارير العدو يرصد معضلة أمنية كبرى في الضفة والقدس، وتحديدًا منذ تنامي المقاومة بالضفة وتشكيل تنظيم "عرين الأسود"، حيث تتمثل إشكالية العدو في نوعية العمليات وطبيعة التنظيمات.
وعلى الصعيد النوعي، هذه النوعية التي تندرج في الأدبيات الأمنية تحت عنوان "الذئاب المنفردة"، يصعب توقعها والسيطرة عليها ونصب أمكنة لها، حيث يتحول أفراد الكمين إلى هدف، وهو ما خلق عجزًا صهيونيًا وحيرة بين انتظار الهجوم على المستوطنين المغتصبين أو نصب الحواجز لتصبح في ذاتها هدفا للهجوم.
وعلى مستوى طبيعة التنظيمات، فإن تشكيلات المقاومة الجديدة بالضفة تتميز بحداثة العمر من جهة، وعدم الانتماء للفصائل التقليدية، من جهة أخرى، وبالتالي لا يمتلك العدو أي معلومات أو سجلات أمنية، وهو ما يشكل عجزًا استخباراتيًا كبيرًا.
والأهم هنا، هو جغرافية المقاومة والتي انتشرت في الضفة، بعد أن حاول العدو تدجينها عبر التنسيق الأمني مع السلطة، وفي القدس، والتي يحاول العدو ابتلاعها وتفريغها من الهوية الفلسطينية وتهويد المقدسات بشكل قسري.
هنا فشل العدو في إيجاد مقاربة أمنية، حيث تصطدم جميع ممارساته بجدار الصمود والمقاومة، وتؤدي جميع سياساته ومجازره إلى نتائج عكسية.
ويكفينا الاسترشاد بمثال واحد للتدليل على هذا الفشل، حيث روّج إعلام العدو في أعقاب المجزرة الأخيرة التي ارتكبها في جنين، لمقولة أن العملية في جنين "حالت دون وقوع عملية دامية خطيرة للغاية"، مشيرًا إلى أن قوات الأمن رفعت حالة التأهب في غلاف غزة خشية إطلاق صواريخ بسبب الأحداث الجارية في جنين.
بينما وجدنا أن الرد البطولي على مجزرة العدو، جاء بعملية القدس البطولية التي وصفها العدو بأنها قاسية ولم تحدث منذ سنوات، وهو أكبر مصداق على النتائج العكسية التي تؤدي لها ممارسات العدو!
2- فشل على المستوى الاستراتيجي
بملاحظة أن الهدف الاستراتيجي للعدو يتمثل في ابتلاع القدس وتهويدها وتوسيع دائرة الاستيطان واحداث تغيير ديموغرافي لجلب المزيد من المستوطنين وحصار الشعب الفلسطيني في كانتونات مقطعة والقضاء على فكرة المقاومة وروحها ببث اليأس وخلق أمر واقع يقود للاستسلام، فإن هناك فشلًا ذريعًا لهذا الهدف، حيث تنامت روح المقاومة وبات المستوطنون هم المرعوبين والمحاصرين، ونشأت تنظيمات جديدة للمقاومة، وتحولت المخيمات إلى روافد للأبطال، مثل مخيم شعفاط، وتوسّعت دوائر الغضب وباتت المستوطنات هدفًا، ناهيك عن استدعاء معادلة "سيف القدس" عند كل مواجهة بالضفة، وهو ما ينذر بتوسيع المواجهة واشتعالها من غزة إلى القدس بين أي لحظة وأخرى.
3- فشل على مستوى الأمن القومي
المراقب لأحدث تقرير من تقارير الأمن القومي الصهيوني، وهو تقرير معهد أبحاث INSS، يرصد أن التقرير السنوي للمعهد يحذر من عواقب وخيمة لتجاوز المستوطنين القانون، والخشية من تشكيل ميليشيات مسلحة صهيونية في الداخل، كما قال التقرير أن التحدي الرئيسي لـ"إسرائيل" عام 2023 هو الحفاظ على العلاقة الخاصة مع الولايات المتحدة.
وبعد عملية القدس البطولية وما تبعها من مواجهات وتداعيات، وجدنا دعوات من حكومة "المجانين" الصهيونية لهدم بيوت أهالي الشهداء وتهجيرهم ودعوة المهووس ايتمار بن غفير لتشكيل "حرس وطني"، وتسهيل حمل السلاح بلا قيود للمستوطنين وتعديل قواعد اطلاق النار للشرطة.
وهو ما يعني إطلاق العنان لتشكيل الميليشيات المسلحة التي تخوف منها تقرير الأمن القومي، والفتك بكل الالتزامات الدولية والتي تستند اليها الولايات المتحدة للبقاء في الصورة كوسيط للسلام المزعوم، وهو ما يفسد كامل العلاقات مع أمريكا وما تخوّف أيضًا منه التقرير.
والنتيجة المباشرة هي أن "حكومة المجانين" الصهيونية هي التي تدعو بنفسها لتنفيذ ما يحذر منه خبراء الأمن القومي الصهيوني!
ثانيًا: دلالات العملية
في الدلالات المباشرة لعملية القدس، هناك قناعة لدى العدو أن كل عدوان سيقابل برد، وفي ظل حكومة متطرفة يسوقها حمقى، فإن هناك دائرة مفرغة من المواجهات، وهو لا يصب في صالح العدو، بل يصب في صالح الشعب الفلسطيني، والذي لا مكان له سوى أرضه، بينما تتوقف الهجرة الاسرائيلية للداخل ناهيك عن الهجرة العكسية.
كذلك، كل الدول التي تدعي أنها دول عربية، والتي أدانت عملية القدس ووصفتها بالإرهاب والتي حاول بعضها التخفيف من جرعة الخيانة والوضاعة وساوى بين العملية وبين مجزرة العدو في جنين، هي دول تفرط علنا في القدس على عكس ما تدعي أن رؤيتها لحل الصراع هو وجود دولتين وان "القدس الشرقية" عاصمة لدولة فلسطينية من الدولتين المزعومتين، وذلك لأنها تصف المتطرفين الساعين لابتلاع القدس وتهجير المقدسيين العرب بالمدنيين وتصف مقاومتهم بالإرهاب.
وهذه الدول لا يجب السماح لها بالوساطة ولا يجب التعاطي معها رسميًا بمنطق العروبة والأخوة. إن العدو يسير بخطى متسارعة نحو حتفه والمقاومة الشعبية تسرع من وتيرة التحرير بحكم تحررها من القيود المفروضة على فصائل المقاومة والضغوط التي تمارس عليها.