صراع سعودي - إماراتي على تشييع الجثمان العربي!
إيهاب شوقي
لا يمكن فصل اجتماعات مثل اللقاء التشاوري في الإمارات وغيره من الاجتماعات، عن حالة الأزمة والسيولة السياسية التي تمر بها المنطقة على خلفية التغيّرات العاصفة في الموازين الدولية.
ومنبع الأزمة تولد من تعارض المصالح الذاتية لدول المنطقة مع مصالح المعسكر العام الذي تنتمي إليه وتحتمي به، وهو ما خلق تناقضات بينيّة كالتي نلمسها بين الإمارات والسعودية وقطر ومصر وتركيا والعدو الصهيوني نفسه رغم ما يبدو من اصطفاف لهذه الدول تحت راية التطبيع واعتبار العلاقات مع العدو بوابة للرضا الأمريكي والمنظمات الدولية ذات الصلة بالتجارة والاقتصاد.
ولعل مشهد القمم التي عقدت في السعودية مع الصين، كانت مصداقًا مباشرًا وتحمل دلالات متعددة لهذا الوضع، وهنا نحن بحاجة لمزيد من التوضيح والقاء الضوء على عدة مشاهد واستخلاص دلالاتها:
أولًا: عندما نرى الاعلان عن ثلاث قمم منفصلة في السعودية مع الصين واحدة عربية - صينية وثانية خليجية - صينية، ثم لقاء سعودي - صيني منفصل، فهو يعني مباشرة انفصال المسارات والمصالح.
أي أن هناك تمايزًا بين المصالح والمسارات الخليجية والمصالح والمسارات العربية، وهناك تمايز بين المصالح السعودية الخاصة وبين الجميع!
وعندما يغيب الرئيس الاماراتي محمد بن زايد عن القمم السعودية، فهذه دلالة مباشرة لانفصال المسار الاماراتي عن السعودي.
ثانيًا: عندما تحدث اجتماعات تبدو مفاجئة بين الرئيس المصري ورئيس السلطة محمود عباس وملك الأردن للتأكيد على الوصاية الهاشمية على القدس ثم يتبعها اللقاء التشاوري في الامارات بغياب تمثيل سعودي، فإن هناك أكثر من هاجس يمكن أن يتولد، وأهم الهواجس هنا تتصل بما يلي:
1- هواجس حول قطيعة سعودية مع الامارات وغياب مواقف موحدة على الأقل في موضوعات بهذه الخطورة والأهمية التي طرحها اللقاء التشاوري كعنوان له، بصرف النظر عن حقيقة الاجتماع وكواليسه وما خفي، ومدى دقة تطابق المتون مع العناوين.
2- هواجس تتعلق بموقف ولي العهد السعودي من الوصاية الهاشمية، وخاصة مع سوابق ألمحت إلى طمع ابن سلمان في الوصاية على القدس بدلًا من الاردن للجمع بين المقدسات الإسلامية تحت وصاية سعودية لتكريس زعامة سعودية فعلية على العمل العربي والاسلامي وفقًا لطموحات ولي العهد.
3- غياب رئيس السلطة عن الاجتماع يؤكد إصرار الإمارات على مرشحها المفضل الذي تستضيفه وهو محمد دحلان والموكلة اليه مهام خاصة نابعة من العلاقة الخاصة بينه وبين محمد بن زايد، وهو ما يعني وجود أجندة إماراتية خاصة للوضع الفلسطيني.
لا شك أن هناك تنافسًا بدأ يدخل لمرحلة الصراع بين الإمارات والسعودية على قيادة العمل العربي، في ظل غياب مهين ومحزن للقوى التقليدية وعلى رأسها مصر.
والأكثر مهانة، أن قيادة العمل العربي التي يتصارع عليها ابن زايد وابن سلمان، هي قيادة شكلية ولا تخرج عن سلة المصالح الصهيو - امريكية، وما نراه من تمايز بها هو انعكاس للبدائل الأمريكية والخطط المتنوعة بين الخطة ألف وباء وغيرها، وما نراه من تناقض، هو تناقض حول الزعامة وليس الأهداف.
هذا الزمن العربي الرديء هو نهاية لمسار ومحصلة لتراكمات ومفصل لتحول استراتيجي قيد التشكل، وهو قيادة قوى المقاومة للمنطقة باعتبارها القوى التي تحمل مشروعًا حقيقيًا لخلاص هذه الأمة من القهر والاستعباد، وباعتبارها القوى التي لها قوة حقيقية وتفاوضية وكلمة وازنة في الصراع الدولي وانعكاساته الإقليمية، وهو أمر بات قريبًا مع نذر انهيار تحالفات المعسكر التابع وتفكك مكوناته الداخلية ومحاور ارتكازاته التي بنيت على أسس واهية وقواعد هشة.
السعودية ترى أن تركيعها لمصر المستسلمة ومغازلتها وتحييدها لتركيا البراجماتية ومحاولات موازنتها بين روسيا وأمريكا والصين، عوامل تكفل لها قيادة المنطقة وقطع الطريق على محور المقاومة وحصاره، وذلك لطموحها في أن تصبح لاعبًا عالميًا بالتجاوز لجميع امكاناتها.
والإمارات ترى احتواءها لمصر ومهادنتها مع سوريا ومحاولة الجمع بين التطبيع وعلاقات هادئة مع ايران، ومحاولة استنساخ سياسة "صفر مشاكل" هي عوامل تكفل لها انتزاع القيادة والتحول للاعب عالمي أكثر ضمانة وعقلانية من السعودية.
بينما حدوث أي تحول في هذه المعادلات يمكنه أن يقلب طاولة هذه الأحلام الهشة، مثل أي تحول بمصر يعيدها لدورها التقليدي أو تعاظم المقاومة في فلسطين بشكل يقلب الطاولة على العدو، أو استفاقة شعبية حقيقية تثور على الخيانة والتطبيع التي بنت عليها هذه الدول والدويلات مصادر قوتها المتوهمة.
وربما كان الانهيار الاقتصادي الوشيك لعدة دول بالإقليم هو العامل الاقرب في العصف بهذه المعادلات.