شهادة الإمام الهادي "عليه السلام" دروس الحلم والصبر والصمود
إن من جملة صفات المعصوم الوقار و الهيبة التي تعكس عظمته وشموخه والفيوضات الروحية التي تصدر منه فتحير كل من ينظر إليه، لأنها آثار الأنبياء والأوصياء والعظماء حيث أن النور والبهاء والجمال المعنوي وحسن الكلام وفصل الخطاب وعذوبة اللسان وفصاحة المنطق ورصيد الكمال المختزل فيه تجعل الآخرين يقفون بكل أحترام له وهو الإمام المعصوم.
ان الإمام علي النقي عليه السلام ولد ونشأ في المدينة ولما استشهد أبوه كان عمره الشريف ثماني سنين، فانتقلت الإمامة إليه، فكان في المدينة إلى أيام جعفر المتوكل، فدعاه إلى سر من رأى وذلك ان بريحة العباسي كتب إلى المتوكل: «ان كان لك في الحرمين حاجة فأخرج علي بن محمد منها فانه قد دعا الناس إلى نفسه واتبعه خلق كثير».
ثم كتب إليه بهذا المعنى جمع آخر، وكان عبد الله بن محمد ـ والي المدينة ـ يؤذي الإمام كثيراً، وكتب كتباً إلى المتوكل سعى فيها بالإمام علي النقي عليه السلام حتى غضب المتوكل، فلما أحس الإمام بفعل الوالي وسعايته به كتب كتاباً إلى المتوكل يذكر تحامل عبد الله بن محمد عليه وكذبه فيما سعى به.
فأجاب المتوكل لمصلحة في نفسه على كتاب الإمام عليه السلام بدقة ولطف وزاد في إكرام الإمام وعظَّمه فيه، وكتب فيما كتب: «…. فقد رأى أمير المؤمنين صرف عبد الله بن محمد عما كان يتولى … إذ كان على ما ذكرت من جهالته بحقك واستخفافه بقدرك… وقد ولى أمير المؤمنين ما كان يلي من ذلك محمد بن الفضل، وأمره بإكرامك وتبجيلك والانتهاء إلى أمرك ورأيك… .
فإن نشطت لزيارته والمقام قبله ما أحببت، شخصت ومن اخترت من أهل بيتك ومواليك وحشمك على مهله وطمأنينة، وترحل إذا شئت وتنزل إذا شئت، فإن أحببت أن يكون يحيى بين هرثمة مولى أمير المؤمنين ومن معه من الجند يرحلون برحيلك، يسيرون بمسيرك، فالأمر في ذلك إليك وقد تقدمنا إليه بطاعتك.
فاستخر الله حتى توافي أمير المؤمنين فما أحد من أخوته وولده وأهل بيته وخاصته ألطف منه منزلة ولا أحمد له أثرة ولا هو لهم أنظر وعليهم أشفق، وبهم أبر، وأليهم أسكن منه إليك وكتب إبراهيم بن العباس في جمادى الأخرة سنة ثلاث وأربعين ومائتين».
وأما ما لقي عليه السلام من الأذى والجور والظلم من قبل الأعداء فهو كثير ونكتفي هنا بذكر بعضه.
كان الواثق العباسي يخشى من أبي الحسن عليه السلام كثيراً لاعتقاده أنه هو الذي يأمر بثورات العلويين، وكان يخشى أن يثور عليه يوما من الأيام، فأمر جلاوزته فعمل تلاً عظيماً من التراب واستدعى جميع جيشه في استعراض مهيب ثم دعى الإمام الهادي ليرى ذلك حتى يدخل الخوف في قلب الإمام عليه السلام، فقال له الإمام: (وهل تريد أن أعرض عليك عسكري؟).
فقال الواثق: نعم.
فدعا الله سبحانه، فإذا بين السماء والأرض ملائكة مدججون بالسلاح، فغشي على الواثق.ثم تركه الإمام ومضى إلى سبيله.
وروى العلامة المجلسي رحمه الله في جلاء العيون، وغيره في غيره: أن الإمام علي الهادي عليه السلام توفي مسموماً شهيداً وله من العمر أربعون سنة، وقيل إحدى وأربعون سنة.
فإنه عليه السلام تصدى للإمامة الكبرى والخلافة العظمى بعد أبيه الإمام الجواد عليه السلام، وكان له من العمر ست سنوات وخمسة أشهر، وكانت مدة إمامته ثلاث وثلاثين سنة وعدة اشهر.
وكان استشهاد الإمام الهادي عليه السلام بسامراء في جمادى الآخرة لخمس ليال بقين منه، وقيل: في الثالث من رجب، وقيل: يوم الاثنين لثلاث ليال بقين من جمادى الآخرة نصف النهار سنة 254 هـ.
«ينبغي على من يتخذ من الإمام علي النقي إماماً الإقتداء به واتخاذه مثُلٌ أعلى في التعامل مع الآخرين وظروف الحياة والسياسة الراهنة»